اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعتبر قطاع الزراعة من الركائز الحيوية والأساسية للاقتصاد اللبناني، حيث يعتمد عليه أكثر من ثلاثة أرباع السكان كمصدر رزق مباشر أو غير مباشر. يشتهر لبنان بتنوع محاصيله الزراعية، التي تشمل العديد من الخضراوات والنباتات العشبية، مما يعكس غنى القطاع الزراعي وتاريخه العريق.

ومع ذلك، فإن الواقع الراهن للقطاع يعاني من تحديات جوهرية، أبرزها شح الامطار خلال فصل الشتاء المنصرم، الذي كان ضعيفا في كمية المتساقطات. هذا النقص الحاد في المياه أثر بشكل مباشر في قدرة المزارعين على ري محاصيلهم بالطرق التقليدية والنقية، مما اضطر العديد منهم إلى استخدام مياه غير صالحة للري، مثل مياه الصرف الصحي أو المياه الملوثة كيميائيا وبيولوجيا.

لا شك ان هذه الممارسات الزراعية تحمل في طياتها مخاطر جسيمة على الصحة العامة، إذ أن الري بمياه ملطّخة يؤدي إلى انتقال ملوثات خطرة مثل البكتيريا، الفيروسات، الطفيليات، والمعادن الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم، بالإضافة إلى بقايا الأدوية والمبيدات الزراعية التي تستقر في المحاصيل، وتصل في نهاية المطاف إلى المستهلكين. هذا الوضع يفتح الباب أمام تفشي أمراض معوية، ومشاكل صحية مزمنة الى جانب أمراض الجهاز العصبي، وتأثيرات سلبية على نمو الأطفال، بل وحتى زيادة مخاطر الإصابة بالسرطان.

من وجهة نظر نقدية، فإن ما يحدث يعكس خللاً بنيويا في إدارة الموارد المائية والزراعية في لبنان، حيث غابت الخطط الاستراتيجية الفعالة لتوفير بدائل مياه نظيفة للري أو تحديث أنظمة الري، بما يتناسب مع التحديات المناخية. كما أن ضعف الرقابة والتوعية الصحية المتعلقة بالزراعة، يؤديان إلى استمرار هذه التصرفات الخطرة، مما يستدعي تحركاً عاجلاً من الجهات المختصة لتطوير بنية تحتية مائية مستدامة، وضبط استخدام المياه الملوثة، ورفع مستوى وعي المزارعين بأهمية سلامة المياه في حماية صحة المستهلكين.

في جميع الاحوال، يبقى قطاع الزراعة اللبناني على مفترق طرق، إما أن تستمر الافعال التي قد تخلق أزمات صحية عامة حادة، أو يتم اتخاذ إجراءات فورية ومتكاملة لحماية الموارد الزراعية وضمان سلامة الغذاء، وهو ما يتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني والمزارعين أنفسهم.

خطر مخفٍ يهدّد الصحة العامة

في سياق متصل، تناولت "الديار" بعد تلقيها العديد من الشكاوى من اهالي يشكون غياب الرقابة الحقيقية على القطاع الزراعي، وتزايد الأمراض السرطانية والمزمنة في البقاع وعكار خصوصا والبلاد عموما، حيث كشف أحدهم لـ "الديار" عن تكاثر هذه الامراض في بلدته، وارتباطها بشكل مباشر بالأطعمة الملوثة والمزروعات المروية بالمياه العادمة.

الضرر جماعي والتدابير الوقائية اجباريةّ

من جهتها، توضح اختصاصية التغذية كاتيا قانصو لـ "الديار" ان "تناول المزروعات التي تُروى بمياه ملوثة، سواء بالصرف الصحي أو بمياه ملوثة كيميائيا أو بيولوجيا، يُعتبر خطرا حقيقيا على الصحة العامة، ويتفاوت التأثير حسب نوع التلوث، ومدة التعرض، ونوع المحصول، وطريقة تناوله (نيئاً أو مطهواً)".

وتضيف: "كما ان التعرّض لمياه الصرف الصحي، يمكن أن يؤدّي إلى التهابات تنفسية وأمراض جلدية، خصوصاً بين العمال الزراعيين الذين يتعاملون مباشرة مع المياه الملوثة. بالإضافة إلى انتقال ملوثات مثل المعادن الثقيلة، كالرصاص والكادميوم وبقايا الأدوية، إلى السلسلة الغذائية. وتشكّل هذه الملوثات مخاطر صحية طويلة الأمد، مثل السرطان، ومشكلات النمو لدى الأطفال، ومقاومة المضادات الحيوية".

مهالك فتّاكة!

وتشير الى أن "من أبرز المخاطر الصحية الناتجة من تناول المزروعات المروية بمياه ملوثة هو التلوث البيولوجي، والذي يشمل التلوث البكتيري والفيروسي والطفيلي. وقد تُحث هذه الأنواع من الملوثات أمراضاً شرسة مثل الإسهال، الكوليرا، التيفوئيد، الزحار، بالإضافة إلى التهاب الكبد من النوعين A وE".

وتضيف "ان الخطورة الأكبر تكمن في أن هذه الملوثات تنتقل بسهولة إلى الإنسان عبر الخضار الورقية مثل الخس، النعناع، والبقدونس، والتي غالبا ما يتم استهلاكها نيئة دون طهي. وتشمل الفئات الأكثر عرضة لهذه الأمراض الأطفال، النساء الحوامل وكبار السن، نظراً لضعف مناعتهم أو حساسية أجسامهم تجاه هذه الأنواع من الملوثات".

أنماط مؤذية!

وتشير الى أن "أحد أخطر أشكال التلوث الناجم عن ري المزروعات بمياه آسنة، هو التلوث بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق والكادميوم. اذ ان هذه المعادن لا تخرج بسهولة من الجسم، بل تتراكم تدريجيا مع مرور الوقت، مما يسفر عن أضرار صحية جسيمة. فمن أبرز آثارها تلف الكبد والكلى، إضافة إلى تأثيرها السلبي على الجهاز العصبي، وهو ما قد ينعكس بشكل خطر على الوظائف العصبية والسلوكية. ويعتبر الأطفال هم الفئة الأكثر هشاشة في مواجهة هذه المعادن، إذ يمكن أن تتسبب لهم بتأخر في النمو العقلي والإدراكي، إلى جانب زيادة خطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان على المدى الطويل".

وتتطرق قانصو أيضا إلى خطر لا يقل أهمية، "يتمثل في بقايا الأدوية والمواد الكيميائية التي قد تكون موجودة في مياه الري، مثل الهرمونات، المضادات الحيوية، والمبيدات الزراعية. وتشكل هذه المواد تهديدا خفيا على الصحة العامة، إذ يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات هرمونية خطرة، وتساهم في تعزيز ظاهرة مقاومة الجسم للمضادات الحيوية، فضلًا عن تسببها بمشاكل تناسلية تظهر مع مرور الوقت".

انتقال العناصر المضرة الى المحاصيل!

وتشدد على أن "هذه المركبات تدخل إلى النباتات من خلال الجذور، وتبقى في أنسجتها حتى بعد الغسيل أو الطهي، مما يجعل التخلص منها شبه مستحيل، ويزيد من خطورتها على المستهلك النهائي".

وتشجع على "اتباع مجموعة من الخطوات الوقائية، للتقليل من مخاطر استهلاك المزروعات المروية بمياه ملوثة، خصوصاً في ظل غياب الرقابة الصارمة على جودة مياه الري في بعض المناطق". وتوصي في هذا الإطار "بضرورة التحقق من مصدر المزروعات، لا سيما تلك التي تؤكل نيئة كالخضراوات الورقية، نظرا لارتفاع احتمال تلوثها". كما تصرّ على "أهمية نقعها وغسلها جيداً باستخدام الماء مع القليل من الخل أو الملح، كوسيلة للتقليل من الملوثات السطحية".

وتدعو المستهلكين إلى "شراء المنتجات الزراعية من مصادر موثوق بها أو مزارع معروفة باستعمالها مياه نظيفة للري". كذلك، تقترح "طهيها قدر الإمكان، لا سيما الأنواع التي يُحتمل تعرضها للتلوث، لأن عملية الطهي تسهم في القضاء على جزء من الميكروبات الضارة".

وتتحدث عن "أهمية نشر الوعي بين المزارعين والمستهلكين على حد سواء"، مشيرة إلى أن "ري المزروعات بمياه آمنة ليس مجرد مسألة تقنية أو زراعية، بل قضية صحية تمس حياة الإنسان بشكل مباشر. لذا تعد التوعية بمخاطر الري بمياه ملوثة، وضرر هذه الممارسات على سلامة الغذاء وصحة المستهلكين، خطوة ضرورية للحد من انتشار الأمراض المرتبطة بالتلوث الغذائي".

الأصناف الاكثر هشاشة!

وتذكر قانصو في الختام "بعض الأنواع التي تُعتبر أكثر عرضة لامتصاص الملوثات من غيرها، إما عبر الجذور أو من خلال تَرسّب الملوثات على سطحها الخارجي، وتشمل:

- النباتات الورقية مثل الخس، البقدونس، النعناع، الكزبرة، السبانخ والملوخية، التي تمتص الملوثات بسهولة ولا تُطهى في الغالب، ما يزيد من خطرها.

- الخضار الجذرية مثل الجزر، البطاطا، الفجل والبنجر التي تُخزن المعادن الثقيلة داخل أنسجتها، ولا يمكن التخلص منها بالغسل.

- خضر وفواكه ذات قشور رقيقة كالكوسا، الخيار، الطماطم، العنب، والفراولة، حيث يمكن أن تتسرب الملوثات عبر القشرة أو تلتصق بسطحها، مما يجعلها مصدراً خفياً للتلوث عند الاستهلاك".

 

الأكثر قراءة

ما خفي من كلام براك... فضحته "عشاواته"