اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
شكل زلزال المغرب وإعصار "دانيال" صفعة مناخية عنيفة ضربت منطقة المتوسط، وأعادت إلى أذهان اللبنانيّين هواجس زلزال تركيا وسوريا، يضاف إليها رعب جديد وهو الأعاصير، لا سيّما بعد إعصار ليبيا الذي تظنّه للوهلة الأولى أحد مشاهد أفلام الخيال العلميّ.

وما زاد "الطين بِلّة" هو تصريحات بيئية تنقّلت عبر الشاشات، تتحدّث بأنّ إعصار ليبيا بدّل مساره، ما يعني أنّ أيّ توقعات من قبل منظّمات الرصد الجويّ في لبنان والعالم، لا يمكنها التنبؤ بما تخبّئه الطبيعة من مفاجآت، لكن المطمئن أنّ لا تأثير لما حصل في المغرب على لبنان.

التغيّر المناخي سببه الإنسان

الكوارث الأخيرة وضعت التغيّر المناخي في قفص الإتهام، فيما الواقع العلمي ينفي ذلك، فتغيّر المناخ بريء من تهمة الزلازل. فما هي تداعياته إذا؟

وفق الأمم المتحدّة، يشير تغيّر المناخ إلى تحوّلات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، والتي قد تحدّث من خلال الطبيعة نفسها، بسبب التغيّرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة، أو بسبب البشر.

وقد لفت المستشار في سياسات تغيّر المناخ والخبير البيئي وائل حميدان لـ"الديار" إلى أنّ التغيّر المناخي مشكلة بيئية سبّبها الإنسان من خلال زيادة نسبة "الغازات الدفيئة"، "Greenhouse gases" في الغلاف الجويّ، وهي غازات تحبس حرارة الأرض ما يساهم في ارتفاع درجتها، ويؤدي إلى تغييرات مناخية من هطول أمطار، سرعة رياح، جفاف، أعاصير وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة، وتسمّى هذه الغازات بـ "الدفيئة"، وأبرزها غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو جزء مهم من الطبيعة، إنّما نسبته زادت بشكل كبير مع بدء الثورة الصناعية وحرق الوقود الأحفوري، من خلال "إقتصاد النفط" حين بدأ المحرّك يعمل على حرق النفط والغاز الطبيعي وسواه لإنتاج الكهرباء، تشغيل السيارات والمعامل، ما أدّى لتصاعد ملايين الأطنان من هذه الإنبعاثات سنويا عبر الهواء ما زاد من كثافة الغازات في الغلاف الجوي وحبس حرارة الأرض ورفع درجاتها.

كوارث المتوسط

بطبيعة الحال، لا يمكن توقّع شكل وحجم الكوارث، التي يمكن أن تحدث جرّاء ارتفاع حرارة الكوكب، والتي قد لا تتوقف مهدّدة بإحداث خلل في النظام البيئي بكلّ كائناته الحيّة وغير الحيّة، على أنّ عواقب تغيّر المناخ أصبحت واقعا ملموسا أمامنا كالجفاف، نقص المياه، الحرائق، ارتفاع مستويات سطح البحار والمحيطات، الفيضانات، ذوبان الجليد القطبي، العواصف والأعاصير، تدهور التنوّع البيولوجي وغيرها.

ومؤخرا تشهد منطقة البحر المتوسط كوارث متسارعة ومتتالية وعنيفة، وضعها حمدان في خانة تغيّر المناخ، الذي يؤدّي إلى زيادة الظواهر المناخية المتطرّفة كالجفاف والأعاصير، والعواصف الشديدة القوة وزيادة نسبة الحرائق في كثير من دول العالم هذا العام، نتيجة إرتفاع حرارة الأرض وازدياد الحرّ والجفاف، وأشار إلى أنّ منطقتنا تأثّرت كثيرا بتغيّر المناخ، كالجفاف الضخم الذي ضرب سوريا وأفريقيا ومناطق أخرى، ما أدّى إلى مشاكل غذائية ضخمة، وكذلك الإعصار الذي ضرب ليبيا، متوقّعا زيادة عدد وحدّة ووتيرة هذه الأنواع من الظواهر المناخية المتطرّفة، فمثلا ما قد يحدث مرة كل عشر سنين سيحدث كلّ سنة، لافتا إلى أنّ لا علاقة لزلزال المغرب وظاهرة الزلازل عموما بتغيّر المناخ.

وزارة البقاء!

وحذّر حمدان أنّ ما يحدث اليوم من كوارث ليس نهاية الأمر، إذ كلما زادت الغازات الدفيئة في الجوّ، كلّما اشتّد تغيّر المناخ وأصبحت هذه الظواهر أقوى في المستقبل، خصوصا إذا لم نتحرك وغيّرنا اقتصادنا، وتخلّينا عن النفط نهائيا في الإقتصاد البشري، فإنّ آثار تغير المناخ ستكون كارثية ومدّمرة تهدّد حضارة الإنسان على كوكب الأرض، فالأمر مسألة بقاء، وبعض وزارات البيئة في أوروبا تسعى لتغيير إسمها من وزارة البيئة إلى وزارة "البقاء".

شتاء لبنان أقصر

واكد ان لبنان سيخسر الثلج، الثروة المائية، غابات الأرز وهويّتنا، أي "علم لبنان"، فالثلج الأبيض وشجرة الأرز " رح يختفوا" بسبب تغير المناخ، كما ستتأثرالزراعة كثيرا"، واوضح أنّ تغيّر المناخ يزيد من حدّة ووتيرة الآثار المناخية المتطرّفة، وإعصار ليبيا ظاهرة مناخية متطرّفة، وهذه الظواهر ستزيد وتصبح حدّتها وأضرارها أكثر وأكبر في المستقبل بسبب تغيّر المناخ، ومن ظواهره في لبنان ازدياد في نسبة حرائق الغابات بشكل كبير جدا، وفي نسبة الجفاف والحرّ، تقلّص الثلوج المتساقطة من حيث الكمية والمدّة، وأصبح فصل الشتاء أقصر، ويمكن أن نتعرّض لأعاصير وظواهر مناخية متطرّفة، إذ بدأنا نرى تغييرا بتوزيع هطول الأمطار وليس فقط الثلوج، كذلك الصقيع القاسي وموجات الحرّ التي شهدناها هذا الصيف لها علاقة بتغيّر المناخ، والذي يؤدّي أيضًا إلى وفيات.

لا لاقتصاد النفط... نعم لثورة الطاقة

واشار الى ان الحلّ لإنقاذ الأرض يتجلّى بعدم حرق النفط، لإتاحة الوقت للأشجار لسحب غاز ثاني أكسيد الكربون من الجوّ، وتكثيف الزراعة لخفض حرارة الأرض، والمواجهة الجذريّة تكون بالتخلّي نهائيا عن اقتصاد النفط أو اقتصاد الوقود الأحفوري: نفط، غاز طبيعي، فحم حجري والتحوّل إلى الطاقة المتجدّدة، لافتا إلى أنّ ثورة الطاقة التي حصلت في لبنان، والتحوّل نحو الطاقة الشمسية، لا بد أن يحصل عالميا بوتيرة أسرع، والتخلّص من الإعتماد على النفط خلال 20 إلى 30 سنة كحدّ أقصى، عبر السيارات الكهربائية، إستخراج كهرباء من الطاقة الشمسية أو الهوائية... إلخ، فالتحوّل الكلي إلزامي ويجب أن يحصل سريعا، وهو ما أٌقرّته اتفاقية باريس حول تغيّر المناخ.

وخلص حمدان إلى ضرورة أن يمتلك اللبنانيون الوعي بهذا الموضوع، فالبعض لا يعتبر ذلك أولوية فيما هناك تهديد حقيقي لمستقبل أولادنا، وعلى الجميع المطالبة بالتحوّل النظيف، فالغاز الطبيعي في البحر لن يحلّ مشاكلنا الإقتصادية، والأرقام تظهر بأنّه ليس لدينا هذه الثروة الطائلة، لذا علينا الإتجاه نحو الطاقة المتجدّدة لتحقيق الإكتفاء الذاتي ويصبح لدينا إستقلال وأمن طاقة.

خلاصة القول... لا يزال لبنان – ولله الحمد- بمنأى عن الزلالزل والأعاصير حتّى اللحظة، لكن التغيّر المناخي ضربنا بخبث، وأصبح أمننا الغذائي والمائي يتآكل ببطء، وإن كنّا غير مجهّزين لمواجهة الكوارث المذكورة، فلنواجه أنفسنا الأمّارة بالإساءة لبيئتنا... وصحيح أنّ أركان هدم البيئة في لبنان هم من كبار المسؤولين، لكن القاعدة الشعبية ليست بريئة كذلك، وتلويث البراري والغابات والشواطىء والأنهار والبحر وسواها... خير شاهد!

الأكثر قراءة

عرب الطناجر...