اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بالأرقام هذه الأموال عُرضة للشبهة... واللائحة الرماديّة تنتظر إسم لبنان


ترجم تقرير البنك الدولي حول الوضع في لبنان، مخاوف المُجتمع الدولي من النظام المالي القـائم حاليًا في لبنان. فقدّ حذر البنك أن ما يقارب نصف الاقتصاد اللبناني، يعـتمد على السيولة مع تراجع الثقة في الـبنوك، وهو ما يعني تزايد مخاطر غـــسيل الأموال، خصوصًا أن حجم الاقتـصاد النقدي تضاعف (تقريبًا) من 26.2% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2021 إلى 45.7% في العام 2022، أي ما يوازي الـ 9.9 مليار دولار أميركي.

التعامل بـ «الكاش» أصبح من عوائد اللبنانيين، وباعتقادنا أرقام البنك الدولي لا تعكس الواقع الحقيقي على الأرض، حيث أن اقتصاد «الكاش» أكبر مما يقترحه البنك الدولي الذي يعتمد التعريف التالي لاقتصاد «الكاش»: «نظام اقتصادي تتم فيه المعاملات المالية نقدًا، وليس عن طريق القطاع المصرفي أو المالي». في الواقع قد يكون البنك الدولي قد احتسب عمليات الإستيراد ضمن الاقتصاد الرسمي بحكم أن العمليات تتمّ عبر القطاع المصرفي، إلا أن الواقع يقول إن عمليات الإستيراد يتمّ تمويلها بـ «الكاش»، حيث يعمد التجار إلى جلب المال إلى المصرف، بهدف فتح الاعتمادات. وحتى الساعة لم تأخذ مفاعيل التعميم 165 مجراها للقول إذا كانت هذه الأموال هي أموال شرعية أم لا.

وبعملية حسابية بسيطة، إذا افترضنا أن الناتج المحلّي الإجمالي في لبنان في العام 2022 هو 23 مليار دولار أميركي، في مقابل استيراد بقيمة 19.2 مليار دولار أميركي، فهذا يعني أن لبنان يدفع 84% من مدخوله على استيراد السلع والبضائع، وهذا من دون دفع مستحقاته الخارجية من سفارات وقنصليات وأجور للديبلوماسيين واشتراكات في منظمات دولية (الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي...)، وغيرها من المُستحقات الداخلية من شراء سلع وبضائع مُنتجة داخليًا. وهذه النسبة المُرتفعة، لا يُمكن تبريرها فقط بالناتج المحلّي الإجمالي، حيث من المُمكن أن يكون هناك من غسيل للأموال في الماكينة الاقتصادية من باب النشاط الإقتصادي ،عبر استيراد سلع وبضائع يتمّ دفع ثمنها في البلدان التي يتمّ استيرادها منها وليس من أموال موجودة في لبنان.

الجدير ذكره أن تحاويل المُغتربين اللبنانيين تُشكّل ما يوازي الـ 27% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2021 أي 6.35 مليار دولار أميركي بحسب البنك الدولي. وهذا الأمر يعني أن قدرة اللبنانيين والسوريين المُقيمين الشرائية، قد لا تتعدّى في أحسن الأحوال العشرة مليارات دولار أميركي! فمن أين إذًا تأتي التسعة مليارات دولار الأخرى للاستيراد؟ وإلى أين تذهب السلع المستوردة؟

عمليًا، اقتصاد «الكاش» يجعل التهرّب الضريبي أسهل، حيث أن كل العمليات التي يقوم بها التجار لا يتمّ التصريح عنها بالضرورة، خصوصًا إذا كان التصريح على الجمارك عند دخول السلع والبضائع غير دقيق. أضف إلى ذلك عمليات التهريب التي تطال إدخال السلع والبضائع، والتي ازدهرت بعد رفع الدولار الجمركي.

وإذا كانت الدولة اللبنانية قد دخلت في لعبة «الكاش» لامتصاص الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ، بهدف خفض التضخّم، إلا أن من سيئات هذا الأمر إقصاء القطاع المصرفي، وبالتالي عدم إمكانية معرفة مصدر الأموال، خصوصًا مع غياب الإثباتات الورقية التي تُثبت مصدر هذا الأموال!

وتقول مصادر أن شكوك الأوروبيين والأميركيين حول هذا الموضوع مُرتفعة، حيث أن قسما من التحقيقات الأوروبية يطال هذا الأمر ويتمّ التحرّي عنه، خصوصًا مع تنّامي اقتصاد «الكاش» وعدم استخدام القطاع المصرفي إلا في عمليات التجارة الدولية. والردّ الدولي على هذا الأمر سيتمّ من خلال وضع لبنان على اللائحة الرمادية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، كما واللائحة الرمادية للاتحاد الأوروبي.

وهنا يُطرح السؤال: كيف سيتم استيعاب الكتلة النقدية (سواء بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية) عند بدء الخروج من الأزمة؟ الجواب على هذا السؤال ليس بالسهل، فالتجربة الدولية تدل على أن بعض الدول عمدت إلى ما يُسمّى بالـ settlement أي اقتطاع قسم من الأموال لصالح الخزينة العامة، مُقابل العفو عن أصحاب الأموال النقدية، والبعض الآخر رفض هذا النوع من التسويات.

على كل الأحوال، التداعيات السلبية للتعامل بـ «الكاش» قائمة، وهي تتمثّل بمخاوف المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية من التعامل مع لبنان، وقد تصل الأمور إلى حدّ عزل لبنان عن الساحة المالية العالمية إلا إذا قامت الدولة اللبنانية بمحاربة الاقتصاد النقدي بكل أشكاله عبر قوانين وإجراءات ستكون خاضعة للمراقبة الدولية.

الجدير ذكره، أن لبنان كان على اللائحة الرمادية في أوائل تسعينات القرن الماضي، وقد استطاع الخروج منها عبر إقرار قوانين (مثل 318/2001، و44/2015، و43/2015) وإجراءات داخل القطاع المصرفي مثل التشدّد في الـ Due Diligence.

في الختام، لا يسعنا القول إلا أن الدولة اللبنانية فقدت من هيبتها على الصعيد العالمي، واستعادة الثقة الدولية تمرّ حكمًا عبر إجراءات يتوجّب على الحكومة اللبنانية (ومن خلفها المجلس النيابي) القيام بها كإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ومحاربة الاقتصاد النقدي من خلال منع المعاملات النقدية التي تفوق رقمًا مُعينًا، على مثال ما يحصل في العديد من البلدان العالمية مثل فرنسا وغيرها.

فهل تكون حكومة تصريف الاعمال على قدر المسؤولية؟ أم أن المُعالجة ستكون على مبدأ «سيري وعين الله ترعاك»؟

الأكثر قراءة

الجبهة بين التصعيد المضبوط والحرب الشاملة... واشنطن تتدخل للجم التدهور زيارة صفا الى الامارات: المقاومة لم تقدم اي تعهدات