اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا من باب التملق، ولم نكن يومًا قهرمانة لأحد. وسط هذه الفوضى السياسية والطائفية، الأكثر خطرا من الحرب التوراتية، وانما من باب الضرورة القصوى لبقاء لبنان، ليكن الرئيس جوزف عون الذي أثبت، بمقاربته العقلانية لكل المسائل الحساسة التي تهدد بالتفجير الداخلي، أو بالتفجير الخارجي، قائدًا للمسيحيين، وللمسلمين، بعدما لاحظنا أن زعيماً مسيحيا شكك، على احدى الشاشات (ولم تكن هفوة فرويدية) بقيادته لأنه بعيد عن لغة التأجيج الغرائزي، وهي اللغة القاتلة للبنان.

ثمة مذيعة سألت النائب التغييري (لاحظوا البعد الكاريكاتوري للمصطلح) ميشال الدويهي "كثيرًا ما ألمح السيد حسن نصرالله الى مسألة المثالثة. ما رأيك؟". سعادة النائب تبنى ميكانيكيا كلام المذيعة، واستفاض في اتهام "حزب الله" الذي ليس سلاحه فقط يشكل خطرًا على الوجود اللبناني، وانما خطته الخاصة بتعديل الصيغة الدستورية، أي من المناصفة الى المثالثة بين المسيحيين والسنّة والشيعة.

تلك ثقة، ما من مرّة ألمح السيد الى هذه المسألة. التقيناه مرات، مثلما التقينا الشيخ نعيم قاسم. كان الكلام دوما حول تفعيل الدور المسيحي، كون وجود الدولة اللبنانية، ومن قصر فرساي الى قصر الصنوبر، يرتبط بالوجود المسيحي، ليبدو غريبا أن تأخذ الحملة على "حزب الله" هذا المنحى الطائفي المدمر، ليتقاطع ذلك مع السياسات النازية التي ينتهجها بنيامين نتنياهو. هنا نشير الى لقاء مع الأمين العام السابق للحزب والذي قال فيه، وبالحرف الواحد، "ان الوجود المسيحي في لبنان هو وجود مقدس!".

مثلما هذه القناعة كانت راسخة في الوجدان السياسي، وحتى الوجدان العقائدي، للسيد نصرالله، هي القناعة الراسخة لدى الرئيس نبيه بري الذي يدعو الى تطبيق المادة 95 من الدستور، بالغاء الطائفية السياسية، والشيخ نعيم قاسم الذي يؤكد على التفاعل الخلاق ـ لا على الانغلاق ـ بين الطوائف، لنتوقف عند بعض القوى السياسية، وفي اطار الزبائنية اياها، وهي تقوم بتسويق موضوع المثالثة الذي لم يخطر في بال أحد، من قيادة حركة "أمل" والى قيادة "حزب الله".

لبنان ولد بأيد مسيحية، ويفترض أن يقوم دور القادة المسيحيين، على حماية لبنان، لا على الرهانات الراعبة، حينا على بنيامين نتنياهو، وحينا على أحمد الشرع، والاثنان يوجدان في خندق واحد، وفي مسار واحد. وقد لاحظنا أن ما من شخصية سياسية، أو حزبية، تشارك في الحرب الضروس ضد "حزب الله"، تتطرق الى الظاهرة الهتلرية التي يمثلها رئيس الحكومة الاسرائيلية، كما لو الطوفان الدموي الذي يحيط بنا، ويهدد وجودنا، يحدث على كوكب آخر. وهذه نظرية أنور السادات "اتركوا الصراع مع اسرائيل الى زمن آخر"، ليمضي المسار العربي العام، والى أجل آخر، على الايقاع الاسرائيلي.

ميشال شيحا، فيلسوف القومية اللبنانية، هو من تحدث عن الاعتلال الايديولوجي في الدولة العبرية، وحيث الاقامة داخل الغيتو لا يختلف في حال عن الاقامة في الهولوكوست، ليشكل لبنان النموذج النقيض، بالتفاعل الخلاق بين الأديان، وبين الثقافات. من هنا النظرة الاسرائيلية الحمراء الى لبنان.

كلنا على رقعة الشطرنج. هذا خيارنا. لا شك أن "حرب الاسناد" التي حكي الكثير فيها عن الظروف الملتبسة، وعن الرؤى الملتبسة، أدت الى تلك السلسلة من الكوارث التي لم تتوقف حتى الآن، لكنها من ناحية ثانية كشفت عن مدى الاختراق الاسرائيلي للبنان، تماما مثلما كشفت الاختراق الاسرائيلي، والذي يفوق التصور، لايران.

هذا لا يعني، بطبيعة الحال، الوقوف داخل الكارثة، أو الدوران حولها، حتى وإن كانت الجبهة الداخلية اللبنانية على ذلك المستوى من الهشاشة بفعل الصراع العبثي بين الطوائف. ولكن ألا يبدو الوضع كما لو أنه "الرقص على خيوط العنكبوت" كما يقول الفرنسيون عن سياسات رئيسهم ايمانويل ماكرون؟

المشكلة في أننا لا نعي في اي حالة نحن الآن. كل التركيز على تجريد "حزب الله" ليس فقط من رصيده العسكري، كحركة مقاومة تمكنت، بدماء أبنائها من دحر البربرية ان في جنوب البلاد، أو على السفوح الشرقية، وانما من رصيده السياسي، مع التوقف عند اشارة المبعوث الأميركي توماس براك الى "الحزب السياسي". الآن، وضع لبنان أكثر من أن يكون دراميا حين تحل المقاربات الغرائزية للمشهد محل المقاربات المنطقية، وحيث البحث في الظل ليس فقط حول اعادة تركيب الخرائط، بل واعادة صناعة الصيغ التي تتلاءم والطموحات الاسرائيلية.

واذا كان زعيم دولة عربية قد التقط مصطلح "الهلال الشيعي"، ومن حدود الصين الى ضفاف المتوسط لتسويقه على ذلك النحو الذي يوجه الاهتمام بعيدا عن القضية المركزية للعرب، يحذر حتى المؤرخ الاسرائيلي آفي شلايم من أن يتجاوز بنيامين نتنياهو أمكانات الدولة، ويسقط في جاذبية "الهلال اليهودي" الذي دعا اليه القس الأميركي جون هاغي، رئيس منظمة "مسيحيون من أجل اسرائيل"، ليلاحظ شلايم أن كل الأباطرة سقطوا عند أبواب التاريخ لأنهم لم يفقهوا قط المسار المتعرج للأزمنة.

لنعد الى قول الشاعر التركي ناظم حكمت "يا الهي ... الى اين يمضي بنا هذا الشراع الذي بمِائة سارية. هذا وضعنا، واننا لضائعون...".

الأكثر قراءة

باراك يقدّم العصا على الجزرة وعلامات استفهام حول تهديد وجود لبنان تصريحات المبعوث الأميركي تتناقض مع أجواء زيارته إلى بيروت 3 انواع للموقوفين والسجناء السوريين وتواصل لبناني سوري لمعالجة الملف