كشف «زلزال» 8 كانون أول السوري عن بنية سياسية - مجتمعية شديدة الهشاشة، ثم جاءت «الهزات الإرتدادية» التي أعقبته لتكشف عن إن هذا التوصيف الأخير قد لا يكون «منصفا»، أو موصلا لإيجاد تعريف دقيق لها، فهي بدت، مع تلك الهزات الإرتدادية، كما «الرمال المتحركة» التي يصعب التنبؤ بحركتها، أو إنها تميل للسكون أو للتسارع ؟، وعليه فقد سارعت «فرق الإنقاذ»، كل من منظورها، للتحرك سريعا بغرض احتواء التداعيات الراهنة، وتلك المحتملة، لذلك الزلزال الذي قد يشكل المنعطف الأهم في مسار الدولة السورية الحديثة منذ ولادتها عام 1920.
بدعوة من «مجالس سورية الديمقراطية» انعقد، يوم الخميس الفائت، «كونفرانس مكونات شمال شرق سوريا»، الذي أريد له أن يمثل «شهادة»، و موقفا في آن، على أداء السلطة القائمة راهنا في دمشق، ونوعا من «جردة حساب» لادائها خلال الأشهر الثمانية المنصرمة، وفي النهاية كان المراد الأبعد لذلك المؤتمر هو عند تثبيت خلاصة مفادها : إن «النتائج المتوخاة من مقدمات خاطئة هو نتائج خاطئة حتما»، والمؤتمر، الذي اختتم أعماله يوم الجمعة، بإصدار بيان، قرأه الشيخ حسن فرحان رئيس مجلس قبيلة «طي» العربية، كان قد شدد على «ضرورة ترسيخ التعدد القومي والديني والثقافي في البنى السياسية»، كما شدد على ضرورة «اعتماد دستور ديمقراطي، يضمن لا مركزية الحكم والمشاركة الفعلية لكل المكونات»، كما دعا إلى «عقد مؤتمر وطني شامل، وإطلاق مسار للعدالة الإنتقالية» من شأنه أن يضمن «عودة كريمة وآمنه للمهجرين، ورفضا لعملية التغيير الديموغرافي»، وذاك يمثل بالتأكيد موقفا «معارضا» لبنيان وتركيبة السلطة بشكل جذري، والجدير ذكره في هذا السياق أن البيان كان قد قال إن «الوثيقة المنبثقة عن مكونات شمال وشرق سوريا إنما تعبر عن إرادة حرة، ووعي جماعي مشترك، وإصرار على بناء سوريا حرة وموحدة، ديمقراطية تعددية لامركزية يسودها الفانون»، وقد ذكرت وكالة «هاوار» الكردية إن من المقرر أن يكشف عن تلك الوثيقة خلال الأيام القليلة المقبلة.
بعيدا عن مداولات المؤتمر الذي كرس لخلق «جبهة وازنة» تتبنى مشروعا آخر لا يشبه نظيره عند السلطة في دمشق، والذي اختصرته مقولات باتت شهيرة لدرجة يجري تداولها لـ«تمرير» الكثير من القوانين والمراسيم، من نوع إن «من يحرر يقرر»، أو «إن المخطوفة لاتسأل محررها إلى أين سوف يأخذها»، كان لافتا الحضور الإفتراضي لكل من الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل لطائفة الموحدين، والشيخ غزال غزال، رئيس «المجلس الإسلامي العلوي»، في مؤشر لا تخفى دلالاته من حيث التلاقيات التي فرضتها أحداث آذار في الساحل، ونظيرتها في السويداء شهر تموز المنصرم، كما يبدو، وفي كلمته أمام المؤتمر قال الشيخ الهجري إن «وحدة الموقف لمكونات شمال شرق سوريا ليست مجرد اجتماع سياسي، بل هي نداء للضمير الوطني، واستجابة لصرخة شعب أنهكته الحروب والتهميش»، وأضاف «نحن أبناء طائفة الموحدين الدروز نقف إلى جانب أخوتنا الكرد، والعرب والسريان والآشوريين والتركمان والإيزديين والشركس، وباقي المكونات، لنؤكد إن التنوع ليس تهديدا، بل هو كنز يعزز وحدتنا، وشراكة تبني مستقبلنا»، أما الشيخ غزال فقال «تسلط الفكر التكفيري المتطرف، ففرق بين أبناء الوطن الواحد، وأشعل نيران الكراهية، وفرض رؤية إقصائية على الجميع باسم الدين»، وأضاف «سلط السوريين، وسلط بعضهم على بعض، وألصقت بهم النعوت البغيضة، فأبيحت الدماء، وانتهكت الأعراض، وسلبت الأموال، واستبيحت المقدسات».
في أول رد فعل صادر عن الحكومة السورية نقل «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن مصدر سوري مسؤول، يوم أمس السبت، قوله «إن ما جرى في شمال شرق البلاد لا يمثل إطارا جامعا، بل تحالف هش يضم أطرافا متضررة من انتصار الشعب السوري وسقوط عهد النظام البائد، وبعض الجهات التي احتكرت، أو تحاول احتكار تمثيل مكونات سوريا بقوة الأمر الواقع»، وأضاف المصدر «وبالاستناد إلى دعم خارجي تلجأ هذه الأطراف و الجهات لمثل هذه المؤتمرات هروبا من استحقاقات المستقبل، وتنكرا لثوابت الدولة السورية القائمة على جيش واحد، حكومة واحدة، وبلد واحد».
من الممكن القول أن مؤتمر «مكونات شمال شرق سوريا»، جنبا إلى جنب التيارات التي أعلنت عن تأييدها له بات يمثل تحديا هو الأكبر من نوعه للسلطة السورية في المرحلة الراهنة، وأخطر ما فيه تجاهله، إذ لطالما كان من البين أن تلك «المكونات» تلاقت تحت سقف «مظلة دولية» أكيدة، ولربما أعطيت هذي الأخيرة، لتلك المكونات، بغرض إحداث تغييرات في خيارات السلطة القائمة راهنا، خصوصا بعدما فشلت الجهود الفرنسية في ترتيب لقاء «مثمر» ما بين القيادة السورية وبين «الادارة الذاتية»، وكذا بعد فشل الضغوط، الأميركية البريطانية، التي كانت تصب في ذات الإتجاه، والثابت هو إن كلا المعطيين، آنفي الذكر، لم يستيطعا جسر الهوة القائمة ما بين دمشق و«القامشلي» حيال تنفيذ «اتفاق 10 آذار»، والتي تعمقت بشكل كبير بعيد أحداث الساحل والسويداء شهري آذار وتموز على التوالي، وإذا ما كان من الصعب تحديد حالة «المظلة»، وهل هي دائمة أم مؤقتة ؟، ثم هل يجري استخدامها كورقة ضغط ؟ أم إنها خيار من النوع بعيد المدى؟، فإن من الخطأ التعاطي مع من «يستظلون» بظلها على أنهم «خونة» أو «خارجين عن الإجماع الذي تمثله الأكثرية»، وفقا للتوصيفات التي استخدمتها منابر قريبة من السلطة، فالخيانة يمكن أن تكون فردية، ومن المستحيل لها أن تكون جماعية، ثم إن أمر «الخروج عن الجماعة» فيه أخذ و رد كثيرين، وفي مطلق الأحوال لا يمكن الركون إلى نهج من نوع «الأكثرية تريد» لفرض قيم وعادات وتقاليد لا تبدو «مستساغة» لدى مكونات عدة بفواعل تاريخية متراكمة، ومن المؤكد إن الإستمرار في تبني ذلك «النهج» سيكون أقرب لـ«وصفة ناجعة» لدخول البلاد في متاهة، قد تطول أو تقصر تبعا لاحتياج الخارج، ولن يكون الخروج منها متاحا إلا بتشطي وانفراط «العقد» السوري الذي بات مضموما بسلك لا يكاد يرى بالعين المجردة.
يتم قراءة الآن
-
تأسيس «المجلس العسكري المسيحي» في سوريا: «مظلة» الدولة لا تقي
-
ربط نزاع بين الحكومة والثنائي الشيعي بانتظار 31 آب هل حصل سلام على تطمينات اميركية بالتمديد لليونيفيل دون تعديلات؟ حزب الله ضد اي تحرك في الشارع وتنسيق مع الجيش لضبط الاوضاع
-
الخلفيات الخطرة للمشهد اللبناني
-
هل تسير العلاقة بين جنبلاط و"الثنائي" نحو الفراق؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:25
مصادر عسكرية لـ"الجديد": الجيش اللبناني ينفذ انتشاراً في كل المناطق التي من الممكن أن تشهد تحركات شعبية من بعلبك الى الجنوب مروراً ببيروت والضاحية مع اصرار الجيش على عدم قطع الطرقات خاصة طريق المطار
-
22:20
مسيرات احتجاجية رفضاً لقرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة في البقاع الأوسط مع انتشار لعناصر الجيش اللبناني في المنطقة
-
22:15
الجيش اللبناني يقفل حاجز عين الدلب - شرق صيدا بالإتجاهين ويقطع طريق المية ومية شارع الهمشري
-
22:12
القناة 12 عن مسؤول "إسرائيلي": لا نستبعد العودة إلى المفاوضات بشأن صفقة جزئية في إطار خطة ويتكوف
-
21:45
وسائل إعلام "إسرائيلية": تظاهرة حاشدة في "تل أبيب" احتجاجاً على قرار "الكابينت" احتلال مدينة غزة
-
21:37
الجديد: جلسات مجلس الوزراء ستتوقف في الأسبوع الثالث من شهر آب بسبب عطلة المديرين العامين في القصر الجمهوري والسراي الحكومي على أن تُستأنف نهاية هذا الشهر
