السيد حسن نصرالله، كشخصية تاريخية، لم يكن بالرجل الذي يبالغ في اظهار قوته. مثلما كان رجل العناوين الكبرى والمفترقات الكبرى، كان رجل التفاصيل الصغيرة. بالتأكيد كان باستطاعة الترسانة الصاروخية لحزب الله تدمير أهداف استراتيجية بالغة الحساسية في "اسرائيل". لكنه آثر أن تنتهي حياته بتلك الطريقة الدرامية، على أن تلجأ حكومة بنيامين نتنياهو الى الضربات النووية، بعدما قال هذا الأخير بتغيير الشرق الأوسط، حتماً بالسكين النووية. وفي ضوء معلومات موثوق بها من شخصيات عالمية من بينها فلاديمير بوتين، أن أصابع رئيس الحكومة "الاسرائيلية" اقتربت كثيراً من الأزرار النووية.
كان ممكناً لمقاتلي الحزب اختراق الخط الأزرق والدخول الى الجليل، وربما الى أبعد من الجليل. لاحظنا الأداء الأسطوري للمقاتلين الفلسطينيين في غزة. وفي تلك الظروف المستحيلة، من تابع المواجهات التي حدثت على أرض الجنوب، وفي الظروف المستحيلة أيضاً، يدرك أي نوع من الرجال حال دون "الأرمادا الاسرائيلية" (60000 جندي ومئات الدبابات) والتمدد الى الداخل، وربما الى بيروت (الآن الضاحية الجنوبية)، على غرار ما حدث ابان اجتياح عام 1982.
الشبح النووي بالتداعيات الأبوكاليبتية، ومن طهران الى بيروت، حال دون استهداف نقاط القوة ونقاط الضعف في الدولة العبرية. من هنا الاصرار على نزع سلاح الحزب، دون أن نقتنع في حال من الأحوال، بأن شروط نتنياهو تتوقف عند ذلك. أكثر من مرة تحدثنا عن ترحيل قادة حزب الله ومقاتليه، على غرار ما حدث لياسر عرفات و "فدائييه". لكن السيد نصرالله (وحالياً الشيخ نعيم قاسم) ليس برجل الصفقات، الصفقات الديبلوماسية الفارغة والخادعة، وليس بالرجل الطارئ على هذا التراب الذي خرج منه، مثلما تخرج أشجار الأرز واشجار الزيتون. أيضاً وايضاً مثلما تخرج شقائق النعمان.
رأينا ما فعله صاروخ يمني واحد في "اسرائيل". الصاروخ قطع نحو 2000 كيلومتر، واخترق كل المنظومات المضادة، والأكثر فاعلية في العالم، ووصل الى مطار "بن غوريون". لنتصور في هذه الحال، ما حال "اسرائيل" لو أتيح لحزب الله أن يطلق عشرات آلاف الصواريخ. السيد نصرالله كان بين أن تدخل المنطقة في الجحيم النووي، وبين أن يضحي بنفسه. وكان باستطاعته أن يتخلص من العيون الصفراء، ومن أجهزة الرصد والتعقب، لكنه قرر هو، أجل هو، أن يستشهد ليفتدي الجميع. الآن ثمة من يتحدث بتلك البشاعة وبتلك الفظاعة عن ضريحه. حتى ضريحه يقلقلكم أيها السادة ؟؟
ولكن أي معاتاة للمقاومة حين تكون في هذا المستنقع السياسي والطائفي. اسألوا خبراء صندوق النقد الدولي، واسألوا أيضاً مستشاري الاليزيه، ومستشاري البيت الأبيض، اذا كان هناك بلد في العالم يمكن أن تصل فيه الزبائنية، وأن يصل فيه الفساد، وأن يصل فيه التأجيج الغرائزي الى ذلك الحد. البلد الذي استعدنا كثيراً وصف لامارتين له بـ "أريكة القمر"، جعل منه ملوك الطوائف أريكة لأكلة عظام البشر.
عدنا الى التجربة الفيتنامية، وحيث تمكن الحفاة والجوعى، من دحر أضخم قوة في التاريخ، وعدنا الى التجربة الأفغانية، وحيث تمكن الخارجون من الصخور، لا من وادي السيليكون، ولا من كلية "وست بوينت"، من فعل الشيء نفسه. وقد لاحظنا ذلك الخروج الفضائحي من سايغون ومن كابول. المعلق العسكري الشهير باري ماكفري تحدث عن "ذلك العار الذي لن يبارح وجوهنا الى الأبد"...
سواء كنا في المنطقة، وما زلنا ندور داخل الدوامة القبيلة، ولا الزير المهلهل ولا أبوزيد الهلالي هناك، أو كنا في لبنان، وما زلنا ندور داخل الدوامة الطائفية برقصة الفالس مع القناصل، لسنا أهلاً للتفاعل الجماعي مع المقاومة التي تمكنت، بالرغم من كل ذلك، من اجتثاث الأقدام الهمجية من أرضنا عام 2000، ليبقى رهان الحكومات "الاسرائيلية" المتعاقبة، وكما كتب آموس هرئيل، على تفككنا القبلي والطائفي، فيما تتحول آلاف الطائرات وآلاف الدبابات وآلاف الصواريخ الحديثة الى بضاعة صدئة في المستودعات.
كل هذا لنصل الى تلك الحقيقة الصادمة. لا نزع للسلاح الذي يعرف الرئيس جوزف عون والعماد رودولف هيكل، أنه حاجة لبنانية، حين تكون على حدودنا وداخل حدودنا، تلك الثلة من الذئاب المجنونة، بالايديولوجيا التي تقوم على ازالة الآخر، أياً كان هذا الآخر. لا بأس، وقد يكون من الضروري أن يكون في اطار الدولة، ولكن أي دولة حين يكون هناك نائب يهدد ببنيامين نتنياهو وبأحمد الشرع لنزع السلاح بالقوة، وحين يكون هناك وزير معني يتماهى في موقفه مع الموقف "الاسرائيلي". ولو كان يمتلك السلطة والأظافر، لما تردد في تسليم سكاكين المطبخ الى الجنرال ايال زامير.
في هذا السياق، رائع بيان حزب الله حول الاعتداءات "الاسرائيلية" على سورية، التي نأمل بخروجها من العباءة العثمانية والدخول في الحالة السورية. أيها الرئيس الشرع، اعمل بوصية أبيك الدكتور حسين الشرع في مقاومة من اهانوا الأرض وأهانوا الأمة، لأن تفكيك سورية، وكما أعلن ذلك للملأ بسلئيل سموتريتش، يعني أيضاً تفكيك تركيا، بل وتفكيك المنطقة تبعاً للرؤية (وللرؤيا) التوراتية، وقد باتت الرؤية (والرؤيا) النووية.
يتم قراءة الآن
-
لماذا آثر نصرالله أن يستشهد ؟
-
عودة الرعاية الخليجية للبنان وموسم سياحي واعد صناديق الشمال على موعد مع التغيير أو تثبيت التوازنات؟! وساطة عربية بين دمشق و«تل ابيب»: ماذا يُحضَّر؟
-
أخرجوا الوحوش من الشوارع
-
لبنان المحاصر «بالنيران» يختبر الضمانات الأميركيّة؟! نتائج البلديّات مُؤشر للمستقبل... «الكباش» الأقسى مسيحياً الأحزاب المسيحيّة و«الثنائي» نجحوا في إثبات حضورهم جنبلاط ــ إرسلان لتحالف ضدّ «التغييريين»
الأكثر قراءة
-
عودة الرعاية الخليجية للبنان وموسم سياحي واعد صناديق الشمال على موعد مع التغيير أو تثبيت التوازنات؟! وساطة عربية بين دمشق و«تل ابيب»: ماذا يُحضَّر؟
-
سعيد لـ "الديار": نتائج جبل لبنان أثبتت أن العائلات تتمتع بوزن أكبر من الأحزاب
-
قلق وهواجس وراء عودة الخليجيين الى لبنان! سباق مع الوقت لإبعاد لبنان عن حريق المنطقة لا تنازل عن "الشروط"... لكن لا رغبة بالفوضى
عاجل 24/7
-
13:32
وزارة الصحة: الغارات "الإسرائيلية" على النبطية أدت في حصيلة أولية إلى سقوط شهيد وإصابة 8 أشخاص بجروح
-
13:27
رئيس مجلس النواب نبيه بري يترأس في هذه الأثناء إجتماعاً لهيئة مكتب مجلس النواب
-
13:21
رئيس الجمهورية جوزاف عون يجري اتصالات مكثفة داخلية وخارجية، في هذه الاثناء، على اعلى المستويات لوقف الخروقات "الاسـرائيلية" اضافة الى اتصالات مع القيادة العسكرية للجيش اللبناني التي تطلعه على ما يحصل على الارض
-
13:14
عميد الكرادلة في الفاتيكان يتوقع انتخاب البابا مساءً
-
12:58
تصاعُد الدخان الأسود في الفاتيكان للمرة الثانية في إشارة إلى عدم انتخاب الكرادلة الكاثوليك للبابا الجديد
-
12:37
نجاة إمرأة وابنتها جراء إطلاق الجيش الاسرائيلي النار على سيارتهما على طريق كفركلا
