في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، 8 كانون أول الفائت، أعلنت تل أبيب عن ان اتفاقية «فك الاشتباك»، الموقعة مع دمشق عام 1974، قد باتت «منتهية الصلاحية بعدما سقط النظام الذي وقع تلك الاتفاقية». كان ذلك مقدمة لاجتياح بري لما كان يسمى بـ«المنطقة العازلة»، التي أقرتها تلك الاتفاقية، وصولا إلى احتلال جبل الشيخ، وآخر التقارير الميدانية كانت قد رصدت تقدما للجيش الإسرائيلي باتجاه مدينة قطنا وفقا لمقاطع كان قد نشرها أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم هذا الأخير، شهر حزيران الماضي، كما أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان له، يوم 12 كانون أول المنصرم، عن إن «سلاح الجو قام بتنفيذ أكثر من 500 غارة على مواقع الجيش السوري السابق»، وإن تلك الغارات نجحت في «تدمير 90 % من منظومة الدفاع الجوي»، إضافة الى تدمير «طائرات وسفن حربية ومستودعات أسلحة وذخائر»، ليختم البيان بالقول إن «90 % من قدرات الجيش السوري السابق قد أصبحت خارج الخدمة، لكن سلاح الجو الإسرائيلي سيظل على أهبة الإستعداد لمواجهة أي تهديد أمني يمكن أن يستهدف الأمن القومي لإسرائيل»، والشاهد هو أن سلسلة الغارات الإسرائيلية لم تتوقف على الأراضي السورية بعيد بيان الجيش الإسرائيلي آنف الذكر، بل هي استمرت بزخم متصاعد، لكن ما تغير هو طبيعتها التي راحت تأخذ منحيين اثنين، أولاهما ملاحقة التمدد التركي الذي تمظهر في محاولات أنقرة إنشاء قواعد عسكرية لها في مناطق مثل قاعدة «التيفور» شرقي حمص، ومطار حماة، واللواء 107 في منطقة زاما بريف جبلة، و «المينا البيضا» على بعد 2 كم من مدينة اللاذقية، وفي رأس البسيط عند الحدود السورية التركية، وفي كل الحالات السابقة كان سلاح الجو الإسرائيلي يستهدف مباشرة، وبسرعة قصوى، تلك المواقع التي كان يصلها الأتراك، بل إن مصادر محلية كانت قد ذكرت إن «احتكاكا جويا تركيا اسرائيليا كان قد جرى مساء 24 تموز على الحدود التركية»، وإن «هذا الأخير جرى بعد نحو ساعتين فقط من توغل تركي داخل الأراضي السورية»، وأضافت تلك المصادر في حينها أن جزءا من القوات المتوغلة كانت قد أرسلت شاحنتي عتاد إلى قاعدة «شنشار» بريف حمص التي جرى استهدافها قبيل أن تصل إليها الشاحنتين، وثانيهما إرساء معادلة في الجنوب السوري تقوم على إبقائه منطقة منزوعة السلاح، وفيما بعد سوف تتطور تلك المعادلة لتشمل إعلان الحماية الإسرائيلية للأقلية الدرزية التي أضحت واقعا ملموسا منذ 14 تموز، الذي شهد قصف الطيران الإسرائيلي لأرتال «الأمن العام» في داخل السويداء وفي محيطها، وصولا إلى استهداف مبنيي الأركان والدفاع السوريين يوم 16 تموز، والجدير ذكره في هذا السياق هو إن تلك الضربات، والإنفجارات التي تسببت بها كانت واضحة، وغالبا ما يقوم الجيش الإسرائيلي بالإعلان عنها، باستثناء قليل منها على نحو ما حدث أواخر شهر حزيران، الذي شهد استهداف منطقة المزة، وقد ذكر موقع «I24» العبري في حينها إن المستهدف هو حسين السلامة، رئيس جهاز الإستخبارات السوري، من دون إعلان رسمي اسرائيلي عن ذلك.
في مقلب آخر شهدت مناطق دمشق وأرياف إدلب وحلب خلال شهري تموز المنصرم وآب الجاري عددا من الانفجارات التي بقيت مجهولة الأسباب، واللافت هو أن المصادر الحكومية غالبا ما كانت تقول إن سببها يعود لـ«سوء تخزين»، أو «ارتفاع درجات الحرارة» اللذين أديا إلى انفجارات في تلك المواقع التي تحوي مخازن للأسلحة، لكن ثمة اعتبارات عديدة كانت تشير الى أن «وراء الأكمة ما وراءها»، فعلى سبيل المثال وقعت يوم 2 تموز الفائت ثلاثة انفجارات، اثنان في الفوعة وكفريا بريف إدلب والثالث في ريف حماة، في حوادث منفصلة، لكن الرابط فيما بينها هو أن المناطق المستهدفة كانت تضم معسكرات لمقاتلين أجانب، وقد ذكر ناشطون على صفحاتهم أنهم شاهدوا، بعد وقوع الانفجارات، هروبا «لعشرات المقاتلين الأجانب من تلك المعسكرات»، في حين أن الناطق العسكري السوري كان قد نفى «أي وجود لمقاتلين أجانب في تلك المواقع»، بالرغم من أن العديد من الصفحات كانت تنشر لمقاطع يظهر فيها مقاتلون من «الحزب التركستاني» أو «الإيغور» وهم يستجمون في «مسبح المنار» الواقع في محيط بلدتي كفريا والفوعة، وفي 24 و25 تموز حدثت انفجارات واسعة أيضا في كفريا والفوعة وتوسعت إلى معرة مصرين هذه المرة، وقد أفاد «تلفزيون سوريا» الرسمي بأن تلك الانفجارات ناجمة عن «مخلفات حرب وذخائر كانت موجودة في الموقع، لكن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» كان قد أكد، في تقرير له نشر في أعقاب الانفجارات مباشرة، وجود» تحليق لطيران مجهول الهوية لحظة وقوع الانفجارات»، كما أكد «المرصد» إن «أرياف إدلب وحلب شهدت 5 انفجارات خلال شهر تموز وحده»، وأضاف إن «السلطة لا تصرح عن الأسباب الحقيقية لتلك الانفجارات»، بل غالبا ما «تتضارب تصريحاتها حولها»، والشاهد هو إن ناطقا عسكريا للجيش السوري كان قد رد على سؤال للـ«التايمز» البريطانية يتعلق بأسباب الانفجار الذي حصل يوم 7 تموز بإن ذلك حدث «جراء تأثير حرارة الصيف في المخزون المؤلف من ذخائر غير منفجرة جمعت قبل ذلك من أجل اتلافها»، فيما تلاه تصريح لناطق آخر بعد أقل من 24 ساعة على هذا الأخير قال فيه إن «أسباب الانفجارات لا تزال قيد التحقيق».
الراجح هنا أن هذه الانفجارات لها علاقة بـ «لمقاتلين الأجانب»، وإذا ما صح ذلك، والكثير من المؤشرات تشير إليه، فإن تلك الانفجارات كانت ناتجة من استهداف «التحالف الدولي» لتلك المواقع، سواء أكان ذلك بعلم السلطات السورية أم من دون علمها، لكن النتائج التي جاءت بها تلك الانفجارات/ الاستهدافات تؤكد، عبر سقوط العشرات من القتلى والمئات من الجرحى، على إن المقاتلين في تلك المعسكرات لم يكونوا على علم مسبق بتلك الضربات، بل ولم تصدر إليهم أوامر بإخلائها بعد استهدافها، بدليل تكرار الفعل في الفوعة وكفريا وسقوط قتلى في كلتا المرتين.
يتشارك انفجارا، إدلب ودمشق الحاصلين يومي 13 و 15 من الجاري، في تقديم نموذج ثان للغموض لكنه يختلف في طبيعته عن النموذج الأول، فكلتا المنطقتين المستهدفتين في ذينك الانفجارين هي سكنية ما يحيل الأمر إلى سببين لا ثالث لهما، الأول أن يكون كلا الانفجارين قد جاءا في سياق استغلال تنظيم ما مثل «تنظيم الدولة الإسلامية»، أو أي تنظيم آخر، للفراغات الأمنية الحاصلة بشدة ما بعد أحداث السويداء وما تبعها، والثاني أن يكونا في إطار هو أشبه بـ «تبادل الرسائل» ما بين مراكز القوى التي تقوم عليها السلطة نفسها، وما يعزز هذه الاحتمالات هو طريقة التعاطي الرسمي مع تلك الانفجارات، ففي أعقاب إعلان وكالة «سانا» الرسمية عن «انفجار بحي المزة»، مساء السبت الفائت، والذي قالت إنه «ناجم عن عبوة ناسفة بسيارة قديمة»، خرج العميد أسامة محمد خير عاتكة، مدير الأمن الداخلي لمدينة دمشق، ليضيف أن «الانفجار ناجم عن عبوة ناسفة كانت مزروعة داخل سيارة قديمة، مركونة منذ فترة طويلة»، والمؤكد هو أن التصريح يحمل في طياته محاولة للتمويه على شيء ما، إذ لا يعقل لسيارة قديمة أن تبقى مركونة لفترة طويلة في منطقة أمنية تعتبر الأشد حساسية بالنسبة لدمشق، وللنظام القائم فيها.
يتم قراءة الآن
-
القنبلة التوراتيّة بدل القنبلة النوويّة
-
القاضي شعيتو يواجه الكبار: الأموال تعود الى لبنان خلال شهرين وإلاّ الملاحقة...
-
لاريجاني في بيروت وبغداد: لا تسوية على حساب المقاومة ومخططات نتنياهو لن تمرّ
-
لبنان الرسمي للثنائي براك ــ اورتاغوس: الكرة في ملعب «اسرائيل» مصير «اليونيفل» يتحدد خلال أيام الشارع «الاسرائيلي» يضغط على نتنياهو لانهاء حرب غزة
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
22:54
وسائل إعلام إسرائيلية: متظاهرون يضرمون النار قرب مقر حزب الليكود الحاكم في تل أبيب
-
22:01
هيئة البث الإسرائيلية: إسرائيل أبلغت الوسطاء أن يعيدوا حماس للتفاوض وإلا فإن أول مراحل احتلال غزة ستبدأ قريباً
-
21:11
منتخب أستراليا بطلا لكأس آسيا في كرة السلة للمرة الثالثة على التوالي بعد فوزه على منتخب الصين بنتيجة 90-89
-
20:33
الأمن الداخلي في حلب: انفجار حزام ناسف كان يرتديه شخص مجهول ما أدّى إلى مقتله
-
20:11
نهائي بطولة كأس آسيا لكرة السلة: انتهاء الجزء الأول بتقدم منتخب الصين على منتخب أستراليا بنتيجة 46-42
-
20:10
إعلام سوري: دوي انفجار في حلب والسبب غير واضح حتى الآن
