اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

التحرش عند الكبار أم الصغار، من قبل الأقرباء قبل الغرباء، جريمة تنهش بلحوم الأبرياء منذ بداية اكتشاف الإنسان لنفسه ولغرائزه وشهواته، ولم تزل، الفارق الوحيد أننا في عصرنا هذا لدينا كل الوسائل والدعم للبوح وتحويل هذه القضايا الى رأي عام يدعو الى المحاسبة بقوة، وعدم التساهل مع مثل هذه الجرائم، رغم وجود من يلوم الضحايا أو يتوجه لهم بكلام جارح معتبرًا أنهم خرجوا عن العادات والتقاليد والأخلاق، كون بعض المجتمعات تعتبرها معيبة أو كما يعبر عنها بالانجليزية "taboo"، دون أي اعتبار لمشاعر الضحايا ومساوئ الكتمان والمشاكل النفسية التي يعانون منها بعد الصدمة.

ولأن الوقاية خير من قنطار علاج، فإن الحل يكمن في توعية الأطفال عن التحرش، وكيفية حماية أنفسهم، وعدم الخوف من التحدث معهم بشأن خطر قد يكون يحوم حولهم دون أن نعلم، تحت عنوان "ما بدي فتح عيونهم".


وفي هذا السياق تقول الأخصائية النفسيّة العيادية ريما كسر في حديث خاص لموقع "الديار" إن "الأخصائيّين النفسيّين ينصحون ببدء الحديث عن موضوع الوقاية من التّحرّش مع الطفل بمجرد أن يكون قادراً على الفهم، أي بعمر الثالثة تقريباً ويُفضّل أن يكون ذلك قبل دخوله إلى المدرسة والحياة الاجتماعية. وتتم التوعية من خلال الحديث عن الحفاظ على السّلامة الجسديّة والخصوصية ورسم الحدود مع الآخرين بدلاً من إخافتهم من الأذى الذي قد يتعرّضون له نتيجة التحرّش والذي قد يسبّب عائقاً في تعاملهم مع الآخرين. ويستَخدم مع الأطفال لغة بسيطة ومفهومة تتناسب مع سنّهم وقدرتهم على الفهم".

وتشير كسر الى أنه "في طبيعة الحال لا نستطيع استخدام المفردات واللغة ذاتها مع الأطفال والمراهقين في عملية التوعية ضد التحرش الجنسي وطريقة التوعية بحد ذاتها تختلف مع الفئتين. فمع الأطفال نستخدم الشرح المبسّط لأعضاء جسم الإنسان مع تحديد ما يمكن تسميته بالأجزاء الخاصة (Private Parts) حيث يقال للطفل إنّها الأجزاء التي يجب ألا يراها أو يلمسها أي شخص آخر، ويمكن مقارنتها باليد أو الكتف أو الرأس والتي يمكن لمسها ورؤيتها من قبل الآخرين.

يضاف إلى ذلك تعليم الطفل أنّ جسده ملكه هو فقط ومن حقه أن يستأذنه الأقرباء والغرباء قبل لمسه ومن حقه الرفض. ويُنصح بعدم إجبار الطفل على عناق الأقارب والأصدقاء ويجب تدريب الطفل على حقه في الاعتراض وقول "لا" في حال رفضه لموقف غير مريح له، وتأكيد أهميّة إبلاغ الكبار عن أي شيء يحدث وطمأنة الطفل أنه في أمان مهما قال، والحرص على تعليمه رفض دخول أي شخص معه الى الحمام، وإذا تعرّض لذلك عليه الرفض بقوة والصراخ، ورفض أن يقبل أحد أجزاء جسده أو الجلوس على ساق الغرباء أو الاختلاء به، وتعليمه الفرق بين اللمس الآمن من قبل أبويه واللمس المزعج الذي يمكن أن يتعرّض له، وأنّ عليه الصراخ للإبلاغ عن الشخص المتحرّش والابتعاد عنه.

أما مع المراهقين فنستطيع التكلم معهم بوضوح وبشكل تفصيلي عن عمليات التحرش وكيف تتم وكيفية العمل على تجنّبها وكيفية التصرف في حال مواجهة عملية محاولة تحرش ما، وذلك بالصراخ أو الهروب أو المقاومة والقوة وطلب المساعدة. فالمراهق أكثر قدرة من الأطفال على تمييز سلوك الآخرين تجاهه وفهمها والتصرّف تبعاً لما يستشعر به من وجود خطر أو عدمه. فالتوعية من التحرش عند المراهقين تكون أوضح وأشمل".

إن التحرش من أكبر الصدمات التي قد يتعرض لها الطفل ولذلك فإن المؤشرات تظهر عليه بسرعة وبشكل واضح، وعلينا كراشدين التنبه لها، والتي تشرحها كسر قائلة "هناك أعراض جسديّة وسلوكيّة تدلّ على احتمالية أنّ الطفل قد تعرّض للتحرّش، ومنها إظهار رفضه أو عدم رغبته وخوفه من البقاء في رعاية شخص بعينه، والتشبث بأبويه، وممارسته الصمت على غير عادته، وتهرّبه من ذكر تفاصيل الوقت الذي يمضيه مع أحدهم وقلقه وسرعة انفعاله، وزيادة شهيته للطعام أو فقدانها. بالإضافة إلى رجوعه لعادات قد كفّ عنها كالتبوّل اللا إرادي، ومص الإبهام، ورؤيته المتكررة للكوابيس وامتلاك مخاوف جديدة كالخوف من الظلام أو البقاء بمفرده، كذلك قد يميل لكثرة النوم أو يطغى الحزن على وجهه وسرعان ما يجهش بالبكاء حين السؤال عن السبب. أضف لذلك أنه قد يتم اكتشاف نقود لديه دون علم أبويه بمصدرها. وعادة ما يُظهر الطفل المُعتدى عليه شكلًا أكبر من الطاعة أو شكلًا أكبر من التمرّد، وتظهر عليه محاولات تجنّب التجرّد من الملابس لتغييرها أو الاستحمام، بل وربما يخشى أماكن محددة كالمراحيض، وقد يبدي معرفة بأمور تفوق إدراكه أو سنه، ويذكر كلمات ويقوم بتصرّفات جديدة عليه وغير لائقة تتضمّن ايحاءات تنمّ عن وعي ذاتي مفاجئ بأمور أو ألفاظ جنسيّة".

وفي حال التيقّن من أنّ الطّفل قد تعرّض للتحرّش، على الأهل سواء الأم أو الأب أو كليهما القيام ببعض الخطوات المهمة جدًا لجعل طفلهما يتخطى هذه الصمة، وهي:

- الإصغاء إلى كل ما يقوله الطفل وبهذا يبدّدون حالة الخوف والتوتر التي تعتريه وهو يروي ما حدث وقد يُخبر عن ذلك تدريجيّاً على مدار أيام فعليهم التحلّي بالصبر وعدم مقاطعته وتشجيعه على الكلام دون انفعال أو نحيب كي لا يلوم الطفل نفسه ويظن بأنه المذنب وفي حال أبدوا اهتياجاً وثورة فقد يغيّر الطفل قصّته أو يتراجع عنها.

- على الأهل إبلاغ الطفل بتفهمهم لما تعرّض له وعدم سؤاله لماذا لم يُخبر بالأمر في وقت مُبكر وإظهار الحب والدعم له وبأن المعتدي سيعاقَب وبأنهم سيقومون بحمايته.

- على صعيد آخر على الأهل إخبار الشّرطة أو الجهة المختصّة، وإذا كان المُعتدي يعمل بمكان يوجد فيه أطفال ينبغي تحذير الإدارة لحماية الأطفال الآخرين.

- كذلك يجب عرض الطفل لفحص طبّي للتّأكّد من سلامته الجسديّة ومن ثمّ عرضه على الاختصاصي النّفسي لمعالجة الأضرار النفسيّة للتحرّش.

وذلك لتنجب الآثار النّفسيّة للتحرّش عند الأطفال التي، كما توضح كسر، غالباً ما تكون أهمّها "الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والاكتئاب وفقدان الثقة بالذّات والآخرين والقلق والخوف والشعور بالذنب، وكل ذلك قد يستمر على المدى البعيد وقد ترافقه هذه الآثار طوال حياته في حال لم تعالَج. إضافة إلى ذلك فقد يصبح الضّحيّة سلبيّاً مستسلماً إلى حد أنه قد يتلذّذ باعتداء الآخرين عليه. كذلك قد يصاب بحالة (توحّد مع المُعتدي) فيُصبح مثله معتدياً وكأنّه ينتقم لنفسه من المجتمع. وقد تُصاب الطفلة الضّحيّة بالخوف المرضي من الرجال وحتى بعد زواجها تخاف من علاقتها العاطفية مع زوجها وقد تكره الرجال وتميل إلى بنات جنسها حيث تشعر بالأمان معهم. كذلك فإنّ الاعتداء الجنسي الكامل المتكرر على الطفل يجعله لاحقاً يميل جنسيّاً لأبناء جنسه".

لذا، فلنفرغ كؤوسنا مما ملأوها لنا أسلافنا من "عيب" و"لا يجوز التحدث عن هذه المواضيع"، ولنملأها بالقراءة والمعرفة والوعي.

ولنجعل العالم مكاناً أفضل لصغارنا…

الأكثر قراءة

بطة عرجاء لتسوية عرجاء