في عصر يُستهلك فيه الطعام دون وعي، وتُلاحق فيه الحميات الغذائية بعضها بعضا كالصرعات الموسمية، يبرز "صيام الماء" كأحد أكثر الأنظمة تطرفا وإثارة للجدل. اذ ان الامتناع عن الطعام تماما لأيام، والاكتفاء فقط بالماء، يبدو للوهلة الأولى كخطوة غير منطقية بل وربما مقلقة. لكن في المقابل، يروج له البعض كوسيلة فريدة لإعادة تشغيل الجسد وتحفيز آليات شفاء ذاتية مذهلة، في طليعتها "الأوتوفاجي" تنظيف الخلايا من الداخل.
هذا التباين الحاد في الآراء يطرح تساؤلات جوهرية: هل نحن أمام نظام غذائي مستقبلي قادر على تحسين الصحة؟ أم أننا نُعيد تغليف الحرمان الغذائي بمصطلحات علمية جذابة؟ بين الأبحاث الواعدة والتجارب ذات النتائج المختلطة والتحذيرات الطبية الصارمة، يقف صيام الماء على خط رفيع بين الأمل والخطر.
بالاستناد الى ما تقدّم، تعرض "الديار" ابعاد اعتماد هذا النظام، حيث تقدم صورة متوازنة بين فوائده المحتملة ومخاطره المؤكدة، مع إشارات واضحة إلى ضرورة الوعي والتدرج، والإشراف الطبي الصارم.
الـ "Autophagy" نظام مهم!
في ما يتعلق بهذا الـنظام، تشرح قانصو أنه "يقوم على الامتناع التام عن تناول الطعام، والاكتفاء بشرب الماء فقط، عادةً بمعدل 2 إلى 3 لترات يوميا. وتتراوح مدة هذا النوع من الصيام من 24 ساعة إلى عدة أيام، وقد تمتد في بعض الحالات إلى ما بين 7 و21 يوما، تحت إشراف طبي صارم، وهو ما يتطلب مراقبة دقيقة للحالة الصحية".
وتكشف أن "هذا النظام قد يُحقق عددا من الفوائد المحتملة، إذا تم اتباعه بشكل مدروس وتحت إشراف مختص، منها: تحفيز عملية الأوتوفاجي (Autophagy)، وهي عملية طبيعية في الجسم تساهم في تنظيف الخلايا من الفضلات والمخلفات، إلى جانب تحسين حساسية الإنسولين، خفض مستويات سكر الدم، تقليل الالتهابات، وتسريع خسارة الوزن، وإن كان جزء كبير من هذا الفقدان يعود في البداية إلى الماء والكتلة العضلية. كما يوفر الصيام المائي راحة مؤقتة للجهاز الهضمي. وتشير بعض الدراسات الأولية إلى احتمال وجود تحسن في بعض أمراض المناعة الذاتية وحتى بعض أنواع السرطان، إلا أن هذه النتائج لا تزال قيد البحث ولم تُحسم علميا بعد".
لكن على الرغم من الفوائد المحتملة، تحذر من "المخاطر الجدية التي قد ترافق صيام الماء، خاصة عند ممارسته دون إشراف أو وعي كافٍ. من أبرز هذه المضار: نقص حاد في المغذيات الأساسية مثل الصوديوم والبوتاسيوم والفيتامينات، ما قد يؤدي إلى الدوخة، تعب شديد، انخفاض في ضغط الدم، وفقدان سريع في الكتلة العضلية. كما يُحتمل حدوث هبوط مفاجئ في سكر الدم أو اختلال في توازن الأملاح، وهي حالات قد تُشكّل تهديدا على الحياة في بعض الظروف".
نمط لا يلائم الجميع!
وتشدد على أن "هذا النوع من الصيام غير مناسب أبدا لمرضى السكري، القلب، الكلى، النساء الحوامل أو المرضعات، وكذلك الأطفال، محذّرة من أن ممارسته بشكل مفرط أو متكرر، وبدون إشراف، قد يعزز اضطرابات الأكل".
وتوضح أن "هناك أنواعا مختلفة من صيام الماء، تختلف بحسب مدتها ومستوى خطورتها:
1ـ صيام الماء لمدة 24 ساعة، يعتبر آمنا نسبيا لدى الأشخاص الأصحاء.
2ـ صيام 3 أيام، يتطلب مراقبة صحية دقيقة.
3ـ صيام لأكثر من 3 أيام، لا يُنصح به إلا تحت إشراف طبي صارم.
وتضيف أن "بعض الأنظمة الأقل تقييدا تسمح باستهلاك الماء مع الإلكترولايتات فقط، مثل الصوديوم والمغنيسيوم، لتقليل المخاطر المرتبطة بنقص المعادن".
آلية تنفيذ هذا الروتين
ولمن يفكر في تجربة هذه الحمية، توصي قانصو "باتباع خطوات تحضيرية أساسية لضمان السلامة وتقليل الأعراض الجانبية، كالبدء بصيام تدريجي متقطع، مثل نمط 16:8 تمهيدا للانتقال إلى صيام الماء الكامل، خاصة إذا كان المتّبع/ة يتناول نظاما غذائيا غنيا بالكربوهيدرات، إذ قد يؤدي التحول المفاجئ إلى أعراض انسحاب قوية مثل الدوخة أو الصداع". وتنصح "بإضافة رشة من الملح الطبيعي إلى الماء خلال الصيام، للمساعدة في منع انخفاض الضغط أو الشعور بالدوار. كما يجب مراقبة ضغط الدم وسكر الدم، خصوصا عند الأشخاص المعرّضين للهبوط. وفي حال الشعور بـدوخة شديدة، خفقان القلب، أو ضعف عام قوي، يجب التوقف عن الصيام فورا والتواصل مع مختص".
ينسف المكونات الضارة!
أما عن الحالات التي قد يُنصح فيها بصيام الماء بحذر وتحت إشراف طبي، فتشرح قانصو أن "أبرزها هو تحفيز عملية الأوتوفاجي (Autophagy)، وهي آلية طبيعية تُساعد الجسم على التخلص من المخلفات الخلوية التالفة والبروتينات المتراكمة. وتُعتبر هذه العملية واعدة من الناحية النظرية في ما يخص مكافحة الشيخوخة، والوقاية من السرطان والزهايمر، وإن كانت الأدلة العلمية لا تزال قيد البحث ولم تُحسم بشكل نهائي بعد".
وتستكمل حديثها بالإشارة إلى "بعض الحالات الخاصة التي قد يُستخدم فيها صيام الماء كأداة علاجية أو تحفيزية، لكن يشترط ان يكون ذلك بإشراف طبي ولأمد قصير جدا. من بين هذه الحالات: الأشخاص الذين يعانون من مقاومة شديدة للإنسولين أو من مرحلة ما قبل السكري، حيث يمكن اللجوء إلى صيام الماء لفترة محدودة تتراوح بين 24 و48 ساعة، خصوصا إذا لم تحقق الأنظمة التقليدية مثل الكيتو أو الصيام المتقطع نتائج ملموسة. الهدف في هذه الحالة هو تحفيز الجسم وتحسين الاستجابة الأيضية".
وتتابع: "كما يمكن اعتماد صيام الماء كوسيلة لتحفيز فقدان الوزن بشكل سريع ومؤقت، شرط أن يُستخدم فقط في بداية رحلة خسارة الوزن، على أن يلي ذلك الانتقال إلى نظام غذائي متوازن ومستدام مثل الكيتو، او الحذر من أنظمة شديدة التقييد كالكارنيفور". وتنبه الى "أن الاستخدام الطويل أو المتكرر لهذا النوع من الصيام غير محبّذ إطلاقًا".
وتشير الى ان "بعض البروتوكولات العلاجية الخاصة، مثل صيام Buchinger أو برامج الصيام العلاجي بالماء المعتمدة في مراكز طبية متخصصة، والتي تُستخدم ضمن إطار طبي دقيق لمعالجة حالات مثل: ارتفاع ضغط الدم والالتهابات المزمنة ومشاكل المفاصل والتسمم الغذائي أو دعم وظائف الكبد (لكن دائما بحذر وتقييم فردي دقيق)".
لكن في المقابل، تشدد على أن "صيام الماء قد يُشكّل خطرا كبيرا على بعض الفئات، ويُمنع الاعتماد عليه تماما في أوضاع معينة. في مقدمة هذه الحالات: مرضى السكري من النوع الأول، أو من النوع الثاني الذين يعتمدون على أدوية منظمة للسكر، حيث قد يؤدي الصيام إلى هبوط حاد ومفاجئ في مستوى السكر في الدم. كما يُحذر بشدة من تطبيق هذا النظام لدى من يعانون من مشاكل في الكلى أو الكبد، نظرا إلى حاجتهم الى توازن دقيق في العناصر الغذائية والسوائل".
وتختم: "هذا الجدول الغذائي غير مناسب للنساء الحوامل أو المرضعات، والأطفال والمراهقين، نظرا لتأثيره السلبي في النمو، والحاجة المستمرة للمغذيات الأساسية. كما ان الصيام الكامل عن الطعام قد يكون خطرا جدا على الأشخاص المصابين باضطرابات الأكل، مثل فقدان الشهية أو الشره المرضي، لذا يفضل تجنّبه لدى من يعانون من هبوط في ضغط الدم أو دوخة متكررة. لذا، يعد هذا النظام غير مناسب إطلاقا في حالات الأنيميا أو سوء التغذية، إذ قد يؤدي إلى تفاقم النقص الغذائي والتأثير السلبي في الوظائف الحيوية".
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
22:50
نيويورك تايمز عن مسؤول في البيت الأبيض: سيتم استدعاء مزيد من قوات الحرس الوطني إلى العاصمة واشنطن.
-
22:48
أكسيوس عن مصدر مطلع: بوتين أبدى استعداده لمناقشة ضمانات أمنية لأوكرانيا لكنه ذكر الصين كأحد الضامنين المحتملين.
-
22:47
أكسيوس: ترامب أبلغ زيلنسكي وأطرافا أخرى برغبته في عقد قمة ثلاثية تجمع واشنطن وكييف وموسكو بحلول 22 آب، وشروط السلام التي عرضها بوتين تضمنت انسحاب أوكرانيا بالكامل من إقليمي دونيتسك ولوغانسك.
-
22:10
الموسوي: موضوع الدفاع يجب أن يتم بحثه داخليا وليس بالإصغاء للإملاءات الخارجية، وحزب الله متعاون وإيجابي ومنفتح على أي نوع من أنواع الحوار، وإسرائيل لم تنفذ أي بند من الالتزامات والجهات الضامنة لم تتدخل.
-
22:08
عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إبراهيم الموسوي للجزيرة: يجب أن يتحلى الجميع في لبنان بأعلى مستوى من الوعي،ونتفق على حصر السلاح بيد الدولة لكن نزع السلاح أمر مختلف.
-
22:08
الموسوي: بأي عقل ننزع قوة لبنان في حين يتحدث نتنياهو عن إسرائيل الكبرى، وإذا كانت حجة الحكومة تعرضها للضغط الخارجي فيجب الالتفات إلى الداخل وما يتعرض له لبنان.
