اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تُعد حساسية الغلوتين أو ما يُعرف طبيًا بـ"الداء البطني" من المشكلات الصحية المتزايدة التي تُصيب الأطفال في مختلف أنحاء العالم، لكنها غالبًا ما تُشخّص في وقت متأخر بسبب تشابه أعراضها مع أمراض أخرى. الغلوتين هو بروتين يوجد بشكل رئيسي في القمح، الشعير، والجاودار، ويؤدي استهلاكه لدى الأطفال المصابين إلى استجابة مناعية غير طبيعية تهاجم بطانة الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى التهابات ومشكلات في الامتصاص الغذائي.

تتفاوت أسباب حساسية الغلوتين بين الاستعداد الجيني والعوامل البيئية. فالأطفال الذين ينتمون إلى عائلات لديهم تاريخ في الإصابة بهذا المرض أو بأمراض مناعية مثل السكري من النوع الأول، هم أكثر عرضة للإصابة. كما تلعب بعض العوامل البيئية دورًا محتملًا، مثل توقيت إدخال الغلوتين في النظام الغذائي خلال مرحلة الطفولة المبكرة، وعدد مرات الإصابة بعدوى معوية في السنوات الأولى من العمر. إضافة إلى ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن الولادة القيصرية وعدم الرضاعة الطبيعية قد يسهمان في اختلال التوازن البكتيري في الأمعاء، مما قد يُضعف مناعة الطفل ويزيد احتمالية تطور الحساسية.

أما من ناحية الأعراض، فهي غالبًا ما تكون خادعة ومتنوعة. قد يعاني الطفل من الإسهال المزمن، الانتفاخ، نقص الوزن، أو تأخر في النمو. وفي حالات أخرى، قد تظهر أعراض غير هضمية مثل فقر الدم، التهيج، ضعف التركيز، أو الطفح الجلدي المعروف باسم "التهاب الجلد الحلئي الشكل". هذا التنوع في الأعراض يجعل من التشخيص الدقيق أمرًا معقدًا ويحتاج إلى اختبارات دموية وتحاليل نسيجية دقيقة لتأكيد الإصابة.

تتمثل التداعيات طويلة المدى لحساسية الغلوتين غير المشخّصة أو غير المعالجة في اضطرابات شديدة في امتصاص الفيتامينات والمعادن، ما يؤدي إلى تأخر النمو العقلي والجسدي، وضعف العظام، ومشكلات في الخصوبة في مراحل لاحقة من الحياة. كما أن استمرار الالتهاب المزمن في الأمعاء قد يُمهّد للإصابة بأمراض مناعية أخرى على المدى البعيد.

الخطوة الأساسية في العلاج تكمن في اتباع نظام غذائي صارم خالٍ تمامًا من الغلوتين، وهو أمر يحتاج إلى وعي كبير من الأهل والمجتمع المحيط بالطفل، خاصة في المدرسة أو الأماكن العامة. هذا النمط الغذائي لا يُعتبر مجرد "اختيار صحي"، بل هو علاج أساسي مدى الحياة لتجنب المضاعفات الخطيرة. كما ينبغي أن يحصل الطفل على دعم نفسي واجتماعي لتقبل التغيير في نمط حياته، خاصة أنه قد يواجه شعورًا بالعزلة أو الاختلاف عن أقرانه.

في الختام، يُظهر موضوع حساسية الغلوتين عند الأطفال مدى أهمية الكشف المبكر والتوعية المستمرة حول هذا النوع من الاضطرابات المناعية. من الضروري أن يكون الأطباء والأهالي والمعلمون على دراية بأعراضه، وأن يتعاونوا لضمان بيئة آمنة وصحية للطفل المصاب، ما يضمن له حياة طبيعية ونموًا سليمًا رغم التحديات الغذائية.

الأكثر قراءة

إذا لم يُسلّم حزب الله سلاحه