عندما انتخب البابا فرنسيس، كتبت "لا تدع الله يستريح"، بعدما كنت قد قرأت الكثير عن المآثر الفذة للقديس فرنسيس الأسيزي، ولكن لأقرأ بعد ذلك بسنوات، للمفكر الايطالي الكاثوليكي مارتشيللو فينيتسياني، أن الحبر الأعظم أمضى الكثير من الوقت في معالجة أزمة العلاقات بين الله والقادة المسيحيين، الذين "كما لو أن المسيح سقط من رؤوسهم". وكنت أتمنى لو أكتب عن أزمة العلاقات بين الله والقادة المسلمين حتى لو رميت جثتي للذئاب. أزمة علاقات أم قطيعة في العلاقات؟
وحين تابعت الكلمات الأولى للبابا لاوون الرابع عشر، وتأثره بالقديس أغسطينوس الذي من أقواله "المسيحي هو عقل يفكر به المسيح، وقلب يحب به المسيح، ويد يساعد بها المسيح"، داعياً الى بناء الجسور، لا أدري لماذا شعرت أن تلك الكلمات موجهة تحديداً الى القادة المسيحيين في لبنان، أو الى أكثرهم على الأقل، بعدما تمحورت فلسفتهم السياسية على هدم الجسور ان بين بعضهم البعض، أو بينهم وبين القضايا الأساسية التي تعني المسيحيين، أو بينهم وبين فئات أخرى من اللبنانيين.
تركيز واضح على ثقافة الغيتو ـ وهي ثقافة "التوراة" لا ثقافة الانجيل ـ عبر التأجيج الطائفي بأكثر وجوهه بشاعة . اذ عشت الحالة المسيحية بكل أحاسيسي، حين كنت ولسنوات تلميذاً في مدرسة تابعة لاحدى الرهبانيات، باستطاعتي السؤال أين السيد المسيح في رؤوس وفي قلوب هؤلاء القادة؟
حتماً ما يحدث على الأرض أو عبر الشاشات، لا يمكن أن يتسق والدور الذي يفترض أن يضطلع به المسيحيون، وهم الأساس في صناعة لبنان وفي حداثة لبنان، أيضاً في تحويل لبنان الى مركز اشعاع لسائر أرجاء المنطقة. شيء ما يوحي بوقف الزمن، أو بتوقف الزمن فيهم، ليعتمد الآخرون على ياسر عرفات، وما أدراك ما ياسر عرفات الذي ما كان يعنيه لبنان أو اللبنانيين، من أجل الخروج من معادلة الطائفة الأعلى والطوائف الأدنى . هكذا احترق لبنان، واحترق ما فيه ومن فيه.
كلياً تناسينا أن الدستور الذي وضع ابان الانتداب الفرنسي عام 1926، تم استنساخه عن الدستور الفرنسي، حيث الفصل بين الدين والدولة (اي وقف هيمنة الدين على الدولة) . عندنا ليس الدين بل الطائفة هي التي تتحكم بالمطلق، حتى في المسار الاستراتيجي للدولة، ودائماً بذهنية القرون الوسطى وبرجال القرون الوسطى.
الفضيحة الكبرى، الفجيعة الكبرى، هي في الاغتيال العلني (والجماعي) للمادة 95 من الدستور، التي تنص على تشكيل هيئة وطنية لالغاء الطائفية السياسية، التي باتت القاعدة الفلسفية والمروعة لكل نشاطات الدولة . الاقامة داخل الكارثة!
ما من دولة في المنطقة، وربما في العالم، عاشت وما زالت تعيش التجارب المريرة كما هي حال اللبنانيين . هذا منذ ولادة "اسرائيل" عام 1948، مروراً بحلف بغداد وبمبدأ ايزنهاور، وصولاً الى اتفاق وقف النار الذي يعتبر الأكثر غرابة في التاريخ، حين يتيح "لاسرائيل" أن تقتل وأن تدمر وأن تبقى، بحجة يتبناها حتى قادة سياسيون لبنانيون يدركون جيداً أن الحروب قد انتهت، وأننا استعدنا، وان بعد فوات الأوان، نصيحة وزير الخارجية البريطانية السابق جيمس كالاهان لحاكم عربي "أي حرب ضد "اسرائيل" بوجود القنبلة النووية، هي حرب أكثر من أن تكون خاسرة. هي حرب مستحيلة".
على الأقل كلبنانيين ومن كل الطوائف، ندرك ما هي الدولة التي تجثم على حدودنا الجنوبية، وما هي الايديولوجيا التي تعتمدها في النظرة الى الآخرين، وحيث النزعة الاسبارطية بكل جنونها وبكل دمويتها. فقط العودة الى ما كتبه مفكرون وساسة مسيحيون، مثل ميشال شيحا وشارل مالك وموريس الجميّل، وحتى كميل شمعون الذي كان ذات يوم "فتى العروبة الأغر".
فخورون جداً باللوحات التي على صخرة نهر الكلب . غزاة جاؤوا ورحلوا. على مدى التاريخ، هل كان لنا أي دور في صد الغزاة، باستثناء دحر الاحتلال "الاسرائيلي" واجتثاثه من أرضنا عام 2000، دون أن نغفل أن أخطاء هائلة قد حدثت وأتت بكوارث هائلة، ولكن هل يعني ذلك، والكلام لبعض القادة المسيحيين، أن نتبنى بالكامل ذرائع الدولة العبرية التي متى اعترفت ان بالمواثيق الدولية أو بالقرارات الدولية؟
قلنا ان الكلام موجه الى القادة المسيحيين، لأن دورهم ليس هدم الجسور. هذه هي الرسالة الفذة للبابا الجديد، وهي الرسالة المسيحية اذا عدنا الى مواقف وأقوال القديس أغسطينوس الملهم الروحي للحبر الأعظم. دورهم بناء الجسور. بطبيعة الحال لا الجسور الوهمية التي تربط بين الفئات اللبنانية الآن، اذا تابعنا الجدل حول المناصفة في بلدية بيروت.
لقد تعلمنا من المسيحيين من هم "الاسرائيليون". ليت القادة يقرؤون ما قاله يهوشوا ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان، عن "حلفائنا في لبنان". كلام مخجل ويعكس مدى البشاعة في التشكيل السيكولوجي والأخلاقي، لذلك النوع من الرجال.
الآن في "اسرائيل"، من هم أكثر جنوناً وأكثر همجية بكثير. ليس المطلوب من القادة المسيحيين أن يحملوا البنادق، وقد نكست البنادق كل البنادق. فقط أن يعودوا الى قول القديس اغسطينوس "المسيحي هو عقل يفكر به المسيح، قلب يحب به المسيح، يد يساعد بها المسيح"!!
يتم قراءة الآن
-
تصعيد «اسرائيلي» يسقط ضمانات واشنطن... وخيبة امل في بعبدا لا تعديل للقانون... هل تحصل الانتخابات في بيروت؟ «هواجس» من مفاجآت ترامب... وقلق في «اسرائيل»
-
أردوغان يُقدّم الشرع هديّة لنتنياهو
-
ليو الرابع عشر...
-
الوجود الفلسطيني في سوريا أمام تصفية حركات مُقاومته الشرع يُقدّم أوراق اعتماد عن نهجه... ولن يسمح "لحماس" بالعودة
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:53
متحدث باسم الجيش الباكستاني: الهند أطلقت صواريخ باليستية سقطت في أراضيها
-
23:09
الكرملين: الهجوم بالمسيرات على مبنى حكومي في بيلغورود يظهر مدى عدم التزام أوكرانيا بوقف إطلاق النار
-
22:45
مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"سكاي نيوز": الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يضعون اللمسات الأخيرة على مقترح لوقف إطلاق النار 30 يوما في أوكرانيا
-
22:17
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في موسكو على هامش احتفالات "عيد النصر"
-
22:12
السفارة الأميركية في كييف: نحذر من هجوم جوي يحتمل أن يكون كبيرا في الأيام المقبلة
-
21:43
محلّقة "إسرائيلية" ألقت قنبلة صوتية في بلدة يارون جنوب لبنان بدون تسجيل إصابات
