اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


منذ البداية، هكذا فكّر رجب طيب اردوغان، أن يأتي بأحمد الشرع لكي يذهب سيراً على الأقدام الى أورشليم. للتو تفتح أمامه أبواب الجنة، دون الحاجة الى الصلاة بين الجماهير التي تهلل عادة لمن يمتطي أكتافها، ودون السجود أمام الله، الذي جعل منه ذلك الاسلام الاله الوثني، الذي يتقيأ الدم حتى من أذنيه.

مثلما ذهب لواء الاسكندرون الى تركيا الشقيقة، ولا فارق بين قصبة وقصبة في دار الاسلام، تذهب هضبة الجولان الى "الشقيقة اسرائيل"، التي تحتاج في سورية الى مثل ذلك الرجل، الذي قلنا انه دفن القضية تحت الثلوج والورود الاسكندنافية في أوسلو. حين التقى اسحق رابين في حديقة البيت الأبيض بدا يهودياً أكثر من اليهود. قال له رئيس الوزراء "الاسرائيلي" "I start to believe chairman Arafat that you are close to the Jewish"، أي "أعتقد أيها الرئيس عرفات أنك على وشك أن تصبح يهودياً". أجاب للتو "جدي ابراهيم"، أي أن رئيس منظمة التحرير هو صاحب فكرة "ميثاق ابراهيم" لا الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

هكذا باستطاعة الفصائل (القبائل الآتية على الطريق الذي سلكه هولاكو منذ نحو 8 قرون) أن تقضي على العلويين، الذين قال فيهم مرشدها الشيخ ابن تيمية "من أصناف القرامطة الباطنية، وهم أكفر من اليهود والنصارى". الآن، اشقاؤنا اليهود (ما المشكلة، ألم يقتل قايين شقيقه هابيل؟). كعاشق قديم لدمشق، ماذا أفعل بقول سعيد عقل فيها "خذني بعينيك، واهرب ايها القمر / لم يبق في الليل الا الصوت مرتعشا". وبقول محمود درويش "في دمشق ينام غزال الى جانب امرأة / في سرير الندى / فتخلع فستانها وتغطي به بردى". الآن، أي "حاخام" يضاجع المدينة التي اختارها محيي الدين بن عربي لتكون طريقه الى الله؟

 نعلم كيف تدار سورية الآن، ومن أين. هل يتصور اردوغان، حتى ولو قدّم أحمد الشرع هدية الى بنيامين نتنياهو، أن يجلس على عرش السلطان؟ هو من قال ان المشروع التوراتي الذي يعمل الائتلاف الحالي لتنفيذه، يلحظ اقتطاع أجزاء من تركيا. هذه هي "اسرائيل الكبرى" لا "تركيا الكبرى" التي دفنت الى الأبد. ولسوف نرى من يدفن الآخر اردوغان أم نتنياهو؟

على كل، الاثنان يلعبان على الخشبة الأميركية. والاثنان يبذلان جهوداً خارقة في الظل أو في الضوء، للحيلولة دون توصل واشنطن وطهران الى اتفاق. لنتصور أن الجمهورية الاسلامية، بامكاناتها البشرية والطبيعية، دخلت في الاقتصاد العالمي، كما وعدها دونالد ترامب، أي دور لأنقرة و "لتل أبيب" في هذه الحال؟

هكذا يتغير الشرق الأوسط وفق الرؤية الأميركية، لا وفق الرؤية العثمانية أو السلجوقية، التي طالما سعى اليها اردوغان ولكن بين شقوق الجدران، ولا وفق "الرؤية الاسرائيلية" التي سعى اليها نتنياهو عبر ذلك الطريق الطويل من الجثث. اللحظة السريالية الآن. نائب الرئيس الأميركي ديفيد جيمس فانس قال ان المفاوضات تسير على ما يرام. معلوماتنا الموثوق بها تؤكد أن ثمة قراراً ايرانياً رفيع المستوى، بتوثيق العلاقات مع السعودية الى أبعد مدى، أي أننا سنكون أمام مشهد استراتيجي جديد وواعد على ضفتي الخليج.

بالتأكيد، الأمير محمد بن سلمان، وان استضاف بود رجب طيب اردوغان، لن ينسى قطعاً، كيف امسك بقميص جمال خاشقجي وراح يلوّح به في وجه الرئيس الأميركي لأنه، وهو الذي يراهن على استعادة لقب "خادم الحرمين الشريفين"، لا يستطيع أن يتحمل رجلاً في قصر اليمامة بتلك الكاريزما وبتلك الرؤية. كما أن ولي العهد السعودي يدرك بدقة ما يجول في رؤوس أولئك الذئاب في "اسرائيل". أيضاً أن يحل "الحاخام" لا السلطان، محل خادم الحرمين الشريفين، وأن يطوف العرب حول الهيكل لا حول الكعبة.

انه الشرق الأوسط. بكل تضاريسه التاريخية والايديولوجية، وحتى اللاهوتية. حتى الساعة لم يتمكن أي من المؤرخين أو من الفلاسفة، من فك ما اطلق عليه المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون "لغز الأنبياء"، ولماذا نزلوا في هذه الأرض التي هبط آدم عليها أيضاً. هل هم، وكما رأى آرنولد توينبي "ورثة الأساطير"؟ محمد أركون قال لنا "ما يجعلنا ندور داخل تلك الحلقة المقفلة، ان الفراعنة "بُعثوا" في أرض الكنانة، والفلاسفة "بُعثواً" في بلاد الاغريق. لماذا في الشرق الأدنى بُعث الأنبياء ؟ شيخ المستشرقين الألمان تيودور نولدكه، مؤلف "تاريخ القرآن" قال: "ربما لأن المنطقة وسط الطريق بين الجنة وجهنم". ولكن ألم تكن دوماً نسخة عن الجحيم؟

بالمناسبة، هي أيضاً أكثر منطقة في انتاج رجال الدين، هذه ظاهرة تثير التساؤل فعلاً. علماء في الغيب لمواجهة ذلك النوع من العلماء الذين غيروا وجه الأزمنة. التونسي عبد الوهاب المؤدب رأى أنهم غيروا حتى "مسار القضاء والقدر".

اذ نتمنى على أحمد الشرع الذي سمع من ايمانويل ماكرون كلاماً هاماً حول ما تعنيه سورية في الشرق الأوسط، وكيف يكون دورها، أن يصغي الى صوت أبيه الطبيعي حسين الشرع، لا الى صوت أبيه الاصطناعي رجب طيب اردوغان.

دونالد ترامب وعدنا بـ "الفردوس الأميركي". غزة "ريفييرا" الشرق الأوسط. ماذا عن الآخرين؟ لا يصيبكم الا ما أصاب الهنود الحمر... !!

الأكثر قراءة

تصعيد «اسرائيلي» يسقط ضمانات واشنطن... وخيبة امل في بعبدا لا تعديل للقانون... هل تحصل الانتخابات في بيروت؟ «هواجس» من مفاجآت ترامب... وقلق في «اسرائيل»