اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تعيش بلدة تحوم في شمال لبنان واحدة من أبرز نماذج الصراع بين الحق العام والنفوذ الخاص، بعدما عاد إلى الواجهة النزاع القانوني والمالي بين النادي اللبناني لليخوت وفرنسوا بركات، مالك العقار المجاور الذي تقول مصادر النادي إنه استفاد من دعم سياسي وإداري لفرض وقائع مشكوك في قانونيتها على شاطئ القرية.


الشاطئ والنبع في قلب النزاع

يستعمل النادي اللبناني لليخوت منذ عقود العقار رقم 206 من منطقة تحوم العقارية، وهو عقار ملاصق للأملاك العامة البحرية، ويمتد على مساحة شاطئ طبيعي من الحصى الملساء يُقدّر بنحو 1000 متر مربع، حيث يقع نبع تحوم المعروف أيضًا باسم "غلاسي". بحسب تقرير سابق صادر عن وزارة الأشغال، كان هذا الشاطئ يُستخدم منذ سنوات طويلة من صيادي الأسماك وهواة رياضة الشراع، فضلًا عن أبناء البلدة الذين يرون فيه متنفسًا عامًا.

لكن في المقابل، يقول النادي إن هذا الواقع التاريخي بدأ يتعرض لتحديات جدية منذ عام 2022، حين بادر فرنسوا بركات، الذي يملك العقار المجاور رقم 205، إلى تقديم طلب تسوية لمخالفة ردم وصخور وصفها النادي بأنها "مخالفة وهمية وغير موجودة أساسًا".

نفوذ سياسي وإجراءات قضائية متشعبة

بحسب رواية النادي، فإن فرنسوا بركات استعان آنذاك بنفوذه الشخصي وبصلاته مع دوائر القرار، ولا سيما القصر الجمهوري إبان عهد ميشال عون، حيث تجمعه صلة قربى بالنائب جبران باسيل. وتتهم إدارة النادي صاحب العقار بتسخير أجهزة الدولة، من الدرك والقضاء والوزارات المختصة، لفرض تدابير غير مبررة بحق النادي.

ويشير بيان صادر عن النادي إلى أن هذه التدابير بلغت ذروتها عندما أقدم القضاء على ختم مبنى النادي بالشمع الأحمر، قبل أن يعود في وقت لاحق القاضي علي ابراهيم ويقفل المحضر لمصلحة النادي بعد ثلاث سنوات من الملاحقات. كما رُفعت دعاوى إضافية أمام القضاء التمييزي في بيروت، أفضت إلى تقييد استعمال النادي لمساحاته البحرية.

من شرفة النادي إلى نبع البلدة

في الفصل الجديد من النزاع، يؤكد النادي أنه فوجئ مؤخرًا بتسجيل شكوى جديدة أمام القضاء، تتضمن طلبًا بسحب المراكب العائدة له من الشاطئ وإخلاء كل المعدات والطاولات والكراسي. الأكثر إثارة للريبة، وفق النادي، أن الشكوى تستند إلى حدود جديدة مرسومة باللون الأحمر تضم النبع التاريخي للقرية، وكأنها تسعى لتخصيصه ضمن نطاق إشغال خاص.

ويقول مسؤولو النادي:

> "نملك وثائق تؤكد أن نبع تحوم ليس جزءًا من أي عقار خاص، بل هو ملك عام متروك للاستعمال المشترك منذ مئات السنين. واليوم تُرسم حدود وهمية بغية احتكاره لصالح فرد واحد".

ويتساءل النادي عن قانونية السماح بترخيص صيانة لمساحة واسعة تُقدّر بـ3000 متر مربع لصالح شخص يملك في الأصل 950 مترًا غير صالحة للاستثمار البحري، فيما لم يُمنح النادي نفسه أي ترخيص لصيانة منشآته رغم تاريخه المعروف في المنطقة ودوره الرياضي والاجتماعي.


الحق العام… ضحية في كل مرة

هذا النزاع لا يخرج عن الإطار المتكرر في لبنان: صراع مزمن بين الانتفاع الخاص وحماية الملك العام، وسط غياب الشفافية الكاملة في قرارات الإدارة وتسييس العمل القضائي. وهو كذلك نموذج يختصر معاناة العديد من النوادي البحرية والجمعيات الأهلية في وجه أصحاب النفوذ الذين يجدون في غياب رقابة الدولة فرصة لتكريس إشغالات مشكوك في قانونيتها.

يقول أحد الصيادين القدامى في تحوم:

> "نبع تحوم وذاك الشاطئ للناس كلها، هو ذاكرة القرية. لا أحد يحق له أن يغلقه أو يطردنا منه مهما علت الأكتاف".

أما النادي فيؤكد أنه سيتابع كل الوسائل القانونية للحفاظ على حقوقه وحقوق أبناء البلدة، ويعتبر أن ما يجري يشكل سابقة خطيرة في انتزاع الأملاك العامة عبر تسويات إدارية و"تصاميم هندسية وهمية"، على حد تعبيره.

عهد الاصلاح… من يطبّق الشعارات؟

يبقى السؤال الجوهري: هل يصح في عهد الرئيس جوزيف عون، عهد الاصلاح، أن تُهدر حقوق الناس وحقهم الطبيعي في شاطئهم وبيئتهم المائية لصالح مصالح فردية؟ وكيف يمكن لمؤسسة رسمية أي وزارة الأشغال أن تمنح تراخيص صيانة أو إشغال لجهة لم تكن تشغل المساحة تاريخيًا، بينما تمنع الجهة الأصلية المستثمرة والمالكة للمنشآت من أي حق مماثل؟

في بلد تستبيح فيه السياسة والقوى النافذة البحر واليابسة، قد لا يكون نزاع تحوم استثناءً. لكنه يظل محطة صارخة للقول:

"الحق العام لا يُباع ولا يُشترى… والنبع والشاطئ ليسا ورقة مساومة على طاولات النفوذ." 

الأكثر قراءة

إسرائيل تسعى الى منطقة عازلة من حاصبيا الى السويداء ودرعا جبل الشيخ والجولان سيتحوّلان الى نقاط استثمارات دوليّة واشنطن والرياض تسعيان لانقلاب أبيض يُغيّر موازين القوى في لبنان