اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

مشهد جموع المصلين في مسجد الرحمن في شارع الضم والفرز في طرابلس، تجاوز كل التوقعات وفاق التصور، بحيث أفترش المصلون الباحات المحيطة بالمسجد الذي غصت قاعته الفسيحة بالمصلين، وصولا الى الشوارع الخارجية التي اغلقت وفرشت بالسجاد إحياء لليلة القدر بحشود غير مسبوقة، لم تشهدها مساجد طرابلس كلها في تاريخها القديم والحديث ..

حدث يمكن التوقف عنده وقراءته بخلفياته ومعانيه التي تجاوزت الاطر الدينية، الى ما يشبه اعلان الهوية الطرابلسية الاسلامية المعتدلة والمنفتحة، الرافضة لكل اتجاهات التطرف والتشدد والتكفير، وكأن جموع المصلين ارادوا توجيه رسالة الى كل البلاد، ان طرابلس هي هنا في مسجد الرحمن الذي يؤمه شيخ وسطي معتدل منفتح ، غير منتم لحزب او حركة او تيار ديني، هو الشيخ محمد حبلص الذي احيا هوية طرابلس ما قبل تسلل التيارات المتطرفة اليها، والتي اخذت المدينة رهينة لبعض الوقت، في مشروع سياسي أحبط وانتهى مفعوله ..

مساجد طرابلس كلها أحيت ليلة القدر» خير من ألف شهر»، الا ان توجه المصلين الى احياء الليلة في مسجد الرحمن له دلالات كبرى ابرزها:

- اولا: ان جموع المصلين الذين قصدوا مسجد الرحمن أتوا من كل انحاء واحياء طرابلس، قاصدين المسجد الذي يتولى الامامة فيه الشيخ محمد حبلص المعروف بوسطيته واعتداله ونبذه لكل مظاهر التطرف والتكفير، عدا عن انفتاحه على النسيج الطرابلسي بكل مكوناته الطائفية والمذهبية، ودأبه تجسيد وحدة الحياة والعيش الواحد، في مدينة ليست قلعة المسلمين وحسب، بل قلعة المسلمين والمسيحيين الموحدين برسالة واحدة يكمل احدها الآخر، بدلالة ان الدين وجد لتشريف الحياة ..

- ثانيا: الذين قصدوا مسجد الرحمن، ارادوها رسالة عفوية الى ان خيار طرابلس التاريخي هو الاعتدال والاسلام السمح الوسطي المعهود، وبات غالبية الطرابلسيين غير مستسغين لسماع خطب دينية سياسية ترتبط بهذا التيار او ذاك، بل اشتاقوا الى مدينتهم التي اشتهرت بانها دوحة العلم والعلماء المتقين فعلا، لا قولا أمثال المشايخ ابو المحاسن القاوقجي، ومحي الدين الخطيب، وعبد المجيد المغربي، وحسين الجسر، ونديم الجسر، ورامز الملك، ومحمد الحسيني ووهيب البارودي، ومحمود نشابة وآخرين.

- ثالثا: ان معظم الطرابلسيين يرفضون أسر المدينة وأخذها الى مكان ليس مكانها، فطرابلس لم تكن سوى مدينة التسامح والانفتاح، تقرع فيها اجراس الكنائس في جوار مآذن تصدح، ومدينة جمعت تحت سمائها اعياد الفصح والفطر، طرابلسيون يتزاورون ويتبادلون التهاني بالاعياد، عائلات تتلاقى من كل الطوائف والمذاهب، وهذا ما بدا بأعياد الفصح المجيد، حيث تلاقت شخصيات دينية اسلامية تقدم التهاني في قاعات الكنائس للمطارنة الموارنة والروم الارثوذكس والكاثوليك، في وحدة الفرح بالاعياد ..

مخضرمون طرابلسيون لفتوا الى ان هذا المشهد في مسجد الرحمن أختزل هوية طرابلس الحقيقية، المؤمنة بالعيش الواحد، وكي يقول المشاركون ان رجل الدين الحقيقي هو الورع التقي الذي يرفض خلط الدين بالسياسة والمصالح السياسية، بل دوره في المسجد لا يتخطى حدوده الى عالم السياسة، كي لا تشوب الدين شوائب السياسة والاعيبها وحبائلها، ليبقى الدين كثوب أبيض ناصع البياض ...  

الأكثر قراءة

سيناريوهات رئاسية «من تحت الطاولة» ستسبق جلسة 14 حزيران... تحضيراً للمرتقب باسيل اعلن تأييده «الحتمي» لأزعور... واتصالات خفية بين الكتل المسيحية وتيمور جنبلاط عون زار الاسد بعد غياب 14 عاماً... وكلمة لفرنجية الاحد