اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

 وحدهم السياسيون اللبنانيون يعيشون حالة انكار، ازاء وجود تغييرات دراماتيكية في المنطقة، وحده لبنان مغيّب وغير حاضر على الطاولة في ملفات تعنيه مباشرة، وفي طليعتها خطر النزوح السوري. عادت سوريا الى الجامعة العربية، فخرجت الانقسامات اللبنانية على «السطح» بين مؤيد ومعترض. مع العلم ان احدا لم يأخذ برأيهم عندما طردت وعندما عادت، الا ان هذا الانقسام يعطي انطباعا واضحا حول كيفية تعاطي القوى السياسية باستخفاف مع قضايا جوهرية، تؤثر على نحو مباشر في الواقع اللبناني المتأزم.

 اما في لبنان، فثمة مَن ينتظر تخريب اميركي للتفاهم السعودي - الايراني، ويعول على «حج» المسؤولين الاميركيين الى الرياض، ويأملون في نجاح الضغوط عليها لفرملة الاندفاع نحو طهران، فيما تشير المعطيات الديبلوماسية ان «ما كتب قد كتب» ولن تعود «عقارب الساعة الى الوراء»، ولا داعي للتردد ومواكبة التغييرات في المنطقة، التي بدأت اولى تجلياتها في اليمن مرورا بالجامعة العربية ووصولا الى الحدود الاردنية – السورية والحرب المستجدة على تجار «الكبتاغون».

وفي الانتظار، الكل متريث رئاسيا ريثما تتضح كيفية تبلور الموقف السعودي المتأرجح بين السلبية والايجابية، وفيما لا يزال سفير المملكة يواصل حراكه مكررا موقف بلاده من الاستحقاق، فاتحا بالامس «ثغرة» في موقف النواب السنّة الذين أراحهم من عدم وجود «فيتو» على رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، لم توقف الدوحة محركاتها ولا تزال تراهن على الوقت لمحاولة ايصال قائد الجيش الى بعبدا، فيما رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لا يزال متريثا مع وعد لرئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم «خذلانه» عندما تنضج ظروف المعركة الرئاسية، التي تبدو طويلة بحسب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الذي جمع وزراءه بالامس في بداية جلسات تشاورية لانضاج ملف تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، قبل الدخول في فراغ مكلف اقتصاديا وماليا.

  في هذا الوقت الانهيار الاقتصادي مستمر، وقد تصدّر لبنان لائحة الدول الأكثر تضخماً من حيث الغذاء عالمياً، إذ بلغت النسبة 352 %، بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة التي تزامنت مع الغلاء في أسعار السلع والخدمات الأساسية والطاقة والنقل والملابس وغيرها...

  جنبلاط لبري: لن اخذلكَ!

رئاسيا، ووفقا لمصادر مطلعة على اجواء اللقاء الذي عقد نهاية الاسبوع في عين التينة، فان بري لم يضغط على جنبلاط المتمسك حتى الآن بموقفه، لجهة عدم اتخاذ خيار رئاسي يكون تحديا للغالبية المسيحية، بعدما تذللت العقبة السعودية، حيث لمس جنبلاط من الرياض حقيقة عدم وجود «فيتو» على اي مرشح بمن فيهم رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.

ووفقا للمعلومات، فان بري يتفهم موقف جنبلاط المتريث، لا المتشدد كما كان سابقا، لكنه لا يبدو مستعجلا في اتخاذ موقف جديد على الصعيد الرئاسي الآن، لكنه كان واضحا في مقاربته لجهة انفتاحه على كل الاحتمالات، حين تكون الامور قد نضجت ووصلت الى خواتيمها. فقد ابلغ بري صراحة ان بعض التحفظات عند نجله النائب تيمور جنبلاط قد تجد طريقها الى الحل، اذا استمرت حالة الاستعصاء عن الطرف الآخر الذي فشل حتى الآن في الوصول الى توافق على مرشح، كما ان الامور يمكن ان تصبح اكثر ليونة، اذا حصل خرق لدى الكتل المسيحية، واذا كان فرنجية يحتاج الى اصوات كتلة «اللقاء الديموقراطي» كي يصل الى بعبدا، فان جنبلاط كان واضحا بابلاغ بري انه حين تنضج الظروف لن يخذله!

 «اللقاء الوطني» اكثر تحررا؟

 وقد واصل السفير السعودي الوليد البخاري حراكه، والتقى اعضاء كتلة «اللقاء الوطني»، واشارت مصادر مطلعة الى ان البخاري كرر على مسامعهم موقف بلاده من الاستحقاق، وقد خرجوا من الاجتماع اكثر تحررا ازاء طبيعة الموقف الذي سيتخذونه رئاسيا، بعدما سمعوا على نحو واضح وصريح ان لا «فيتو» سعودي على اي مرشح رئاسي.

باسيل: لا ايجابية

لكن وبخلاف «الإيجابية» التي رآها البعض في الموقف السعودي، أدرج رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، هذا الموقف في خانة السلبية، إذ اعتبر أنّ الأمر هو كمن يقول «اصطفلوا عملوا متل ما بدكم»، مشبّهاً ذلك «بما قيل للرئيس سعد الحريري قبل انتخاب الرئيس ميشال عون».

 دعوة لحضور القمة

وكان البخاري، سلم ميقاتي دعوة من خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، للمشاركة في الدورة العادية الثانية والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، التي ستُعقد في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في 19 الجاري. وجرى خلال اللقاء البحث في الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة، إضافة إلى العلاقات اللبنانية- السعودية. وقال البخاري في تصريح بعد اللقاء، إنّ «الرياض تأمل أن يُغلّب الأفرقاء السياسيون المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات والمخاطر التي يعيشها لبنان». وأضاف أنّ «الرؤية السعودية للبنان لا تنطلق من رؤية تفضيلية للعلاقة مع طائفة على حساب أخرى»؟

محاولة ضغط اميركي

وفي تحرك اميركي تعول عليه بعض قوى المعارضة، لفرملة الاندفاعة السعودية تجاه ايران، لم يحقق مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في المملكة العربيّة السعوديّة اي اخترق نوعي ، خصوصا إحياء مشروع إعادة تشكيل جبهة إقليميّة في مواجهة إيران وطُموحاتها الإقليميّة والنوويّة. ووفقا لمصادر ديبلوماسية ، فان وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن سيزور الرياض للسبب نفسه، محاولا ترميم العلاقات مع السعودية لمنعها من الاندفاع والتوجّه شرقًا إلى الصين، وشمالًا إلى روسيا، وإعادة علاقاتها مع الجار الإيراني. ووفقا لتلك الاوساط لم يقدم سوليفان أيّ عرض جدي لدفْع المملكة الى العودة الى العلاقات الاحادية مع واشنطن، كما أنه لم يطرح اي أوراق ضغط عليها للتخلّي عن العلاقة المستجدة مع ايران والصين وروسيا، لكنه حضها على عدم الانضمام إلى منظومة «بريكس» «وشنغهاي» الاقتصاديّة.

لا تراجع سعودي

ووفقا للمعلومات، فان المسؤولين السعوديين كانوا واضحين بعدم رغبتهم في تفضيل اي علاقة خارجية على غيرها، واشاروا الى ان العلاقة مع واشنطن ستستمر، لكن ضمن قواعد جديدة تراعي المصالح المشتركة، على الا تتعارض مع علاقات المملكة الاقليمية والدولية. وهو قرار استراتيجي لا عودة عنه مهما كانت الظروف او الضغوط، وقد حان الوقت لواشنطن بان تتأقلم مع المعطيات الجديدة التي لا تعاديها، بل تتمشى مع التطورات والتغييرات الاقليمية والدولية.

 ماذا تريد قطر؟

وفي سياق متصل بالحراك الرئاسي، وبموازاة الجولة العلنية للسفير السعودي، تتحرك قطر «بصمت»ودون صخب، حيث سجل تحرك بعيدا عن الأضواء للسفير القطري ابراهيم السهلاوي، الذي التقى عددا من نواب تكتل «الاعتدال الوطني» و»اللقاء النيابي المستقل» في حضور عدد من المستشارين العاملين في السفارة. وفيما اشارت مصادر ديبلوماسية الى ان البحث اقتصر على عرض المستجدات السياسية في لبنان في ضوء التطورات في المنطقة، شددت على دعم الدوحة لاجراء حوار وطني ينتج منه انتخاب رئيس للجمهورية، تمهيداً لتشكيل حكومة واعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية بما ينعكس ايجابا على الاوضاع الاقتصادية.

وتحدثت اوساط حضرت اللقاء، عن ان القطريين لم يتخلوا عن فكرة وصول قائد الجيش العماد جوزاف عون الى بعبدا، بل لا يزال برأيهم الحل الانسب للخروج من حالة الاستعصاء الحالية.

 لا «لحرق» عون

وكان لافتا حديث السفير عن عدم رغبة بلاده في «حرق» ورقة قائد الجيش، وطرحها في توقيت غير مناسب كمخرج للمأزق الحالي، وفهم ان الدوحة تراهن على الوقت وتعب كافة الاطراف قبل تقديم فكرة تسوية متكاملة مدخلها ان يكون «القائد» رئيسا، وتشمل اعمال الحكومة وبرنامجها، على ان تكون قطر دولة راعية للنهوض الاقتصادي في المرحلة اللاحقة.

 نصيحة قطرية «لليرزة»

وفي هذا السياق، تحدث السفير القطري عن نصيحة قدمتها بلاده لقائد الجيش بالتروي، وعدم الاندفاع نحو اي موقف قد يوحي بانه حسم موقفه ايجابيا من الترشيح، والتراجع خطوة الى الوراء ريثما تتضح انعكاسات الموقف السعودي غير السلبي، ولكن غير البناء، من ترشيح فرنجية. وفي هذا الاطار لاحظ ديبلوماسيون التقوا قائد الجيش مؤخرا، رفضه القاطع لوضعه ضمن خانة المرشحين الرئاسيين، وهو يشدد على انه يقوم بوظيفته الحالية في حماية المؤسسة العسكرية، وكذلك الحفاظ على الامن والاستقرار في البلاد.

جولة بوصعب

من جهته، واستكمالا لجولته على الفرقاء المعنيين، في إطار الحراك الذي يقوم به، التقى نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، امين عام حزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان في مقر الحزب في برج حمود،  في حضور النائب هاغوب ترزيان.  ووضع بوصعب بقرادونيان، خلال اللقاء في جو النقاشات الحاصلة مع كل رؤساء الكتل التي زارها شارحا الهدف منها، بحيث كان توافق بين الطرفين على اهمية ما يجري من تواصل وتطابق بوجهات النظر حول ما يطرح. وقد اتفق الطرفان على متابعة النقاش واستكماله بمراحل مقبلة.

 حراك لتعيين الحاكم

 وفي السراي الحكومي، جمع ميقاتي وزراء الحكومة، وحذر امامهم من خطر الفراغ في المؤسسات، موحيا بازمة رئاسية طويلة الامد على الرغم من الحراك الخارجي. ووفقا للمعلومات، فان ثلاثة ملفات رئيسية حضرت في الاجتماع: النزوح السوري، حاكمية المصرف المركزي، وموازنة 2023. ويبدو ان ميقاتي قد بدأ التحضير لتمرير استحقاق انتخاب حاكم جديد لمصرف لبنان مع اقتراب شغور هذا الموقع.

وبحسب مصادر وزارية مطلعة، ان التعويل قائم الآن على اتصالات بعيدة عن الاضواء تجريها اطراف وزارية لايجاد قواسم مشتركة بين ميقاتي «والثنائي الشيعي» و»التيار الوطني الحر» للوصول الى تفاهم حول هوية الحاكم الجديد. وستشهد الايام المقبلة تزخيما للاتصالات، ولن تتأخر زيارة ميقاتي الى بكركي لوضع البطريرك في اجواء النقاشات، واطلاعه على اهمية عدم ربط تعيين حاكم مصرف لبنان بالانتخابات الرئاسية.

 اتصالات مع باسيل ومظلة بكركي

  وسيجري العمل على تأمين مظلة سياسية لعقد جلسة لتعيين الحاكم قبل نهاية ولايته، كيلا يتسبب الفراغ بفوضى مالية واقتصادية، وقد وعد ميقاتي بعقد لقاءات تشاورية وزارية قبل اي جلسة لتحديد جدول اعمال اكثر انتاجية. ولهذا كان تشديد على تأمين دائم للنصاب لعقد جلسات منتجة للحكومة وعلى نحو مستقر، وقد تم التفاهم على عقد جلسة حكومية لمناقشة ملف النزوح السوري. وهناك توجه لتعيين لجان في مسألة النزوح، ويتم التواصل ايضا مع باسيل لمشاركة كاملة لوزراء التيار للاتفاق على خطة متكاملة في هذه المسألة المهمة، ومناقشتها مع الاطراف كافة بمن فيها الدولة السورية. من جهة اخرى، طلب ميقاتي من الوزراء اعداد موازنة العام 2023 .

ملف اللجوء

وقد استقبل ميقاتي  في السراي الحكومي، المنسق المقيم للأمم  المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا، وتناول اللقاء الملف السوري في لبنان، وتطرق البحث الى مؤتمر بروكسل الذي سيعقد في منتصف شهر حزيران المقبل، والذي سيخصص لموضوع اللاجئين السوريين.

انقسام حول سوريا

وفيما بدأت مقايضة ديبلوماسية وسياسية غير واضحة المعالم بعد، ضمن معادلة خطوة مقابل خطوة لإعادة إندماج سوريا في النظام الرسمي العربي، والحرص في الوقت نفسه على معالجة الملاحظات التي تبديها الدول المتحفظة عن عودة  سوريا، ومنها قطر والكويت والمغرب، انعكست العودة انقساما في مواقف القوى السياسية، وبقيت محور أخذ ورد لبناني بين مرحب ومعترض من جهة، ومنتقد ومتحفظ من جهة ثانية. وكان بري أول المرحبين بقرار مجلس الجامعة العربية حول عودة سوريا إلى عضويتها، فقال: «هذا القرار تأخر لسنوات، لكنه خطوة بالاتجاه الصحيح وباتجاه العودة إلى الصواب العربي، الذي لا يمكن أن يستقيم إلا بوحدة الصف والكلمة». أضاف: «بعودة سوريا إلى العرب وعودة العرب إليها، بارقة أمل لقيامة جديدة للعمل العربي المشترك».

سلبية جعجع وجنبلاط

من جهته، غرد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قائلا: «إذا كان للباطل جولة، ولو ورقية نظرية، فسيكون للحق ألف جولة وجولة، ولكن حقيقية».

وفي موقف هو الثاني من نوعه في غضون 24 ساعة، تهكّم رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على ما سمّاه «عودة سوريا إلى الحضن العربي»، وغرّد عبر «تويتر» قائلا: «هل سألوا الشعب السوري اذا كان يرغب في العودة إلى الحضن العربي؟ طبعاً لا»، وقال «الجامعة العربية شبيهة بسفينة «التايتانيك»تحمل هذا الشعب إلى غرق محتوم، وقد أعطي النظام شرعية التصرف، والذين نجوا من التعذيب او السجون او التهجير فإن الحضن الحنون كفيل بشطبهم، ومتى بربكم استشرتم الشعوب»؟

وفيما اثنى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على العودة ، عبّر النائب السابق طلال أرسلان عن فرحته «بانتصار سوريا»، وقال عبر «تويتر»: قالوا سوريا عادت! وقلنا في السابق ونقولها اليوم سوريا لم تذهب لتعود، سوريا بقيت قلعة صامدة في وجه كل المؤامرات وعلى مدى أكثر من 10 سنوات خط الدفاع الأول عن المنطقة والمقاومة».

 متى يقرر «الدستوري»؟

على صعيد قضائي آخر، اشار رئيس المجلس الدستوري طنوس مشلب الى ان مرحلة درس الطعون في قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لا تزال في البداية، ولم يعقد بعد اي اجتماع للمجلس. ولفت الى ان من المفترض ان يصدر قرار المجلس بموضوع الطعون المقدمة قبل 31 ايار.

الأكثر قراءة

الجبهة بين التصعيد المضبوط والحرب الشاملة... واشنطن تتدخل للجم التدهور زيارة صفا الى الامارات: المقاومة لم تقدم اي تعهدات