اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

وسط هذه الضوضاء، ربما كان الخليجيون أكثر منا دراية بما يجول في الرؤوس الكبيرة . لذلك يتوجه أحد ديبلوماسييهم الى ساستنا بهذا الكلام «كفاكم لعباً بأعصاب بعضكم البعض». لا يقول كفاكم تلاعباً بأعصاب الناس!

يضيف «الفرنسيون يعلمون، لكنهم استساغوا الدوران في الحلقة المفرغة، والسعوديون يعلمون، لذلك يتعاملون مع الأزمة برؤوس أصابعهم، أو برؤوس شفاههم. الرئاسة اللبنانية ورقة في مهب الاشتباك الأميركي ـ الايراني، ولن يكون هناك رئيس للجمهورية الا حين يتوقف هذا الاشتباك بطريقة أو بأخرى».

نسأله «هل تتصور أن واشنطن التي تخوض الآن صراعاً هائلاً حول قيادة الكرة الأرضية، معنية برئاسة دولة تكاد تكون جثة جيوسياسية، بالنظر للتصدعات البنيوية التي تعصف بها»؟ يجيب «لستم أنتم من تعنون أميركا الا في ما يتعلق بأمن «اسرائيل»، وهم يعتقدون أن المعادلة التي تحكم الوضع على جانبي الخط الأزرق لن تتزحزح، خصوصاً بعد الاتفاق على الترسيم البحري . ايران هي الهدف . وكما نستشعر من سفرائها في بلدان مجلس التعاون، فان ادارة جو بايدن منزعجة جداً من اتفاق بكين بين الرياض وطهران» .

يفاجئنا قوله «ندرك مدى تفاؤلكم ـ أو تفاؤل بعضكم ـ بتداعيات هذا الاتفاق . لكنكم الضحية الأميركية له . هناك داخل الادارة من يذهب به الظن أو التحليل، الى التوجس من أن يفلت الشرق الأوسط من أيديهم، حتى أنني شخصياً، ذهلت من قول ديبلوماسي أميركي لي أن بلاده تتخوف من أن تتطور العلاقات بين السعوديين والايرانيين الى حد تشكيل كوندومينوم لادارة المنطقة» !!

لا يستبعد أن يكون التصعيد السياسي والطائفي في لبنان مبرمجاً . جهاد أزعور لم يكن ليقتحم المشهد لولا الايعاز (أو الدفع) من واشنطن، التي تعتبر أن طرح اسم سليمان فرنجية كمن يلقي القفاز في وجهها، اذ من يكون أداة في يد دمشق، يكون تلقائياً أداة في يد طهران...

هذه لعبة خطيرة. غالباً ما يفضي الصدام السياسي بذلك الايقاع الفوضوي، وحيث الأبواق (أم الغربان؟) تصدح بأعلى صوتها الى الصدام الدموي . ألا يشبه المشهد الآن ذاك الذي كان عشية الحرب الأهلية؟

الديبلوماسي اياه يستخدم تعبيراً لبنانياً «لا تتشاطروا على بعضكم البعض، وكلكم في القاع. أنتم احترفتم ربط بلدكم بالرياح الخارجية. وبالرغم مما أصابكم، وقد يصيبكم ما هو أسوأ، ما زلتم تلعبون في الزاوية ذاتها، مع أن هناك بينكم من يعلم كيف توضع، وأين توضع السيناريوات الخاصة بتفكيك لبنان، كمدخل لتفكيك دول أخرى»، ليضيف «ان الأميركيين ليسوا مطمئنين الى المسار الذي تأخذه المنطقة التي قد تكون على أبواب البلقنة».

اذا كان دقيقاً ما صدر عن الديبلوماسي الخليجي، واذا كان صحيحاً أن ما ينتظرنا أسوأ بكثير مما حلّ بنا، لماذا لا يعمل ساستنا الأجلاّء، ولو ليوم واحد، لجلسة واحدة من أجل لبنان واللبنانيين، الا اذا كان صحيحاً وصف الانكليز (عبر ديفيد هيرست) لساستنا بتماثيل الشمع . تماثيل الشمع التي تمتطي ظهورنا كعربات بشرية!

الاصطفاف، بأكثر وجوهه بشاعة، يبدو وقد اكتمل، ألاّ ترجمة له سوى المراوحة التي لا يدري أحد الى أين تذهب بلبنان وباللبنانيين.

الكوميديا الدستورية ستتكرر في ساحة النجمة، ليبقى هناك من يلعب في الظلام، لا في الظل فقط، من أجل تغيير الصيغة اللبنانية لا في اتجاه الغاء الطائفية السياسية (وهي آفتنا الكبرى)، وانما للذهاب بالتفتيت المذهبي الى حدوده القصوى، كرد على الاتفاق السعودي ـ الايراني، وبرعاية من وصفته قناة «فوكس نيوز» بـ «هولاكو الصيني». ما يثير الاستغراب هنا أن القناة المحت الى»العلاقة الجينية» بين البربرية والجنس الأصفر...

ما يجري حاليا الضياع (ضياع الأفرقاء كافة) في الوقت الضائع، دون أن يكون باستطاعة أحد التكهن الى أين تتدحرج رؤوسنا، هذا اذا كانت هذه الرؤوس لا تزال على أكتافنا... اذاً، ما حصيلة محادثات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الفاتيكان والاليزيه؟ دعوة المكونات المسيحية الى الحوار مع المكونات الأخرى . هل المشكلة، يا صاحب الغبطة، في المكونات المسيحية والمكونات الأخرى؟! 

الأكثر قراءة

طوفان الأجيال في أميركا