اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في عالم اليوم السريع والمتطلب، أصبح التوتر جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. سواء كان ناجمًا عن ضغط العمل، أو المشكلات العائلية، أو القلق المالي، فإن التوتر يؤثر بشكل مباشر على صحتنا النفسية والجسدية. من بين أبرز السلوكيات التي تظهر كردّ فعل للتوتر هي الإفراط في تناول الطعام، خاصة الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات. فما الذي يربط بين التوتر وتلك الرغبة المفاجئة في الأكل المفرط؟ وهل هي مجرد عادة سيئة، أم أنها ظاهرة نفسية-فسيولوجية لها جذور أعمق؟

عندما يتعرض الإنسان للتوتر، يفرز الجسم هرمونات عدة، أبرزها الكورتيزول، المعروف بهرمون التوتر. يعمل هذا الهرمون على تحفيز الجسم للاستعداد لمواجهة الخطر، وهو ما يعرف بردّ فعل "الكرّ أو الفرّ". لكن في حال استمرار التوتر لفترات طويلة، فإن الكورتيزول يبقى مرتفعًا في الجسم، ما يؤدي إلى تغيّرات في الشهية. تشير دراسات علمية إلى أن ارتفاع الكورتيزول يرتبط مباشرة بزيادة الرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، كطريقة دفاعية من الجسم لتعويض الإحساس بالخطر وتوفير الطاقة اللازمة.

من جهة أخرى، يرتبط التوتر المزمن باضطرابات المزاج، مثل القلق والاكتئاب، وهي حالات غالبًا ما تدفع الإنسان إلى البحث عن "راحة مؤقتة" في الطعام. يُعرف هذا السلوك باسم "الأكل العاطفي"، حيث يتحول الطعام إلى وسيلة للهروب من المشاعر السلبية بدلاً من تلبية حاجة جسدية حقيقية. وعادةً ما ينجذب الأفراد في هذه الحالة إلى أطعمة تحتوي على نسب عالية من السكر والدهون، لكونها تحفّز إفراز هرمونات السعادة المؤقتة مثل الدوبامين والسيروتونين.

إنّ المشكلة لا تكمن فقط في السعرات الحرارية الزائدة التي تُستهلك، بل في الدورة المغلقة التي يُحدثها هذا النمط من الأكل. فبعد تناول الطعام المفرط، يشعر الشخص بالذنب وتأنيب الضمير، مما يزيد من التوتر، ويؤدي بالتالي إلى نوبة أكل أخرى، وهكذا دواليك. تتحول هذه الحلقة إلى نمط حياة مدمر يؤدي إلى مشاكل صحية مثل السمنة، وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري من النوع الثاني، فضلًا عن تدهور الصحة النفسية.

ولمواجهة هذه الظاهرة، لا يكفي فقط التركيز على تنظيم النظام الغذائي، بل من الضروري معالجة جذور التوتر ذاته. يمكن أن تساعد تقنيات إدارة التوتر مثل التأمل، وتمارين التنفس العميق، واليوغا، والمشي المنتظم، على تقليل مستويات الكورتيزول وتحسين المزاج. كما أن اللجوء إلى الدعم النفسي، سواء من خلال جلسات العلاج السلوكي المعرفي أو مجموعات الدعم، يُعد خطوة مهمة لفهم العلاقة بين المشاعر والسلوكيات الغذائية.

إنّ العلاقة بين التوتر والإفراط في تناول الطعام ليست بسيطة ولا عشوائية، بل هي نتيجة تفاعل معقد بين العوامل النفسية والهرمونية والسلوكية. إن الوعي بهذه العلاقة يشكل الخطوة الأولى نحو كسر الحلقة المفرغة، وبناء علاقة صحية مع الطعام تقوم على الاستجابة لحاجات الجسد الحقيقية، لا على الهروب من ضغوط الحياة.

الأكثر قراءة

إذا لم يُسلّم حزب الله سلاحه