اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

- تونيا الخوري -

شاركت النساء في كل من رياضات الهواة والمحترفين في جميع أنحاء العالم لعدة قرون. وازدادت شعبية مشاركة المرأة في الألعاب الرياضية بشكلٍ كبير في ربع القرن الماضي، مما يعكس التغيرات في المجتمعات الحديثة التي تعزز المساواة بين الجنسين.

فمنذ بداية الرياضة المنظمة الحديثة، تناضل النساء من أجل المساواة في الحقوق في الرياضة، من المطالبة بالمساواة في الأجور إلى مجرد القدرة على المشاركة. وأصبحت الرياضة النسائية الآن مقبولة بشكل عام على مستوى العالم.

وعلى الرغم من زيادة مشاركة المرأة في الألعاب الرياضية، لا تزال هناك فجوة كبيرة في معدلات المشاركة بين الرجل والمرأة. وهذه الفوارق سائدة في جميع أنحاء العالم وتشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق المساواة بين الجنسين في الألعاب الرياضية. فلا تزال المؤسسات والبرامج المحافظة تفشل في تعزيز دور المرأة في الرياضة.

وتواجه النساء اللواتي يمارسن الرياضة العديد من العقبات اليوم، مثل الأجور المنخفضة، وقلة التغطية الإعلامية، والإصابات المختلفة مقارنة بنظرائهن من الذكور... وشاركت العديد من الرياضيات في احتجاجات سلمية مثل إقامة الإضرابات، والحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى الدعاوى القضائية الفيدرالية، لمعالجة أوجه عدم المساواة هذه.

1- الأجور المنخفضة

شهد كأس العالم الماضي أوضح الأمثلة على التفاوت في "التقدير النقدي" لرياضة النساء بعد تخصيص 30 مليون دولار كجوائر لبطولة كأس العالم للنساء مقارنةً بـ400 مليون دولار لمونديال الرجال.

وفي 2019 نال منتخب السيدات الأميركي 4 ملايين دولار مكافأة للاعباته على حصد اللقب، رغم أنه قبلها بعامٍ واحد أنفق على فريق الرجال 38 مليون دولار، رغم فشله في التأهل للمونديال، وهو ما رسّخ حقيقة الظلم المالي الذي عانته اللاعبات الأميركيات رغم فوزهن بأربعة ألقاب كأس عالم، بينما لم يحقق فريق الرجال أكثر من المركز الثالث عام 1930.

هذا الأمر دفع لاعبات الكرة الأميركيات لرفع دعوى قضائية ضد اتحاد الكرة، متهمات إياه بالتمييز بين الجنسين. وبعد ست سنوات من الجدال القضائي، انتهى الأمر بانتصار تاريخي للنساء وإجبار اتحاد الكرة على توقيع اتفاقات لدفع أجور مساوية للرجال والنساء في جميع المسابقات.

في عام 2015 بلغ الاعتراض ذروته بلاعبة الإسكواش الهندية ديبيكا باليكال، حين أعلنت رفضها المشاركة في بطولة العالم بسبب رفض الاتحاد الدولي تقديم جوائز متساوية للجنسين في بطولاته. لتصبح واحدة من أكبر مظاهر "الاعتراض السلبي" على تلك الظاهرة المستشرية في أغلب الرياضات.

أيضاً في التنس، ورغم أن البطولات الأربعة الكبرى تدفع جوائز متساوية القيمة في بطولات الرجال والنساء، لا تزال الفجوة في إجمالي الأجور بين لاعبي التنس كبيرة. ففي 2020 احتل لاعب التنس السويسري روجيه فيدرر قائمة اللاعبين الأعلى أجراً في العالم بعدما حقق 106.3 مليون دولار، وفي العام نفسه، نالت لاعبة التنس اليابانية نعومي أوساكا صدارة الرياضات الأعلى أجراً رغم أنها لم تحقق إلا 37.4 مليون دولار.

والتمييز المالي لا يزال موجوداً في بطولات التنس الأخرى، وهو ما دفع اللاعب الكندي دينيس شابوفالوف للإدلاء بتصريحات تنتقد هذه الظاهرة قائلاً: "لا أفهم كيف يفوز الرجل بمباراة ويحصل على 25 ألف دولار، وحينما تفوز امرأة بالمباراة نفسها وعلى الملعب نفسه تحصل على ألف دولار فقط؟!".

وبحسب دراسة نُشرت عام 2023، فإن أغلب الرياضات الشعبية في المملكة المتحدة تعاني من تفاوت مزمن في الأجور. بينما يُمكن للاعب رياضة الركبي أن يكسب 800 ألف جنيه إسترليني سنويًا فإن الحد الأقصى لميزانية إجمالي فريق النساء لا يتجاوز 190 ألف جنيه إسترليني توزّع على 50 لاعبة.

وبينما يُمكن أن يصل راتب لاعب كرة القدم في دوري الدرجة الأولى 2.8 مليون جنيه إسترليني، فإن اللاعبات في الدوري الممتاز (Women's Super League) لا يزيد متوسط رواتبهن عن 30 ألف جنيه إسترليني، رغم تحقيق منتخب إنكلترا للسيدات نتائج لافتة، أهمها فوزه ببطولة اليورو عام 2022، وهي البطولة التي لم يتجاوز فيها منتخب الرجال نصف النهائي منذ عام 1996.

وبحسب الدراسة، فإن اللاعبات الإنكليزيات تلقين 1.3 مليون جنيه إسترليني مكافأة فيما كان سيحصل منتخب الرجال على 9.5 مليون جنيه إسترليني لو فاز بالبطولة نفسها.

من الأمثلة الأخرى، حصول نجمة منتخب إنكلترا لكرة القدم، ليا ويليامسون، على راتب سنوي قدره 200 ألف جنيه إسترليني في موسم 22-2021، وفي الوقت نفسه كان هاري كين، مهاجم توتنهام يكسب المبلغ نفسه في أسبوع.

مثل هذه الحقائق أكدتها قائمة "فوربس" لأعلى الرياضيين أجراً عام 2021، التي خلت من أي اسم لامرأة.

ورغم الاحتجاجات النسوية المتتالية عليها والوعود المتكررة من المسؤولين في الاتحادات الرياضية بالعمل على إصلاح الأمر، إلا أن "فجوة الأجور" حاضرة حتى اليوم.

2- التغطية التسويقية والإعلامية الخجولة

الحجة الأساسية التي يعتمد عليها المدافعون عن فجوة الأجور، أن رياضات الرجال تجلب رعاة أكثر، بالتالي فإنهم يجنون أموالاً أكثر من النساء، لذلك يكون من حقهم نصيب أكبر من الثروة.

وبينما بلغ متوسط حضور مباريات كرة القدم في الدوري الإنكليزي للرجال 40 ألف متفرج، لم يزد متوسط حاضري مباريات النساء عن 6 آلاف مشهد، وفي حين لا تقل تذكرة مباراة واحدة في دوري الرجال عن 65 جنيه إسترليني، يُمكن تدبير تذكرة في مباراة نسائية بـ9 جنيهات إسترليني فقط.

أيضاً يبلغ متوسط حضور مباريات الدوري الأميركي للنساء قرابة 5 آلاف فرد، بينما لا تقل مباريات الذكور عن 21.5 ألف مشجع في المتوسط.

كما أن الدوري الممتاز أمّن عقود رعاية بقرابة 10 مليارات جنيه إسترليني في بريطانيا، لكن بث مباريات النساء قاربت 8 ملايين جنيه إسترليني فقط.

وبحسب أنيا ألفارز، لاعبة الغولف الأميركية والكاتبة الرياضية في صحيفة "الغارديان" البريطانية، فإن الرياضات النسائية "تحقق عوائد أقل لأن الاتحادات تنفق مبالغ أقل على خطط تسويقها مقارنةً بالرجال".

ورغم الضعف التسويقي فإن الرياضات النسائية شهدت لحظات كثيرة حظيت فيها بنسب مشاهدات وإقبال عالية بعدما ناصَر 77 ألف متفرج منتخب سيدات إنجلترا خلال انتصارهن على ألمانيا في ويمبلي، وحظي نهائي بطولة الولايات المتحدة في 2021 بين اللاعبتين إيما راداكانو وليلي آني فرنانديز بنسبة مشاهدة ضخمة تجاوزت 7 ملايين فرد.

وفي عام 2015 شاهد 25 مليون شخصٍ في أميركا منتخب بلادهم للسيدات وهو يتغلب على نظيره الياباني في نهائي كأس العالم.

وقد يكون السبب الرئيس لتفضيل الرجال على النساء هو هيمنتهم على أغلب المراكز القيادية بالاتحادات الدولية، ففي عام 2020 اقتصرت نسبة النساء العضوات في اللجنة الأولمبية الدولية على 38%.

وتلعب وسائل الإعلام، أيضًا، دورًا رئيسًا في إدامة هذه التفاوتات، وغالبًا ما تعطي تغطية غير كافية للأحداث الرياضية النسائية مقارنة بنظيراتها من الرجال. فإبراز الرياضة النسائية بشكلٍ أكبر لديه القدرة على إلهام الأجيال الآتية لممارسة هذه الرياضة. ويعد الحضور المرتفع في مباريات الدوري الممتاز للسيدات (WSL)، حيث يفوق عدد الأندية مثل Arsenal Women عدد حضور فرق الرجال، دليلاً على الاهتمام المتزايد والتزام المشجعين. وتلعب هذه الرؤية دورًا أساسيًا في شعبية هذه الرياضات.

ويؤكد جوليان جابرت، مدير مركز أبحاث الرياضة والمواطنة في الاتحاد الأوروبي، أن "هناك تفاوتات كبيرة بين بث الرياضة النسائية ورياضة الرجال، على الرغم من أن الدراسات تظهر أن المشاهدين مهتمون وأنه عندما تبث القنوات أخيرًا وتتحمل هذه المخاطر المالية وأيضًا من حيث التقييمات، فإنها تحصل على نتائج.

ووفقًا لسيسيل لوكاتيلي، لاعبة كرة القدم السابقة التي أصبحت الآن مدربة، إن شعبية الرياضة تترسخ خلال الطفولة، لذلك "على الأندية بذل الجهد لضمان تعيين الأفراد الكفوئين في مناصب يمكنهم من خلالها تحفيز الفتيات الصغيرات وتشجيعهن على المشاركة في الألعاب الرياضية.

أما ستيفان بيرغ، رئيس المنظمة غير الحكومية ENGSO، التي تدعو إلى المبادئ التوجيهية للرياضات الشعبية في جميع أنحاء أوروبا، فيجد تفائلًا في التقدم المحرز بشأن القضايا الجنسانية في الرياضة. ووفقًا له، في السنوات الأخيرة، كانت هناك توقعات أعلى على كل المستويات، بما في ذلك المستوى المحلي، بحيث بات يعبّر كل من النساء والشباب عن أنفسهم بشكل أكبر في ما يتعلّق بالقضايا هذه .

ويعتقد رئيس ENGSO أنه "على القادة، أمثاله زيادة التوعية حول القضايا الجنسانية في الرياضة، ليس فقط في تحقيق التكافؤ بين الجنسين ولكن أيضًا في ضمان التمويل المتساوي لكل من الرجال والنساء. بصفته الأمين العام للاتحاد الرياضي السويدي، فإنه يقدم مثالاً يحتذى به للآخرين".

وفي عام 2022، حققت كرة القدم النسائية أرقامًا قياسية أدخلتها التاريخ، حيث جذبت مباريات كرة القدم النسائية أعلى نسب الحضور في ملاعب أوروبا والعالم، فبعد حملاته المروّجة لمباريات ربع ونصف النهائي لبطولة دوري أبطال أوروبا للسيدات، دخل برشلونة موسوعة غينيس من حيث عدد الحضور إذ فاق التسعين ألفًا في كلا المباراتين في ملعب الكامب ناو، الأكبر في أوروبا.

وعلى إثره، في صيف العام ذاته، حصدت مباراة بطولة أوروبا النهائية بين منتخبي إنكلترا وألمانيا، القائمة في ملعب ويمبلي ثالث أعلى نسبة حضور في الملاعب، وأعلى نسبة حضور على الإطلاق في مباراة نهائية لبطولة أوروبية، حيث فاقت الأعداد الـ87 ألفًا، فكسرت مقاييس الحضور في مباريات بطولات أوروبا لدى الرجال والنساء على حد سواء.

3- الإصابات المختلفة ومستوى التدريب المتدني

غالبًا ما كانت البرامج الرياضية للنساء غير مجهزة بمرافق إحترافية وملائمة مقارنة ببرامج الرجال. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون توافر المدربين ذوي الجودة محدودًا في فئاتهن، حيث غالبًا ما يعطي المدربون الأولوية لبرامج الأولاد التي تتلقى المزيد من التمويل للتدريب. علاوة على ذلك، قد تفتقر برامج الفتيات إلى المعدات والزي الرسمي اللازمين، مما يعيق قدرتهن على المشاركة الكاملة في الرياضة. نتيجة لذلك، تجد العديد من الفتيات أن الرياضة لم تعد ممتعة.

وتساهم هذه العوامل أيضًا بتأثر اللاعبات بإصابات متكرّرة وخطيرة، أكثر من نسب الرجال.

ففي حين يُعتقد أن الإصابات الرياضية أكثر انتشارًا بين الرياضيين الذكور، ذلك، قد ينطبق هذا فقط على لاعبي كرة القدم الجامعية واتحاد كرة القدم الأميركي، لأنهم في الغالب من الذكور، في الواقع، النساء أكثر عرضة للعديد من الإصابات الرياضية الأكثر شيوعًا. أما أسباب هذه «الفجوة بين الجنسين» متنوعة وغير مؤكدة. ومع ذلك، أدى الاعتراف بهذه الفجوة إلى جهود مبتكرة لمنع الإصابات بين الرياضيات.

ويعتبر قطع أو جرح الرباط الصليبي الأمامي (ACL)، من أبرز الاصابات التي تتعرض لها النساء بمعدّل ست مرات أكثر من الرجال. ففي عام 2022، تعرّضت أكثر من لاعبة كرة قدم في أوروبا، لتلك الإصابة وامتدت فترات تعافيهن بين الثمانية أشهر والسنة، ومن أبرز هذه الأسماء: أليكسيا بوتيياس (برشلونة)، بيث ميد (أرسنال)، ماري كاتوتو (باريس سان جيرمان)...

ويعود تكرار هذه الإصابات، وغيرها، إلى أن أساس التحليل الطبي والفحوصات والتحضيرات الجسدية للاعبات يعتمد على بيانات خاصة باللاعبين الذكور وبنيتهم الجسدية وتركيباتهم الجينية المختلفة عن نظيراتهم.

ويسعى المسؤولون عن فئات الرياضة النسائية المختلفة في دراسة وتثبيت خطط طبية وتحضيرية أساسها البيانات الخاصة باللاعبات وتواريخهن الطبية.

4- التحيز الجنسي ومواقع القوة المتفاوتة

على الرغم من إحراز بعض التقدم في الاعتراف بالرياضة النسائية وإبرازها، لا يزال التحيز والقوالب النمطية الجنسانية يؤثران سلبًا على النظرة إلى المرأة في الألعاب الرياضية. فلا تزال التعليقات المتحيزة جنسياً والانتقادات غير المبررة لأداء الرياضيات مستمرة، مما يساهم في التقليل من قيمة إنجازاتهن ومواهبهن.

ففي أثناء بث حدث غوص للسيدات في بطولة العالم للسباحة التي أقيمت في الفترة من 23 إلى 30 تموز في فوكوكا، اليابان، أدلى اثنان من المعلقين الرياضيين، لورنزو ليوناردوزي وماسيميليانو مازوتشي، بتعليقات مهينة وغير مناسبة حول المظهر الجسدي للسباحات، على الهواء مباشرة على الإذاعة العامة الوطنية "راي"، أثارت هذه التعليقات المهينة موجة من السخط بين المشاهدين وأدت إلى إيقاف الصحفيين.

وشهد العالم في الأسابيع الأخيرة حدثًا خلق بلبلة كبيرة في أواسط اتحادات كرة القدم، حين قام رئيس الإتحاد الإسباني بزرع قبلة على شفتي اللاعبة جيني هيرموسو، وتوالت التداعيات إثر تقليل الأخير من أهمية وخطورة فعلته وإصراره على بقائه في مركزه، رغم الشكاوى والإعتراضات من قبل اللاعبات الاسبانيات وتصريحات إداريين تتهمه بالتصرفات غير اللائقة وسوء استخدام مركزه لمصالحه الشخصية.

على الرغم من التحديات المذكورة آنفًا، زادت مشاركة المرأة في الألعاب الرياضية بنسبة كبيرة، لا سيما في العقدين الماضيين. وهناك العديد من النساء المؤثرات في الرياضة اللواتي يدافعن بقوة عن المساواة والإنصاف في هذا المجال، ومن أبرزهن: ميغان رابينو وسيرينا ويليامز وسارينا ويغمان وأليكسيا بوتيياس وكيلسي بلوم وسيمون بايلز.

الأكثر قراءة

جنبلاط لـ "الثنائي الشيعي" ": جيبوا باسيل وخذوا فرنجية"... رئاسة بري لجلسات الحوار خط أحمر ... الرئاسة بعيدة ... وصيف ساخن ومفتوح