اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

عبر الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان بنفسه عن مهمته بأنها استطلاعية في لبنان للاستماع الى اراء المسؤولين والقيادات السياسية والحزبية فيه حول الخروج من ازمته الرئاسية خصوصا والنظام عموما.

فالموفد الفرنسي يعرف لبنان جيدا وهو مطلع على اوضاعه السياسية والمالية والاقتصادية منذ سنوات وزادت معرفته اكثر بعد انفجار المرفأ في 4 آب 2020 وحضر الى بيروت مع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لتقديم المساعدة بعد الكارثة الكبيرة التي وقعت في لبنان.

وما سمعه لودريان من الذين التقاهم هو نفسه الكلام الذي نطق به هؤلاء قبل سنوات وهم في موقع السلطة او المعارضة او من يسمون انفسهم "نواب تغييريون" او قادة رأي ليتبين للمسؤول الفرنسي بأن ازمة لبنان ليست ازمة انتخاب رئيس للجمهورية فقط بل هي اعمق بكثير وتتعلق ببنية النظام السياسي وهو الذي قال عبارته الشهيرة في ايار 2021 "لبنان الى زوال" ولم يكن فيه شغور في رئاسة الجمهورية.

وما اعلنه لودريان قبل اكثر من عامين ما زال على قناعته به اذ لم يحصل تغيير في عقلية من هم في السلطة او المعارضة ولم يتقدموا في تفكيرهم باتجاه اجراء اصلاحات هي مطلوبة منهم قبل ان يطلبوا المساعدة من الاخرين فلم يلمس الموفد الفرنسي من خلال لقاءاته اي تبدل في المشهد السياسي اللبناني كما لم يشعر ان لدى الاطراف اللبنانية اية محاولة للقيام بعملية اصلاح سياسي واقتصادي ومالي واداري. وبمثل هؤلاء لا يمكن انقاذ لبنان حيث لمح لودريان امام من زارهم او استقبلهم بان لبنان امام خطر وجودي اذ بعد مئة عام على انشائه ككيان باسم "دولة لبنان الكبير" فان الازمات قائمة فيه والحروب الداخلية تنفجر فيه كل فترة وان الفساد هو شعار دائم يسكن سلوك اللبنانيين قيادات وشعبا.

فالمستطلع الفرنسي حضر ولا يحمل مبادرة بل استكشف الاراء ليعد الى باريس ويضعها امام الادارة الفرنسية لازمة لبنان واستخراج الحلول قد تكون عقد مؤتمر او طاولة حوار حيث سبق لفرنسا ان عقدت طاولة حوار لاطراف لبنانية في "سان كلو" عام 2007 للبحث في ازمة النظام وقد مر على اتفاق الطائف اكثر من ثلاثة عقود ولم تطبق بنوده الاساسية الاصلاحية ولم يتجه اللبنانيون نحو الغاء الطائفية حيث يكشف مصدر سياسي مطلع على السياسة الفرنسية بأن باريس بات لديها قناعة بأن لبنان الذي انشأته يجب اعادة تكوينه وهذا ما يلتقي عليه الموقفان الفرنسي والاميركي وقد لا يعني ذلك القفز فوق اتفاق الطائف الذي تتمسك السعودية به بل تطبيقه السليم ثم تطويره وان مؤتمر سان كلو كان في هذا الاتجاه وطرحت فيه "المثالثة" التي كانت مطلبا لحركة "امل" منذ "الاتفاق الثلاثي" الذي صدر من دمشق بتوقيع كل من رئيس حركة "امل" نيبه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس "القوات اللبنانية" ايلي حبيقة والذي رفضه امين الجميل وكان رئيسا للجمهورية وسمير جعجع الذي قاد انقلاب داخل "القوات" واطاح بحبيقة حيث وردت بنود من "الاتفاق الثلاثي" في اتفاق الطائف الذي ادخل عليه "اتفاق الدوحة" في ايار عام 2008 ما سمي "الثلث الضامن او المعطل" في الحكومة وهو "المثالثة المقنعة" كما تعيين وزير المال من الطائفة الشيعية لضمان توقيعه على مراسيم فيما بعد.

فالتوجه الفرنسي هو نحو عملية انقاذ ترتبط بالنظام السياسي المستولد دستوره من الدستور الفرنسي للجمهورية الاولى في العام 1926 ولم تكن "الطائفية السياسية" مستفحلة فيه والتي تكرست كحالة مؤقتة في المادة 95 من الدستور في العام 1943 بعد تعليق العمل في "الصيغة الفرنسية للدستور".

فانتخاب رئيس للجمهورية استحقاق دستوري يجب ان يحصل في موعده لكن عدم حصوله بات له علاقة بمسائل كثيرة منها ان يختاره المسيحيون اولا ولا يفرض عليهم وان يقدم ضمانات للشيعة وهي الهواجس التي تعلنها الاطراف اللبنانية وسمعها الموفد الفرنسي الذي خرج بقناعة ان الازمة ليست بانتخاب رئيس جمهورية بل تذهب الى ان تصبح مرتبطة بنشوء الكيان في ظل المطالبة بالتقسيم و"الفدرالية" وخروج مواقف تتحدث عن سقوط "صيغة العيش المشترك" وترداد شعار لكم لبنانكم ولنا لبناننا واصبح ارتداء "مايوه" على شاطىء البحر يثير ازمة في لبنان ومثله التوقيت الصيفي.


الأكثر قراءة

هل هو القضاء والقدر فقط ؟