اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تُعد العلاقة العسكرية بين لبنان والمملكة المتحدة، من أبرز أوجه التعاون الثنائي بين البلدين، حيث باتت تشكّل ركيزة استراتيجية ضمن السياسة الدفاعية اللبنانية، والدور البريطاني في الشرق الأوسط.

فمنذ العام 2009، شرعت بريطانيا في دعم قدرات الجيش اللبناني، خصوصاً على صعيد ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب، في إطار شراكة تعكس اهتمام لندن باستقرار لبنان وتعزيز مؤسساته الأمنية.

وقد تمثلت أبرز مظاهر هذا التعاون في برامج تدريب وتأهيل وحدات الجيش، لا سيما أفواج الحدود البرية، حيث ساهمت بريطانيا في بناء أبراج مراقبة، وتزويدها بمعدات اتصال ومركبات، وتدريب آلاف العناصر على تكتيكات حديثة. وقد خُصصت لذلك ميزانيات سنوية، ضمن استراتيجية دعم لبنانية طويلة الأمد، تعكس ثقة لندن بالمؤسسة العسكرية كضامن وحيد للأمن والسيادة.

وفي السنوات الأخيرة، اكتسب التعاون بُعداً أكثر استراتيجية، مع انتقال بريطانيا من الدعم اللوجستي والتقني، إلى الانخراط في رسم الرؤية الدفاعية المستقبلية للجيش، عبر مشاركتها في الحوارات العسكرية العليا، ودعم خطط التحديث والتطوير.

من هنا، شكلت زيارة العماد رودولف هيكل إلى لندن الاسبوع الماضي، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها لبنان والمنطقة، محطة بالغة الأهمية على المستويين الأمني والاستراتيجي، إذ جرى خلالها التأكيد على استمرار الدعم البريطاني للجيش، وتعزيز التعاون في مجالات جديدة، مثل الأمن السيبراني وحماية المنشآت الحيوية.

مصادر خارجية مواكبة للزيارة، رأت فيها خطوة ذات أبعاد استراتيجية، في وقت يواجه فيه لبنان تحديات داخلية معقدة وأزمة اقتصادية خانقة، اذ حملت اللقاءات التي عقدها هيكل مع المسؤولين البريطانيين أبعاداً تجاوزت الدعم العسكري التقني، لتلامس ملفات سياسية وأمنية دقيقة تتصل بمستقبل الدور الإقليمي للجيش، وتوازن القوى الداخلية في مرحلة دقيقة يمر بها البلد.

ورأت المصادر، انه يمكن اختصار محاور المحادثات، في ابرز النقاط التالية:

- أولاً: تعزيز التعاون الدفاعي، خصوصاً في مجال ضبط الحدود الشرقية والشمالية، وصولا الى الجنوبية، من خلال الدعم التقني والتدريب، وتقديم المعدات المتخصصة في الرصد والمراقبة.

- ثانياً: تحصين الجيش أمام التحديات، ما يمنحه مساحة للاستمرار في أداء دوره الأمني في الداخل، لا سيما في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ومواجهة التهريب على الحدود، وحفظ الاستقرار في مناطق التوتر.

- ثالثاً: تطوير الدعم اللوجستي والتقني، عبر صيانة المعدات الموجودة، أو من خلال توفير تقنيات جديدة تواكب التحديات المتطورة، خصوصاً في مجال الحرب الإلكترونية والمراقبة الجوية والبرية، حيث تحاول بريطانيا لعب دور اساسي على صعيد تأمين الحدود الجنوبية مع "اسرائيل"، من خلال تقديمها الدعم الفني والتقني وانشاء "مواقع نموذجية".

- رابعاً: نقاش سياسي - أمني، حمل اكثر من رسالة، حيث حرص هيكل خلال لقاءاته على التأكيد أن الجيش اللبناني ملتزم بحصرية السلاح بيد الدولة، وبالقرارات الدولية ذات الصلة، لا سيما القرار 1701، وهو ما يُطمئن الشركاء الدوليين، ويحصن موقع الجيش على الساحة الإقليمية.

- خامساً: الأفق المستقبلي للشراكة، حيث تطرقت المحادثات إلى سبل بناء خطة دعم طويلة الأمد للجيش تمتد على خمس سنوات، بهدف تخفيف الاعتماد على التمويل الطارئ، وتعزيز الاستقرار المؤسساتي والعملياتي للجيش، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.

- سادساً: التنسيق الإقليمي، حيث لم تغب الملفات الإقليمية عن الاجتماعات، حيث جرى التطرق إلى الوضع على الحدود مع "اسرائيل" وسوريا، ومسألة التمديد لليونيفيل، تزامنا مع وجود مسؤول استخباراتي بريطاني رفيع الى سوريا.

في المحصّلة، تأتي زيارة العماد هيكل إلى لندن في توقيت حساس، يعكس إدراكاً استراتيجياً بأهمية تثبيت الشراكات الدولية لحماية الجيش اللبناني من العواصف المقبلة، وخطوة يأمل ان تكون مدروسة لتعزيز موقع المؤسسة العسكرية، ضمن منظومة الأمن الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل التحولات الجيوسياسية وتزايد الحديث عن إعادة رسم التوازنات في لبنان.