اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


جاء خطاب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في مناسبة أربعينية الإمام الحسين، ضمن سياق داخلي وإقليمي بالغ الحساسية، حيث تتشابك التحديات الوطنية مع التحولات الاستراتيجية في المنطقة.

فالكلمة لم تكن مجرّد إطلالة دينية أو وجدانية، بل حملت أبعادًا سياسية واضحة، ورسائل موجّهة إلى خصوم الداخل واعداء الخارج، تزامنًا مع القرار الحكومي بحصر السلاح بيد الدولة، ومع تصاعد الضغوط الأميركية على "المقاومة".
هكذا تحولت المناسبة الدينية، التي تُعدّ من أبرز المحطات التعبوية في الروزنامة الشيعية، إلى منصة لعرض مواقف سياسية متقدمة، وتثبيت خطوط حمراء على صعيد المعادلة الداخلية، لا سيما تلك المتعلقة بمكانة حزب الله اللبنانية.
وبينما اختار قاسم لغة متماسكة جمعت بين الهدوء والانضباط والرسائل الصلبة، بدا واضحًا أن الحزب يستعد لمرحلة جديدة من المواجهة السياسية، عنوانها: حماية "شرعية المقاومة" من محاولات العزل أو الإضعاف تحت شعار "بسط سلطة الدولة".
من هنا، لا يمكن فصل الخطاب، بتوقيته ومضمونه، عن التوتر الإقليمي المتصاعد، أو في ظل التبدلات الجارية في التحالفات الإقليمية. فما قاله الشيخ قاسم شكّل نقطة انطلاق لتحليل أوسع لموقف حزب الله من التطورات الراهنة، ولرسم ملامح تموضعه المستقبلي وسط المتغيرات الداخلية والدولية المتسارعة.
مصادر سياسية متابعة، وفي معرض تحليلها، وصفت الخطاب بالأقوى والاعلى سقفا، منذ انتهاء حرب الـ 66 يوماً، معيدة الامر الى عدة أسباب، أبرزها: زيارة لاريجاني وما حملته من رسائل سياسية، نجاح الحزب في انجاز جزء كبير من ترميم قوته وفقا لاستراتيجيته الجديدة، بعد استخلاصه العبر، تفادي القراءات الخارجية التي قد تفسر مواقفه السابقة على أنها ضعف، الاعتبارات الداخلية الاستباقية، المرتبطة بتجنب التوترات أو المواجهات الداخلية، بما فيها زج الجيش في مواجهة مع المقاومة.

استنادا الى ما تقدم توقفت المصادر عند النقاط الاتية:
- أولاً: تثبيت المعادلة الدفاعية في مواجهة مشروع "الحصر"، اذ أعاد الشيخ قاسم تأكيد "المعادلة الثلاثية" (الجيش والشعب والمقاومة) كمظلة استراتيجية لحماية لبنان، نافيًا أي شرعية لمحاولات نزع سلاح الحزب. فقراءته للقرار الحكومي جاءت من زاوية اعتبار أن سلاح المقاومة ليس ملفًا داخليًا صرفًا، بل بند يتصل بتوازنات الصراع الإقليمي والدولي، وبالتالي فإن أي محاولة لتفكيكه تُفهم داخل الحزب كجزء من مشروع أميركي - إسرائيلي لضرب البنية الردعية في لبنان.

-ثانيًا: التصعيد المبطّن مقابل التهدئة الشكلية،
فرغم حدّة الموقف الضمني من القرار الحكومي، تجنّب قاسم التصعيد العلني أو استخدام لغة تهديد مباشرة تجاه الدولة. هذا الخيار الخطابي يدلّ على مقاربته التكتيكية، وعنوانها، محاولة احتواء القرار سياسيًا وإعلاميًا، مع تحضير بيئة داخلية قابلة للرفض الميداني إذا تطورت الأمور. وهنا، يبرز التمسك بـ "المشروعية الشعبية" كعنصر حماية أساسي، مذكّرًا بشرعيته النابعة من "المقاومة والانتصارات".

-ثالثًا: رسائل موجهة إلى إسرائيل والغرب، معيدا
التشديد على قدرات المقاومة، وإعلان أن "السلاح هو الضامن"، موصلا رسالة ردع إلى إسرائيل بأن أي خطط لفرض أمر واقع في الجنوب، كما يحدث في بعض المواقع الحدودية، لن تمر. كما كانت رسالته موجهة إلى الولايات المتحدة التي تدفع باتجاه إعادة هيكلة المشهد الأمني اللبناني وفق معايير "الدولة القوية"، في محاولة لعزل المقاومة سياسيًا ونزع غطاءها.

-رابعًا: قراءة إقليمية للصراع على السلاح،
ففي نهاية الخطاب، شدد قاسم على أنّ "المقاومة بلغت ذروة القوة"، ملوّحًا بما يمكن تفسيره كجاهزية لأي مواجهة إقليمية، ليس فقط مع إسرائيل، بل أيضًا مع أي قوى محلية أو دولية تسعى لفرض تسوية أمنية على الحزب. وهنا، يتلاقى موقفه مع مواقف طهران التي اعتبرت أن الحديث عن نزع سلاح الحزب يُعيد التوتر إلى لبنان، وقد يؤدي إلى تفجير المشهد.
في المحصلة، شكّل خطاب الشيخ نعيم، أكثر من مجرد موقف ظرفي أو رد فعل على التطورات السياسية اللبنانية، اذ جاء كجزء من خارطة طريق واضحة يعتمدها حزب الله في التعامل مع المرحلة المقبلة، خصوصًا في ظل محاولات إعادة رسم التوازنات الداخلية عبر طرح ملف السلاح على طاولة الدولة.
فالرسائل التي حملها الخطاب، سواء لخصوم الداخل أو لحلفاء الخارج، تعبّر عن تمسّك الحزب بثوابته، واستعداده للدفاع عن معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" كجزء من منظومته الاستراتيجية. في المقابل، فإن استمرار التصعيد السياسي من قبل بعض الأطراف قد يدفع بالمشهد اللبناني نحو مزيد من التوتر، ما لم يُفتح الباب أمام حوار جدّي يُراعي الوقائع الداخلية والتوازنات الإقليمية.
فالخطاب في جوهره، وثيقة تموضع استراتيجي جديدة، حيث يجهّز الحزب أدوات الضغط الميداني في حال تطور الموقف.
وعليه، تبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت البلاد ستتجه نحو تسوية تحفظ الاستقرار، أم إلى صدام مفتوح العناوين، تبدأ بالخطاب ولا يُعرف أين تنتهي على الأرض.

 

الأكثر قراءة

لبنان الرسمي للثنائي براك ــ اورتاغوس: الكرة في ملعب «اسرائيل» مصير «اليونيفل» يتحدد خلال أيام الشارع «الاسرائيلي» يضغط على نتنياهو لانهاء حرب غزة