في إطار التصدي لعملية إطلاق النار العشوائي، أقر مجلس النواب اللبناني بتاريخ 15 أيار 2025 قانونا يقضي بتشديد العقوبات على مطلقي النار، ويتضمن مضاعفة العقوبات وزيادة الحد الأدنى لفترات السجن، بهدف ردع هذه الحالة التي باتت تهدد سلامة المواطنين وأمنهم. جاء هذا القانون استجابةً لتفاقم ظاهرة إطلاق النار التي تؤدي إلى سقوط ضحايا وترويع المجتمع، وفرض إجراءات قانونية صارمة من شأنها تقليل مثل هذه المخالفات.
ومع ذلك، ورغم هذه التشريعات الجديدة، لا يزال إطلاق النار غير المنضبط مستمرا. وقد علمت "الديار" بوقوع اصابات في بلدة شمسطار، وصيدا، والشمال، والبقاع الأوسط، وصولا الى الهرمل وذلك خلال الساعات الـ 27 الماضية. ففي بلدة القصر، لم تكتمل فرحة عائلة كنعان بنجاح ابنتهم في الشهادة الفنية الرسمية BT، إذ تحولت لحظة الفرح إلى مأتم إثر إطلاق النار ابتهاجا من قبل شقيقها عمار كنعان، البالغ من العمر ستة عشر عاما، دون مراعاة للوضع الأمني الحساس في المنطقة.
ووفقا لمصدر أمني، خرج عمار بسيارة والده من أمام منزلهم الواقع على تماس مباشر مع الخط الحدودي مع الجانب السوري في محلة مطربا - القصر الحدودية، وكان يحمل السلاح. ونظرا الى حساسية المنطقة والقرار العسكري الصارم بمنع أي خرق أمني على الحدود، وصلت دورية من الجيش اللبناني إلى المكان وطُلِب منه التوقف، غير انه لم يمتثل الأوامر وأكمل سيره، فأطلقت الدورية طلقات تحذيرية صوب السيارة لإجبارها على التوقف، مما أدى الى إصابة سائقها ووفاته على الفور.
تعكس هذه الحادثة المؤلمة استمرار تفاقم خطورة ظاهرة إطلاق النار العشوائي رغم التشريعات المشددة، وتؤكد أن القانون وحده لا يكفي للقضاء عليها دون تطبيق فعلي متواصل، إضافة إلى ضرورة تعزيز التوجيه المجتمعي والثقافي لتغيير السلوكيات التي تؤدي إلى هذه الحوادث المأسوية في ظل نقص الإحصاءات الرسمية الشاملة، حيث تعتمد التقديرات بشكل رئيسي على التقارير الإعلامية.
القبضايات "محميين"!
استنادا الى ما تقدم، توضح الناشطة الحقوقية المحامية ماريانا برو لـ "الديار" أن ظاهرة إطلاق النار الاعتباطي ناجمة عن انتشار السلاح بيد الجميع، في ظل وجود ما يشبه الدويلات المتعددة، وغياب فعلي لسلطة الدولة. وتشير إلى أنه، على الرغم من تجديد العقوبات المتعلقة بإطلاق النار وتشديدها من قبل المحاكم، فإن هذه الإجراءات ليست رادعة ولا كافية. وتعزو ذلك إلى ثقافة سائدة في لبنان تتمثل بثقافة قطاع الطرق، وسط شعور عام بانعدام العدالة، بحيث لا يُستردّ الحق عبر القانون، بل يسود منطق الفوضى والتفلّت الأمني".
وتضيف: "في حال كان هناك شخص ملتزم ويحترم القانون، فإنه غالبا لا يتمكن من استيفاء حقه، وعندما يتقدّم بشكوى ضد شخص منحرف، يواجه صعوبات نتيجة وجود مجموعات داخل بعض الأجهزة الأمنية توفّر الحماية للمخالفين. ففي بعض المناطق، يُلاحظ أن أفرادا من مختلف الأعمار، يحملون السلاح. كما أن هناك جهات سياسية لبنانية وغير لبنانية تملك السلاح، ويُسجَّل انتشار الأسلحة الخفيفة والثقيلة في بعض المخيمات الفلسطينية".
فوضى منح الرخص!
وتقول: "يكاد لا يخلو بيت في البلاد من السلاح، فكيف يمكن، في ظل هذا الواقع، معالجة أزمة إطلاق النار العشوائي؟ فمع أي خلاف، مهما كان بسيطًا، قد يُقدم أحد الطرفين على استخدام السلاح، مما يؤدي أحيانا إلى ارتكاب جريمة قتل. وهناك ما لا يقل عن جريمة أو اثنتين أسبوعيا، في ظل انتشار السلاح بين الجميع، من دون أي اجراء صارم، لأننا ببساطة لا نملك دولة قوية. وهنا أطرح السؤال: من يبيع السلاح؟ وكيف تُمنح رخص حمله؟".
تجيب برّو: "القانون يحدّد الجهات المخوّلة بمنح رخص حمل السلاح، لكن، وللأسف، بتنا في وضع يشبه الفوضى العامة، حيث يسيطر الارتجال ويغيب التنظيم".
المحاسبة أساس الإصلاح!
وتُشدد على أن "الانطلاق في المعالجة يجب أن يبدأ من مسألة السلاح الخفيف، قبل الانتقال إلى مناقشة مسألة السلاح الثقيل. فكل شخص يحصل على رخصة سلاح يجب أن يلتزم بالشروط القانونية المحددة. بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي أن تمتلك أي جهة غير الدولة السلاح، لأن التجربة أثبتت، من خلال ما شهدناه من حروب أهلية أو نزاعات بين أطراف أو أحزاب مختلفة، أو حتى اشتباكات مع المخيمات الفلسطينية، أن جميع هذه الجهات كانت مسلّحة. لذلك، من الضروري البدء بنزع السلاح الخفيف، بما في ذلك السلاح الموجود داخل المخيمات، والعمل تدريجيا على حصره بيد الجيش اللبناني".
نطاق التوعية ضيق!
وتتساءل: "كيف يمكن الحد من إطلاق النار، الذي يسقط ضحيته كثير من المواطنين، في ظل ثقافة تمجّد صورة "القبضاي" الذي يحمل السلاح ويستطيع إزهاق روح أي فرد متى شاء، في وقت يهلّل فيه المجتمع للمجرمين؟ إن إيجاد حلول في ظل هذه الثقافة، ومع غياب التوعية، يبقى أمرا بالغ الصعوبة. وحتى في حال عُقدت مؤتمرات أو ورش عمل لمعالجة قضية إطلاق النار العشوائي، وحمل السلاح، وتنظيم منح التراخيص، وحصر السلاح بيد الدولة، يُطرح تساؤل جوهري: من يدير هذه المؤتمرات؟ من هي الفئة المستهدفة؟ وهل تصل فعليا النقاشات والمخرجات إلى الأشخاص المعنيين والمجتمعات المتأثرة، أم أن الحوار يبقى محصورا ضمن دائرة الحاضرين في القاعة، دون أن يُحدث تغييرا ملموسا في القوانين أو في آليات تطبيقها؟".
وتشير إلى أن "هذه هي أزمتنا في مختلف القضايا، سواء كانت آفة المخدرات، أو التحرش، أو غيرها من الجرائم، إذ إن حملات التنبيه غالبا ما تقتصر على الفئات المثقفة أو الملمة بالقانون. لذلك، أُشدّد على ضرورة توجيه هذه الأنشطة إلى الفئات غير المثقفة، أو التي تفتقر إلى الثقافة القانونية، وأولئك الذين يجهلون خطورة حيازة السلاح. فقد أُصيب طفل، الأسبوع الماضي، بطلق ناري عن طريق الخطأ خلال إطلاق النار احتفالًا بنجاح شقيقه، وتُوفي على الفور".
وتختم: "في كل مرة تُعلَن فيها نتائج الامتحانات، أو في مراسم الجنازات أو الأعراس، يكون السلاح حاضرا، وفي المقابل يسقط ضحايا نتيجة استخدامه. فما ذنب شخص يسير في الطريق ليلقى حتفه برصاصة طائشة، فقط لأن أحدهم قرّر أن يحمل السلاح؟ كل ذلك يحدث في ظل غياب واضح للدولة، واستمرار منح الرخص بطريقة عشوائية، إضافة إلى وجود تجارة وبيع للسلاح بشكل غير منضبط".
الامن المجتمعي "بخطر"!
من جهتها، ترى الاختصاصية النفسانية والاجتماعية الدكتورة غنوة يونس أن "تشديد العقوبات قد يكون خطوة ضرورية وفعالة على المدى القصير من أجل الردع، خاصة في حالات إطلاق النار العشوائي التي تهدد حياة الناس بشكل مباشر. فقد تثير العقوبات أحيانا خوفاً من العقاب أو المحاسبة لدى البعض، مما يحد من هذا السلوك نتيجة وجود مساءلة فعلية. ولكن إذا أردنا التحدث عن حل جذري ومستدام، فإن الموضوع أعمق من مجرد قانون أو إجراء أمني".
وتقول لـ "الديار" إن: "إطلاق النار بفوضوية مثل أي سلوك عنيف آخر، ناتج من ثقافة مجتمعية أوسع، ثقافة تمجّد السلاح وتربط الرجولة أو الهيبة أو السلطة بالقدرة على حمله. هذه الثقافة تتضمن تراكما من الغضب المكبوت، وشعورا بعدم الأمان، ونقصا في أدوات التعبير السلمي، أو حتى طريقة تعبير لدى البعض في الفرح أو الحزن كإعلان عن مناسبة ما".
الشجاعة ليست بالضغط على الزناد!
وتؤكد أن: "هذه الثقافة تتميز بالتفاخر والاستعراض، حتى وإن كان ذلك على حساب حياة الآخرين، لأن هؤلاء الأشخاص في كثير من الأحيان غير مدركين أنهم يرتكبون خطأً أو يعرضون حياة الآخرين للخطر. وهذا التصرف نراه شائعا في المناطق الريفية أكثر من المدن، وبين بعض الأشخاص الذين يربطون السلاح بالمروءة".
تتابع: "يبدأ التغيير الحقيقي من التربية، ومن الخطاب الإعلامي، ومن المدارس، ومن الوعي الاجتماعي الذي يجب أن يعيد تعريف القوة والكرامة، لا بالسلاح، بل بالمسؤولية والوعي وضبط النفس واحترام الحياة. نحن بحاجة إلى حملات تنوير مستمرة، ودمج مفاهيم السلام الداخلي واللاعنف في مناهجنا، لبناء نماذج جديدة للنخوة والبطولة. لذلك، من الضروري تعليم الجيل الجديد أن التعبير عن الانفعالات لا يكون بالرصاص، بل بالكلمة، والفهم، والحوار. وهناك العديد من الجمعيات التي أعرفها وأتعاون معها، والتي تعنى بهذا الموضوع وتسعى إلى نشر التوعية، خاصة بين فئة المراهقين والشباب، للحد من تأثير هذه الظاهرة وتصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم".
وتشير الى ان: "تشديد العقوبات اجباري، لكنه لا يكفي بمفرده ما لم يرافقه ارشاد حقيقي. فالمجتمع لا يتغير بالقوة، بل ببناء فكر جديد. وتكريس ثقافة مسؤولة تتعامل مع السلاح بوصفه خطرا لا وسيلة. ولهذا، فان أي معالجة فعالة يجب ان تكون نفسية وتربوية وثقافية بالدرجة الأولى، على ان تدعم بتشريعات واضحة تطبق بعدالة وصرامة".
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
16:23
مجلس الوزراء حتى هذه اللحظة يناقش البنود العادية المدرجة على جدول اعماله ولم يتطرق بعد الى البند الأول المتعلق بحصرية السلاح (LBCI).
-
16:20
تحليق للطيران المسير "الاسرائيلي" فوق البلدات التالية: البازورية ـ معركة - طيردبا - طورا - جناتا - العباسية - بدياس - القاسمية - رحال - معروب - ديرقانون النهر - باريش - دبعال - وادي جيلو
-
16:13
سماع مشادة كلامية داخل اجتماع مجلس الوزراء بين الرئيس جوزاف عون وأحد الوزراء، حيث ارتفعت الأصوات بشكل لافت وسُمعت خارج قاعة الاجتماع، ما أثار توتراً في الأجواء ولفت أنظار الحاضرين.
-
16:02
ترامب يهدد بزيادة كبيرة في الرسوم الجمركية على الهند خلال 24 ساعة
-
15:59
الرئيس الأميركي دونالد ترامب: من المحتمل ألا أترشح مرة أخرى
-
15:34
الوكالة الوطنية للإعلام: تحليق مسيرة إسرائيلية على علو منخفض في أجواء صور وقرى وبلدات القضاء
