اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تعاني المدينة الرياضية في بيروت منذ سنوات طويلة من الإهمال إن لم نقل من النسيان "المتعمد"، ولطالما كان هذا الصرح الرياضي وجها حضاريا للبنان فعند افتتاح المدينة الرياضية عام 1957 في عهد رئيس الجمهورية كميل شمعون، تركت جانبا مضيئا في العالم العربي وصارت حديث "القاصي والداني" فكانت جوهرة وشامة على وجه لبنان.

وفي عام 1982 دمرت آلة الحرب الإسرائيلية المدينة الرياضية التي كانت مقرا لمنظمة التحرير الفلسطينية وبقي الدمار شاهدا على الهمجية العدوانية للجيش الإسرائيلي حتى عام 1996 حين أعاد رئيس الحكومة رفيق الحريري بناء هذا الصرح الضخم بحلة جديدة وهندسة معمارية لافتة لتستضيف في العام التالي دورة الألعاب العربية وتعيد لبنان إلى الخارطة الرياضية ومحيطه الصحي السليم بين دول المنطقة، وفي عام 2000 كان الحدث الأبرز الذي احتضنه ملعب المدينة الرياضية، نهائي كأس أمم آسيا لكرة القدم بين اليابان والسعودية بعدما احتضن مباراة الافتتاح والعديد من المباريات التمهيدية.

طبعا، الحديث يطول عن أبرز الأحداث الرياضية والثقافية والفنية التي أقيمت على أرض الملعب الأخضر في المدينة الرياضية، ولكن ما يهمنا الآن هو توقف الزمن وعودة عقارب الساعة إلى الوراء حين كانت المدينة الرياضية مدمرة ومهملة وتغرق في سواد غربيب أيام الثمانينات.. ما أشبه الأمس باليوم، فالمدينة الرياضية تلقت ضربات وصفعات موجعة من صنع البشر ومن عوامل اقتصادية مرت على لبنان في السنوات القليلة الماضية، فهي لم تسلم من انفجار مرفأ بيروت الشهير في الرابع من آب 2020، واللافت أن آثاره لا تزال جاثمة فوق كاهلها حتى اللحظة ولم يحرك أي مسؤول ساكنا لإزالة الأضرار والمخلفات، كما أن مرآب السيارات الضخم تحول إلى مستودعات للطحين والسلع والهبات الخارجية ناهيك عن جزء منها تحول إلى ثكنة للجيش اللبناني وقطعه وآلياته، وملعبها العشبي ومدرجاتها كانت مأوى للكلاب الشاردة أو لتدريب الكلاب البوليسية في فترة ما.

السؤال البديهي الذي يطرح نفسه أليس من المنطقي أن يكون ملعب كرة القدم في المدينة الرياضية معقلا لاستضافة المباريات الجماهيرية وخصوصا مباريات المنتخب الوطني والفرق التي تمثل لبنان في الاستحقاقات الخارجية ومن حقها الطبيعي أن تستقبل الفرق ومن ثم تلعب على أرض الخصم على طريقة (الذهاب والإياب)؟.

وعود ومناورات

المدينة الرياضية اليوم شأنها شأن سائر القطاعات المهملة، وعندما تسأل عن السبب لا تجد جوابا شافيا لأن التهم المتبادلة حاضرة دوما وبأسلوب "أسرع من البرق" والوعود الكاذبة اللامتناهية، فمجلس الإدارة يلقي اللوم على الدولة والوزارة بحجة غياب التمويل اللازم من أجل عملية الصيانة، ومنذ فترة وجيزة تم تكليف رئيس المنشآت الرياضية في وزارة الشباب والرياضة محمد عويدات لمتابعة الأحداث وإيجاد حل.

فمنذ أشهر قليلة، دعا عويدات وسائل الإعلام إلى زيارة ميدانية للمدينة الرياضية وكانت الصدمة الكبرى من هول المشاهدة، من الحطام الذي لحق بالحيطان والأسقف الداخلية والمراحيض المهترئة والكراسي القماشية الممزقة والمبعثرة وروائح العفن التي تنبعث من الموكيت والسجاد أما عن الملعب الرئيسي فإن ارتفاع العشب اليابس قد يصل إلى 40 سنتيمترا والكراسي البلاستيكية المكسورة أو "المنهوبة" وكأن رائحة الموت والحرب قد بعثت من جديد هناك..

عويدات مستبشر بالهبات

ومتابعة لهذا الملف كان لموقع "الديار" حديث مع رئيس المنشآت الرياضية في وزارة الشباب والرياضة محمد عويدات الذي قال "ملف المدينة الرياضية يقسم على قسمين، القسم الأول اصلاح واستثمار الملعب الأخضر لإقامة مباريات كرة القدم والأمر يحتاج إلى مليون دولار وقسم عام لإعادة المدينة ككل إلى سابق عهدها وهذا تكلفته تصل إلى قرابة 50 مليون دولار، فالقسم الأول لا بد أن يخضع لشروط الاتحاد الآسيوي لكرة القدم من إنارة الملعب بشكل صحيح واصلاح الغرف الداخلية والغرفة الطبية والمدرجات لأن المياه حاليا ترشح من "جوانات" المدرجات وهذا أمر خطير.. وضرورة تأمين مياه ري حلوة عكس المياه المالحة المتوفرة حاليا وحتى إن توفرت.. وأقولها بصراحة حاليا لا توجد ليرة واحدة في خزينة المؤسسة العامة للشباب والرياضة وبعد جولة قمنا بها على المسؤولين بهيئة الشراء العام نسعى لتأمين "هبات" من بعض الهيئات والمؤسسات المحلية والعربية ولكن لن نفصح عنها قبل أن تصل الأمور إلى خواتيمها".

يتابع "في نهاية الأمر لا مناص من دخول القطاع الخاص على الخط، ولكن في هذه الظروف من يريد أن يضع رأس ماله لا بد من أن يسترده وهذا أمر صعب في ظل الأوضاع الاقتصادية، وبعد التباحث مع رئيس ديوان المحاسبة محمد بدران تبين أن هناك حلين لا ثالث لهما إما هبة غير مشروطة أو السير على قرار المفوض السامي الصادر عام 1926 وهو بمثابة قانون نافذ ويقضي باستثمار الأملاك العامة لمدة أربع سنوات وأنا أضيف أنه مسموح الاستثمار حتى 20 سنة مرتبطا بقانون الامتياز وهذا يتطلب عقد جلسة مجلس نواب ونيل الموافقة".

يختم عويدات لـ"الديار": "الوضع صعب في المدينة الرياضية وخصوصا بعد حصول سرقات للكابلات الكهربائية والمحتويات والعديد من الأشياء الأخرى ومرور الوقت فهذا يزيد من المعاناة، تم تأمين هبة من مملكة البحرين مشكورة لتغطية تكاليف المدينة الكشفية في جبيل ونأمل أن تصلنا هبات لإعادة إصلاح المدينة الرياضية لتكون متنفسا لشباب لبنان".

وفي ضوء المساعي الشخصية الفردية لـ"تيسير الأمور وفك المربوط" وإطلاق عجلة دوري كرة القدم، تقدم رئيس نادي النجمة ورجل الأعمال مازن الزعني أول بطلب لاستثمار الملعب الأخضر: ولكن كما هي الأمور في لبنان وكافة الدوائر والقطاعات الرسمية لا بد من عراقيل ومسوغات قانونية وفلسفة إذا صح القول.. وما زال الزعني ينتظر تقديم دفتر الشروط بعدما لجأ إلى الوزير جورج كلاّس الذي أوعز بتسهيل الوضع ثم زار رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الذي كان مرنا ومنفتحا.. ولكن على ما يبدو اقتنع أخيرا بأن الموضوع معقد جدا.

هل من حل؟

ويبقى الحل عند اتحاد كرة القدم الذي ينبغي أن يطلب عقد اتفاقا سنويا او موسميا لتسيير المباريات ودفع مبلغ للاستثمار، والمبلغ المطلوب هو بالحد الأدنى يبلغ ما بين 750 ألف دولار إلى مليون دولار وفق دراسة جديدة بما فيها تأمين مياه الري الحلوة بدلا من المياه الحالية الكلسية التي تضر بالعشب وإعادة الأنوار الكاشفة وتأمين المولدات اللازمة، ولكن هل من مصلحة اتحاد اللعبة الدخول في متاهة "الكونترول" من الدولة اللبنانية والمساءلة عن كل صغيرة وكبيرة أو إن عقود التلزيم لملاعب صغيرة ذات عشب صناعي هي "أربح" ماليا وتجاريا وتسويقيا.

وكان رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم هاشم حيدر أرسل مهندسين للكشف على أرضية الملعب في المدينة وينتظر دفتر الشروط، فهل كانت مناورة من حيدر وهو القادر من خلال علاقته القوية برئيس مجلس النواب نبيه بري بالطلب من رئيس مجلس إدارة المدينة رياض الشيخة بحلحلة الأمور عندها تُحل كل العقد.

في الختام، تبقى المدينة الرياضية أسيرة القرارات والتجاذبات والصراعات السياسية المستفحلة في لبنان وغياب الأموال، وهي بلا شك تتآكل يوما بعد يوم وتضمحل وتشيخ لتصبح "نسيا منسيا".


الأكثر قراءة

إنهم يقتلون أميركا...