اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

- تونيا الخوري -


أصبح الناس في جميع أنحاء العالم أكثر وعيًا وإدراكًا ببصمتهم الكربونية وتأثيرهم البيئية، لا سيما في ضوء الاحترار العالمي والآثار المتفاقمة لأزمة المناخ.

وقد سُلّط الضوء على صناعة الأزياء، وبالأخص شركات الأزياء السريعة، لمساهمتها في تفاقم أزمة النفايات العالمية والتغير المناخي.

فما هي الموضة السريعة، وما تأثيرها على البيئة والمجتمع؟

تعريف الموضة السريعة

الموضة السريعة مصطلح معاصر يستخدم في تجارة التجزئة للأزياء للتعبير عن التصاميم التي تنتقل من منصة عرض الأزياء مباشرة لتواكب اتجاهات الموضة الحالية. وتعتمد مجموعات أزيائها على أحدث صيحات الموضة المعروضة في أسبوع الموضة في كل من موسمي الربيع والخريف من كل عام، وتركّز على تحسين جوانب معينة من توريد هذه الصيحات بحيث يتم تصميمها وتصنيعها بسرعة وبتكلفة زهيدة تسمح للمستهلك العادي بشراء آخر صيحات الموضة بأقل سعر.

وقد تمت صياغة المصطلح في أوائل التسعينيات عندما افتتحت "زارا" أول متجر لها في الولايات المتحدة في مدينة نيويورك، حين استخدمت صحيفة نيويورك تايمز «الموضة السريعة» لوصف مهمة "زارا" بسعيها أن يستغرق انتقال الثوب من مرحلة التصميم إلى البيع في المتاجر بمدة 15 يومًا فقط.

وظهرت الموضة السريعة بشكل خاص في صيحة الـ"بوهو شيك" في منتصف عقد الألفين، وقد أحدثت تغييرات أساسية في صناعة النسيج، فعلى سبيل المثال، في يومنا هذا، يتم بيع 56 حوالي مليون طنٍ من الملابس سنويًا في جميع أنحاء العالم.

وتعتبر "إتش آند إم"، "زارا"، "بيكوكس"، "بريمارك"، "إكسيل براندس" و"توب شوب" من أهم العلامات في صناعة "الأزياء السريعة".

تأثير الموضة السريعة على البيئة

على الصعيد العالمي، يتم إنتاج ما يقدّر بنحو 92 مليون طنٍ من نفايات المنسوجات كل عام ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 134 مليون طنٍ سنويًا بحلول عام 2030.

لكن نفايات المنسوجات ليست التأثير البيئي الوحيد لصناعة الأزياء. فتلبية زيادة الطلب على الملابس، وخاصة إنتاج الألياف الاصطناعية، يتطلّب كميات هائلة من الطاقة.

فوفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) وتحليل أجرته Business Insider، يشكل إنتاج الأزياء 10% من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، أي ما يعادل تلك التي يخلّفها الاتحاد الأوروبي وما يزيد عن قطاعي الطيران والشحن مجتمعين.

ويسبب هذا القطاع أيضًا جفاف مصادر المياه وتلوث الأنهار والجداول، بينما يذهب 85% من جميع المنسوجات إلى مكبات النفايات كل عام. حتى أن غسل الملابس يطلق 500000 طن من الألياف الدقيقة في المحيط كل عام، أي ما يعادل 50 مليار زجاجة بلاستيكية.

ووجد تقرير أجرته Quantis International عام 2018، أن العوامل الرئيسية الثلاث لتأثيرات التلوث العالمي الناتجة عن صناعة الأزياء هي الصباغة والتشطيب (36%) وإعداد الغزل (28%) وإنتاج الألياف (15%)

كما أكّد التقرير أن إنتاج الألياف له التأثير الأكبر على سحب المياه العذبة (تحويلها أو سحبها من مصدر للمياه السطحية أو المياه الجوفية) وعلى نوعية النظام البيئي بسبب زراعة القطن، في حين أن مراحل الصباغة والتشطيب وإعداد الغزل وإنتاج الألياف هي العوامل الأبرز لاستنفاد الموارد، بسبب العمليات الكثيفة الاستهلاك للطاقة القائمة على طاقة الوقود الأحفوري.

ووفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، من المتوقع أن ترتفع الانبعاثات الكربونية من تصنيع المنسوجات وحدها بنسبة 60٪ بحلول عام 2030. فإنتاج المنسوجات من الألياف البلاستيكية يتطلب طاقة كبيرة، وهو بحاجة إلى كميات هائلة من البترول. أضف إلى ذلك أن تصنيع القطن، الموجود في غالبية منتجات الأزياء السريعة، ليس صديقًا للبيئة. وتشكّل مبيدات الآفات التي تعتبر ضرورية لنموه خطرًا صحيًا على المزارعين.

تأثير الموضة السريعة على المجتمع

فضلاً عن تأثيرها البيئي، تطرح صناعة الأزياء السريعة مشاكل إجتماعية أيضًا، لا سيما في الاقتصادات النامية.

ووفقًا لـمنظمة Remake غير الربحية، فإن 80٪ من الملابس تصنعها شابات تتراوح أعمارهن بين 18 و 24 عامًا.

ووجد تقرير وزارة العمل الأمريكية لعام 2018 أدلة على العمل القسري وعمل الأطفال في صناعة الأزياء في الأرجنتين وبنغلاديش والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والفليبين وتركيا وفيتنام وغيرها.

وغالبًا ما تعطي خطوط الإنتاج للأزياء السريعة الأولوية للأرباح على رفاهية الأفراد المعنيين. وغالبًا ما يلاقي أخصائيو تصنيع الملابس أجورًا غير كافية و يجبرون على العمل في مواقع تكون فيها معايير السلامة منخفضة، مما يزيد من تفاقم المخاطر المرتبطة بعملهم. ففي عام 2013 ، انهار مصنع من ثمانية طوابق يضم العديد من مصانع الملابس في دكا، بنغلاديش، مما أسفر عن مقتل 1134 عاملاً وإصابة أكثر من 2500 آخرين.

ويتعرض العديد من موظفي القطاع، وغالبهم من النساء، للعديد من المواد الكيميائية المستخدمة في عملية التصنيع، بما في ذلك المواد المضافة التي وجد أنها تحتوي على الزرنيخ والكروم والزنك. ويمكن أن يؤدي استنشاق الغبار الناتج عنها إلى أعراض مشابهة للربو والالتهاب الرئوي، والتي غالبًا ما يعاني منها المدخنون.

وللأسف، لا تقتصر ظروف العمل الصعبة على المخاطر الصحية فقط. فالإصابات شائعة أيضًا، حيث كشفت دراسة من إثيوبيا أن حوالي 40٪ من عمال قطاع الأزياء قد يواجهون إصابة جسدية واحدة على الأقل مرتبطة بالعمل سنويًا، وغالبًا ما تكون ناتجة عن تلف الآلات التي يمكن أن تؤذي العينين أو اليدين.

الحل؟

على ضوء ما ذكر سابقًا، يبقى السؤل: كيف يمكننا أن نساهم في التخلص من هذه الظاهرة أو على الأقل الحدّ منها؟

قد يعتقد الكثير من الناس أن حل مشاكل الموضة السريعة هو ببساطة تجنب شراء الملابس المصنوعة بهذه الطريقة، إلأ أن هذا ليس حلاً مجديًا للجميع. فهناك أشخاص لا يستطيعون دفع المزيد مقابل ملابسهم. ومع ذلك، يجب علينا جميعًا أن نحاول التسوق باعتدال وأن نراعي استهلاكنا.

والأهم من ذلك هو الحاجة إلى التدقيق في أي علامة تجارية تدعي أنها صديقة للبيئة وطلب الشفافية في عمليات التصنيع الخاصة بها. فيجب على المستهلكين الضغط على هذه العلامات التجارية لتوضيح كيفية تصنيع ملابسهم. إذ إن العديد من العلامات التجارية تدّعي أنها تدعم البيئة وتوفر ظروف عمل عادلة لموظفيها، لكن هذه المطالبات قد تنطبق فعليًا فقط على مقر البيع بالتجزئة. فخطوط الإنتاج والنقل الفعلية، التي هي أصل المشكلة، قد لا تزال تسهم في إهدار مصادر الطاقة، وزيادة التلوث، وتعريض حياة العمال للخطر.

وأخيرًا، يعتقد المشرفون على عمليات إنتاج الأزياء السريعة أنه في حين أن مفهوم الموضة المستدامة رائع للمستهلكين، إلا أن هناك حاجة ملحة لإعادة هيكلة عمليات الإنتاج لمنع الكوارث التي تحدث خلف الكواليس، والتي يمكن أن تضر بملايين الأشخاص. فمفتاح السعي لتحقيق الاستدامة كمستهلك هو التوازن. لذلك:

ـ اشتر ملابس أقل: بغض النظر عما إذا كانت أغلب ملابسك من متاجر الأزياء السّريعة أو الماركات التّجارية المستدامة، فمن الأقل إهدارًا من الناحيتين البيئية والمالية ارتداء القطع التي تمتلكها بدلاً من شراء قطع إضافية فقط لأنّك ترغب في ذلك.

ـ استهلك الموضة السريعة بمسؤولية: إذا لم تكن هناك أي متاجر لبيع الملابس المستعملة في منطقتك أو إذا كانت العلامات التجارية الصديقة للبيئة خارج نطاق ميزانيتك، يمكنك استهلاك الأزياء السّريعة باعتدال. عند التسوق، حاول مقاومة الرّغبة في شراء شيء ما لمجرد أنه رخيص أو عليه تخفيض. بدلاً من ذلك، قبل شراء قطعة ما، فكّر ما إن كنت حقًّا تحتاجها.

ـ اختر الألياف الطبيعية إن أمكن ذلك: بغض النّظر عما إذا كانت مشترياتك من ماركات الموضة السريعة أم لا، فإنّ اختيار ملابس تتكون بشكل أساسي أو بالكامل من الألياف الطبيعية مثل القطن أو الكتّان أو الصوف أو الحرير دائمًا ما تكون فكرة جيدة. تعتبر المواد الطبيعية أكثر أمانًا للبيئة من المواد الاصطناعية مثل البوليستر والنايلون المشتقة من البلاستيك التي وتستغرق مئات السنين لتتحلل بالكامل.

ـ تجنب التخلص من الملابس إلاّ إذا كانت غير صالحة للاستخدام تمامًا: يعدّ التبرّع بالقطع غير المرغوب فيها أو بيعها على الإنترنت أو منحها للأصدقاء أو الأقارب بدائلاً ممتازة لمكبّ النفايات.

- كرر ملابسك: تساهم وسائل التّواصل الاجتماعي وثقافة المؤثرين في بناء عقليّة تدعم سلوك عدم تكرار الإطلالات ـ كلّ مناسبة تتطلب زيًا جديدًا. وهذه الفكرة لا صلة لها بالواقع؛ من المفترض أن يتم ارتداء الملابس عالية الجودة موسمًا بعد موسم. من خلال القيام بذلك، يمكنك الحفاظ على الموارد البيئية والماليّة. 

الأكثر قراءة

جنبلاط لـ "الثنائي الشيعي" ": جيبوا باسيل وخذوا فرنجية"... رئاسة بري لجلسات الحوار خط أحمر ... الرئاسة بعيدة ... وصيف ساخن ومفتوح