اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

الفرنسيون يشتكون «الأميركيون جعلوا ديبلوماسيتنا كما الرقص، برؤوس الأصابع، على الزجاج». يعنون... زجاج الأزمات!

يلاحظون أن الاليزيه خلا من عقود، من رجال مثل شارل ديغول وجورج بومبيدو وفرنسوا ميتران. كذلك الكي دورسيه الذي طالما ترعرع العاملون فيه على أفكار شارل تاليران (الشيطان الأعرج ونجم مؤتمر فيينا مع كليمنت ميترنيخ)، وها هو يفتقد رجالاً مثل رولان دوما وكلود شيسون وايرفيه دوشاريت.

ثم يسألون «هل يصلح رجال من الدرجة الثانية لقيادة دولة مثل فرنسا في هذا القرن، الذي يحمل معه سلسلة من الأعاصير التي قد تغيّر خارطة القوى في العالم»؟

ما حملنا على اثارة هذه المسألة اعلان وزيرة الخارجية كاترين كولونا قبولها محاكمة الرئيس بشار الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهي التي تعرف أي نوع من الوحوش كانت ستحكم سوريا اذا سلّم الأسد مفاتيح دمشق لأبي بكر البغدادي أو لأبي محمد الجولاني، أو لأي بائع خردة او سائق صهريج، تحول فجأة الى داعية اسلامي، ويدعو الى اقامة دولة بمواصفات لحيته التي يستوطن فيها الذباب...

لا ندري ما اذا كانت السيدة كولونا قد قرأت تقرير ديفيد شيلد، نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون، حول وجود أكثر من 1200 فصيل مسلح على الأرض السورية، وتتناثر عليهم المليارات من الذين يريدون تحويل سوريا الى قهرمانة في هذا البلاط أو ذاك البلاط. تناسوا أن دمشق تحتضن محيي الدين بن عربي الذي بنقاء الأنبياء، وأن حواري المدينة مهرجان للياسمين.

كلام آخر للمتحدثة باسم وزارة الخارجية آن ـ كلير لوجاندر حذرت فيه من «تصعيد نووي ايراني مقلق للغاية» ، لأن الايرانيين أطلقوا صاروخاً مداه 2000 كيلومتر. لا ندري ما علاقة صاروخ تقليدي بالتصعيد النووي.

لكننا نذكّر السيدة لوجاندر بأن الفرنسي غي موليه، ولقهر جمال عبد الناصر، أهدى صديقه دافيد بن غوريون مفاعل ديمونا، وبعث بخبراء الى «اسرائيل» لمساعدتها في صناعة القنبلة النووية. حدث هذا منذ سبعة عقود...

هل تعلم سيدة الكي دورسيه أن حكام فرنسا قتلوا نحو مليون ونصف مليون جزائري لأنهم طالبوا باستقلال بلادهم، دون أن يمثل أي من القتلة أمام أي محكمة. هذا اذا تجاوزنا قضية الجزائريين الذي قضوا، أو اصيبوا بعاهات أو بامراض خطيرة، بتأثير النظائر المشعة التي أحدثتها التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.

لسنا معنيين بالدفاع عن النظام في سوريا وايران، وأعتقد أن دفاعنا لا يعنيهم أيضاً، لكننا كنا ننتظر ممن يفترض بهم أن يكونوا ورثة رينيه ديكارت، أن يساعدوا على خروج المنطقة من صراعاتها العبثية، والتي أعادتها مائة عام وربما أكثر الى الوراء، لا أن يفعلوا العكس كما في مواقف وزارة الخارجية.

نعلم أن اتفاق بكين بين السعودية وايران أحدث صدمة لدى دول غربية كانت «تعتاش» من تلك الصراعات، وكذلك ظهور الرئيس السوري في قمة جدة. لن يخدعنا حديث تلك الدول عن الديموقراطية، وقد امتهنوا صناعة ورعاية الديكتاتوريات الأكثر عتواً في التاريخ... بالتأكيد لسنا ضد فرنسا، على الاقل بحكم القرابة الثقافية مع دولة أنتجت ألبير كامو ولوي آراغون وأندريه مالرو ولوي ألتوسير. لكننا نقول للسيدة كولونا... لا تليق ببلادك أن تكون ظلاً للولايات المتحدة، ولا أن تحاول اشعال النار من ثقب الباب.

نذكر بما قاله من سنوات دومينيك دو فيلبان، بالشخصية الراقية وبالرأس الممتلئ، «اهتمامنا بالاستقرار وبالازدهار في الشرق الأوسط ليس ضرورة أخلاقية فحسب، بل وضرورة استراتيجية أيضاً، لأنه ينعكس على قارتنا استقراراً وازدهاراً»...

أي مصلحة لفرنسا في بقاء منطقتنا في حال الخواء، بعدما انطلقت مرحلة جديدة من التفاهمات باتجاه شرق أوسط مختلف ؟

كنا نأمل أن تزور السيدة كولونا دمشق مثلما زارها الأمير فيصل بن فرحان، وباحتفاء تاريخي. هل كنتِ لتذهبين الى هناك لو كان في انتظاركِ حملة السواطير؟ 

الأكثر قراءة

عناصر شبكات "اسرائيلية" اعتقلوا وكشفوا عن معلومات مهمة