اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لم يعد التعليم في لبنان من أكثر القطاعات تأثرًا بالأزمات المتلاحقة التي يشهدها البلد، سواء كانت اقتصادية، سياسية أو اجتماعية. ففي عزّ الانهيار الاقتصادي، تراجعت قيمة رواتب الأساتذة بشكلٍ كبيرٍ، ما أدّى إلى تراجع قدرتهم على تأمين متطلبات الحياة الأساسية. هذا الواقع دفع بالكثير منهم إلى الإضراب أو الهجرة، مما أثّر سلبًا على سير العام الدراسي وجودة التعليم، مثل غياب الضمانات الإجتماعية، ضعف الرواتب، انعدام الحوافز، وإهمال الدورات التدريبية.

وعن تكاليف التعليم، عجز الأهل عن تحمّل كلفة التعليم، سواء في المدارس الرسمية أو الخاصة. ارتفاع أسعار الكتب، القرطاسية، النقل، والأقساط المدرسية ما خلق حالة من القلق حول إمكانية استمرارية تعليم أولادهم. حتمًا هذا الأمر، أدّى إلى ارتفاع نسب التسرب المدرسي، اللجوء إلى التعليم المجاني، البحث عن حلول بديلة كالعمل الجزئي للتلاميذ.

الضحية الكبرى في هذه المعادلة هم التلاميذ، إذ أنّ استمرار الأزمات أثّر على جودة التعليم، عدد أيام الدراسة، والإمكانيات المتاحة داخل الصفوف. كما أنّ غياب الاستقرار يُفقدهم الأمل بمستقبلٍ أفضل.

أمّا اليوم، يوجد سعر صرف شبه ثابت عند سقف معين (مثلاً بين 80,000 و90,000 ل.ل. مقابل الدولار)، مما أتاح للدولة والمعلمين التكيّف مع الوضع المالي بشكلٍ أفضل.

كما أنّ التضخّم تباطأ، وأسعار اللوازم المدرسية استقرّت نسبيًا. وأيضًا، ارتفعت الرواتب الرسمية بالدولار الجزئي (fresh + lira) مع تقديم مساعدات اجتماعية. وباتت بعض المدارس الخاصة تدفع جزءًا من الرواتب بالدولار، ما ساعد المعلمين على تحسين أوضاعهم. وعادت أعداد أكبر من الأساتذة إلى التعليم بعد سنواتٍ من الإضراب أو السفر. كما عادت امتحانات الشهادات الرسمية تُعقد بانتظام، وسط إجراءات تصحيح وتقييم شباملة

"الرواتب التي أتقاضاها لم تكن تكفي لتغطية احتياجاتي الأساسية من مأكل ومسكن ومواصلات. ولا زلتُ أعيش تحت ضغوطٍ مستمرةٍ، وأحيانًا أضطر للعمل في وظائف إضافية لتأمين معيشتي، وهذا الأمر انعكس سلبًا على حياتي الأسرية". هكذا عبّر أستاذ اللغة العربية رالف، وهو معلّم في مدرسة رسمية عن وضعه الحالي بعد سنواتٍ من الخبرة في مجال التعليم.

وعن تأثير تدني الرواتب على حماسه المهني، قال:"بلا شك، يؤثر انخفاض الدخل على مستوى الحافز والتركيز في العمل. عندما يشعر الإنسان بأنّ جهوده لا تُقدَّر ماديًا، يصعب عليه المحافظة على نفس الحماس. ومع ذلك، أحاول أن أقدّم أفضل ما لديّ من أجل التلاميذ رغم كل الصعوبات".

وفيما يتعلّق بصعوبة تأمين مستلزمات التدريس، أكّد أنّ "الأزمات الاقتصادية جعلت توفير الكتب والقرطاسية أمرًا مكلفًا للغاية. كثيرًا ما أضطر لشراء بعض المستلزمات من مالي الخاص، كما أنّ نقص التجهيزات في المدارس الرسمية يزيد من صعوبة العملية التعليمية".

وأشار أيضًا إلى" تأثير هجرة الكفاءات التربوية قائلاً:" هجرة العديد من زملائي الأساتذة أدّت إلى نقصٍ في عدد المعلمين المؤهلين، ما زاد الأعباء على من بقي".

وختم أنّه "من الضروري أن تولي الدولة اهتمامًا أكبر لتحسين رواتب المعلمين وتأمين دعم مستدام للمدارس الحكومية. كما يجب العمل على تحديث المناهج وتجهيز المدارس بأدوات تعليمية حديثة. ولا يقل أهمية دعم الجانب النفسي للمعلمين والتلاميذ، لأنّ ذلك يعزز من جودة العملية التعليمية".

وفي الاطار نفسه، يشير الدكتور والباحث التربوي حسين صفي الدين، إلى أنّ "الزيادات ليست متكافئة مع نسبة التضخم، فمثلًا الأستاذ الجامعي أو المدرسي، عندما كان يتقاضى الـ2500 دولار، اليوم ارتفعت أعباء جديدة عليه، ولو أنّ الراتب عاد إلى أمجاده. فمثلًا رقم الألفين دولار للعام 2019 أفضل بكثير من هذا الرقم للعام 2025، لأنه يُقدر نسبيا بحوالي الـ3500 دولار اليوم. فكيف سنخيل المشهد إذا لم يصل الراتب إلى ما كان عليه سابقًا؟ ونحن على علم أنّ الليرة اللبنانية فقدت قيمتها، ولو حوّلناها للدولار أيضًا الدولار فقد حوالي الـ30% أو أكثر من قيمته الشرائية. ورغم كل هذه التخبطات، يبقى الأستاذ ملزمًا بإعطاء حصصه ودروسه إلى أن تعود الأمور لمجاريها".

وحول تنيظّم الأقساط المدرسية والرواتب؟

قال "يمكن أن تقدم أي كتلة نيابية بقانون ومعرفة الستاندار العالمي كم تشكل الأقساط المدرسية عالميًا نسبتها من نسبة الحد الأدنى أو الراتب، وفي دراسات لهذا الموضوع. ومعرفة الراتب كم هو بالنسبة إلى ايجار المنزل وبناء على هذه الدراسات، أن تحدد نسبة فولانية من الراتب، يحب ألّا تتجاوز الأقساط المدرسية عن هذه النسبة للأهل".

وعن راتب الأستاذ المدرسي، أكّد صفي الدين أنّه " من الصعب جدًا معرفة كم يتقاضى الأستاذ، فهذا يتفاوت بين المدارس الخاصة والرسمية، خبرة الأستاذ، مستوى المدرسة وغيرها من التفاصيل الأخرى. وبما أنّ أساتذة الجامعة اللبنانية يشكّلون حوالي 70% من مجموع الأساتذة، علينا الاطلاع على وضعهم أكثر".

الأكثر قراءة

زيارة لاريجاني تكشف ملامح معركة أوسع «اليونيفل» ورقة ابتزاز سياسيّ وأمنيّ «كسر جزئي» للبرودة بين بعبدا وعين التنية