اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ثمة مسلسل سوري بعنوان "نهاية رجل شجاع"، عن رواية لحنا مينا. العنوان يليق بيفغيني بريغوجين الذي كانت أمه فيوليتا ترى فيه صورة القيصر. هذا ما أثّر في حياته منذ أن ضبط وهو يسرق، وأمضى في السجن 9 سنوات، قبل أن يبيع النقانق، ليغدو صاحب سلسلة من المطاعم التي كانت تعدّ للكرملين الموائد الفاخرة.

بريغوجين كانت له تجربة خاطفة، ومريرة، في الشرق السوري (2018)، اذ كان يقاتل في أرض مكشوفة تماماً أمام الطيران الأميركي.

كان يزعجه كثيراً لقب "طباخ القيصر". تردد أن السبب في نجاحه، كرجل أعمال، قول أبيه اليهودي له "ابدأ بغسل الصحون لتنتهي بمن يغسل لك قدميك". نيكيتا خروتشوف الذي أصبح زعيم الاتحاد السوفياتي بدأ راعياً للخنازير، لينتقل الى بلاط جوزف ستالين الذي كان معجباً بنظرته البدائية في مقاربة المسائل المعقدة، وان كان "يلهو" به، بين الحين والآخر، بأن يأمره، بجسمه الكروي، بالرقص على طريقة فيفي عبده!

الصعود على الطريقة الأميركية. هذه حال رونالد ريغان الذي بدأ حياته بغسل الأطباق، ودون أن ندري من هو الأب الشرعي لجيرالد فورد أو لبيل كلينتون. هنا التزلج على الأشواك. اما الوصول الى القاع أو الوصول الى القمة. روسيا شيء مختلف. بطرس الأكبر الذي نقل الى بلاده أساليب العمل في فرنسا، نقل معه الى البلاط التقاليد الاريستقراطية الفرنسية. الأميرات الروسيات، وبحسب مؤرخين غربيين، كنّ أكثر أناقة، وسحراً، من عشيقات لويس الرابع عشر.

الأميركيون لم يعرف تلك التقاليد. قطاع الطرق، والباحثون وراء الذهب، وعشاق الأرصفة، هم الأساس في ولادة الأمبراطورية التي وصفها الفرنسي الكسي دو توكفيل (1834) بـ "آثينا الجديدة"، لكأنها الجمهورية الفاضلة، أي جمهورية أفلاطون. الروس مشبعون بالروح القيصرية. الفارق هائل جداً بما يفعله الكونغرس الذي قد يعرّي الرئيس، أحياناً، من ملابسه الداخلية، وما يفعله الدوما الذي يكاد يستقبل الرئيس بالزغاريد.

بريغوجين صعد على "السلّم" الأميركي وهوى على "السلّم" الروسي. عظامه احترقت على أبواب موسكو التي كان يراهن على استقبالها له بالورود. نهاية رجل شجاع. ديانة أبيه اليهودية لم تترك لديه أي أثر.

في موسكو كانو يصفون الكسندر دوغين بالدماغ الاستراتيجي، والايديولوجي، لبوتين. بيرغوجين كان الذراع العسكري. سياسياً، وكما كتب، أحد المعلقين، كان يمتلك "خيال فأرة". ولطالما تحدث الأميركي جورج كينان، صاحب نظرية "الاحتواء" عن خيال الدببة...

ألهذا سقط بوتين في "المصيدة الأوكرانية"؟ اللافت أن قائد مجموعة فاغنر كان قد حذّر من ذلك، لكنه على الأرض قاتل بشراسة. مجرد ذكر اسمه كان يثير الهلع لدى الجنود الأوكرانيين. ولكن كيف للمؤسسة العسكرية التي قامت على القواعد الكلاسيكية، أن عملانياً أو لوجيستياً، أن تتحمل رجلاً يفكر، ويعمل، بعقل المغامر، لا بعقل جوكوف ولا بعقل مونتغمري؟

بريغوجين تعلّم من أمه كيف يكون روسياً حقيقياً. لهذا أخذ برأي دوغين الذي لم يكن يطيق أن يرى وجهه. "بوتين لا يستطيع الا أن ينتصر، ولو قاتل أميركا باظافره (بما في ذلك الأظافر النووية"). الهزيمة تعني زوال روسيا من الوجود. في هذه الحال، من يستولي على سيبيريا، أميركا عبر مضيق بيرينغ أم الصين عبر نهر الأوسوري؟

بالأحرى، من يستولي على الكرملين؟ في أيامه الأخيرة سئل الجنرال دوغلاس ماك آرثر، بطل الباسيفيك، "ما كان حلمك الآخر الذي لم يتحقق بعدما أقفلت أبواب البيت الأبيض في وجهك بسبب الحرب الكورية ؟". جوابه "كنت أحلم بأن أترأس، كجنرال، قداساً، باللغة الأنكليزية، في قاعة القديسة كاترين في الكرملين". الرغبة في احتلال موسكو، بعد طوكيو، أم افتتان بلآلئء القاعة؟

على ذلك النحو الدرامي مات يفغيني بريغوجين. عادة لا تنتهي الأفلام الهوليوودية هكذا. مايكل مور، المخرج الشهير، بدأ الاعداد لفيلم عن تلك الشخصية الاشكالية.

ليس دقيقاً، ولا منطقياً، قول الباحثة الأميركية باتريشيا كيم "على قبره... هنا يرقد حصان طروادة". بيرغوجين كان روسياً حتى العظم...

الأكثر قراءة

مفوضية اللاجئين لن تسلم «داتا» النازحين واجتماع في بكركي وتحركات شعبية الورقة الفرنسية كتبت «بالإنكليزية» وتجاهلت «الرئاسة» و14 ملاحظة لبنانية صواريخ بركان تلاحق غالانت وعمليات نوعية للمقاومة و30 غارة للطيران المعادي