اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في يوم من الايام قبل "جحا" عرضا غريبا للملك، الذي وعد بمنح من يعلم حماره الكلام خلال بضع سنوات لا تتجاوز عدد اصابع اليد، ثروة طائلة، وفي حال اخفاقه سيتم قطع رقبته. وعندما سئل "جحا" عن اسباب قبول التحدي المعروفة نهايته المأساوية، قال "انا اشتري الوقت، فبعد خمس سنوات اما اموت انا، او يموت الملك، او يموت الحمار"... ما فعله "جحا" يشبه قرار الحكومة بحصر السلاح قبل نهاية العام، تنفيذ القرار بالتحدي معروفة نهايته المأساوية، وكما ان الحمار لن يتعلم الكلام، فان المقاومة لن تسلم السلاح تحت الضغط، ولهذا فان جل ما فعلته "الرؤوس الحامية" في الحكومة ، هو "شراء الوقت" بالرضوخ للاملاءات الخارجية ، بانتظار حصول تغيير ما يحررها من التزاماتها المعلنة باعتبارها غير قابلة للتطبيق، وهي باعت الخارج "وهما"، وتتمنى ان يساعدها في تخفيف الضغوط عنها، باعتبار انها نفذت المطلوب منها، وموعد نهاية العام فترة معقولة يمكن تسويقها، خصوصا ان لبنان ليس اولوية ملحة الآن بالنسبة للأميركيين و"الاسرائيليين".

 واذا كانت السعودية هي القوة الدافعة لرفع منسوب الضغط على حزب الله، فان تبدل أولويات "اسرائيل" ومن وراءها واشنطن، قد لا يمنح حلفاء واشنطن فرصة الحصول على "شراء الوقت"، وحينها سيكون الجميع امام المأزق، لماذا الجميع؟ لان الصدام الداخلي لا رابح فيه، وهو صدام لا مفر منه اذا جاءت ساعة الحقيقة، واذا كان مَن في سدة المسؤولية يظن ان المغامرة بالنسيج الوطني في لحظات دقيقة وحاسمة اقليميا، يمكن ان يمر دون اضرار جسيمة، فهو مخطىء ولم يقرأ التاريخ جيدا، لان العبث بالتوازنات "لعبة" خطيرة لا يمكن السيطرة عليها، خصوصا ان من يتحكم بالاحداث طرف خارجي، يتعامل مع استراتيجية الرضوخ بطلب المزيد من التنازلات التي لا تتوقف عند حدود، وعندها سيكون الثمن غاليا  جدا!

هذه القراءة لمصادر "الثنائي"، تحرص حتى الآن على الحفاظ على "شعرة معاوية" مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، ولا تزال تراهن على استعادته لزمام المبادرة، على الرغم من العتب الشديد على ادارته المرتبكة لملف شديد الخطورة، لا يحتمل "التذبذب" في اتخاذ القرارات. وعدم سيطرته على مجريات الجلسة الاخيرة للحكومة، طرحت الكثير من علامات الاستفهام حيال "قبة الباط" التي منحها لرئيس الحكومة نواف سلام، لكن حتى الان لا تزال "الابواب" غير موصدة مع بعبدا، الا ان ذلك لا يخفف من حجم العتب الكبير لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري على الرئيس، بعدما ظن لوهلة انه تمكن من نسج علاقة واضحة لا تقبل اي التباسات، الا انه فوجىء بمجريات الجلسة الحكومية، والتي تحتاج الى تفسير بعيدا عن انصاف الاجوبة، وعندها "يبنى على الشيء مقتضاه" في طبيعة هذه العلاقة. وكان لافتا في بيان حركة "امل" بالامس، المطالبة بتصحيح الخطأ في جلسة اليوم الخميس، وهي محطة ستكون فاصلة في طبيعة العلاقة مع الرئيس، ويمكن القول ان "المرآة" قد اصيبت بخدش كبير لكنها لم تنكسر.

في المقابل، فان ما تبقى من علاقة ود مع رئيس الحكومة نواف سلام قد ذهبت "ادراج الرياح"، تقول تلك الاوساط، بعدما ثبت "بالوجه الشرعي" انه جاء لتنفيذ مهمة معينة وهو ملتزم بها بحرفيتها، دون حساب لاي تداعيات داخلية قد تخرب البلد، وتضعه في مواجهة فوضى قد يصعب السيطرة عليها. "فالاستقواء" بالخارج على المكون الشيعي، تحت عنوان حصرية السلاح، تعيد الى الاذهان "مغامرات" الرئيس الاسبق للحكومة فؤاد السنيورة، الذي اخذ البلد الى حالة من اللا استقرار انتهت بصدام مسلح، وهو سيناريو يعيد تكراره سلام دون الاتعاظ من قراءة التاريخ، والاسوأ جهله للتوازنات التي يعبث بها في توقيت سيء للغاية.

 علما ان "الثنائي" مد يديه دون تحفظ، وتعاون لانجاح الحكومة، الا ان سلام يصر في كل مناسبة على ابراز "حقد" دفين غير مفهوم، ويتقصد ابراز عداءه ليس فقط في السياسية، وانما للبيئة الحاضنة للمقاومة، التي يتعامل معها باستعلاء وتنكر واستفزاز، جعلته رئيس الحكومة الاكثر قدرة على خلق الاعداء بسرعة قياسية. وثمة من يقول ان مشكلة سلام في انه اسير القلق على المصير، بعدما قرأ جيدا تجربة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري مع المملكة العربية السعودية، حين دفع ثمنا شخصيا وسياسيا باهظا ولا يزال، ولهذا هو يقبل بان يكون "السنيورة2" على ان يكون "الحريري2"...

وامام هذه التحديات، رفع منسوب التنسيق بين الرئيس نبيه بري وحزب الله لمواكبة التطورات، وكان اول "الغيث" بالامس بيانا "الحزب" "والحركة"، على ان يتم التدرج في التصعيد مقابل التصعيد على طريقة "خطوة مقابل خطوة". واذا كان الرئيس بري بدأ يوجه "رسائل" سياسية على طريقته الى بعبدا والسراي الحكومي، تاركا هامشا ضيقا لاستمرار التواصل، مترجما ذلك بالاتفاق مبدئيا مع الحزب على حضور جلسة الحكومة اليوم، فان اعلان حزب الله انه يتعامل مع القرار على انه بحكم غير الموجود، قطع الطريق على اي حوار حول ملف السلاح، بعدما تبين ان كل محاولات مد الجسور مع سلام مضيعة للوقت والجهد، والحزب يقول له الآن، انت اتخذت القرار فكيف ستنفذه؟ ثمة ثوابت واضحة ولا تقبل اي انصاف حلول بالنسبة "للثنائي"، الحفاظ على السلم الاهلي، ولن يتم الوقوع في "فخ" نقل الشكلة مع "اسرائيل" الى مشكل داخلي. الجيش اللبناني "خط احمر" ولن تكون المقاومة الا في "خندق واحد" مع المؤسسة العسكرية ، حيث تصف مصادر الحزب العلاقة مع العماد رودولف هيكل "بالممتازة". اما الثابتة الثالثة، فهي طبعا عدم التفريط بقوة المقاومة تحت اي ضغط داخلي او خارجي، والبحث الوحيد المقبول هو كيفية الاستفادة من قوتها ضمن الاستراتيجية الوطنية للدفاع. لا استعجال في رفع مستوى المواجهة، وخطوتي "الشارع" ومغادرة الحكومة من الادوات المشروعة، لكن كل شيء بوقته، واذا كان "جحا" يراهن على الوقت، فلا ضير من الرهان معه، وبعدها "يبنى على الشيء مقتضاه"...

الأكثر قراءة

جلسة بلا ثنائي؟ علامات استفهام تسبق اجتماع الحكومة لبنان مقبل على تطورات ميدانية خطيرة يصعب تجاهلها تحركات شعبية مرشّحة للتصاعد... وحرص على تفادي الصدام بين الجيش والمتظاهرين