اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

عقب وقوع الزلزال، تناقلت بعض وسائل الاتصال في المغرب عظة امام أحد المساجد. سأل "لماذا ينصبّ غضب الله على المسلمين؟"، وراح يعدد آثام المسلمين التي تثير غضب الله، وأهمها النقص في التقوى، مع أن المساجد، والطرقات، تغص بالمصلين، كما أن المواعظ تلعلع، عبر مكبرات الصوت، على مدار الساعة...

لم يأت صاحب الفضيلة (اياكم واغفال اللقب) على ذكر المسؤولين عما آلت اليه أحوال العرب ـ دون أن أكون معنياً بالعالم الاسلامي كبدعة لغوية ـ أين هم القيّمون على البلدان العربية، وعلى المجتمعات العربية؟ صراخه عبر مكبرات الصوت لا يدعه يرى أطفال الأطلس الذي نتغنى به حتى في المشرق، وهم يذهبون حفاة الى المدارس.

لن نثقل بالأسئلة على صاحب الفضيلة، بل نسأل أنفسنا، غداة قمة العشرين، لماذا يقتصر الصراع حول المشاريع الخاصة بادارة القرن، اقتصادياً، بين الهند والصين. الدولتان اللتان كانتا مثلنا تحت الاستعمار، لتدخلا الزمن التكنولوجي، وهما اللتان تريان مدى الغطرسة الأميركية في التعامل مع الدول الأخرى.

باختصار، الدولتان العملاقتان ديموغرافياً لم تتحملا البقاء كما الدمى على رقعة الشطرنج (اذا كنا نتذكر "لعبة الأمم" لمايلز كوبلاند). ثمة عالم يريد أن يتخلى عن قبعة الكاوبوي، ويبحث عن مستقبل آخر لدى الكاهن الصيني كما لدى الكاهن الهندي...

هنا بلدان متجاوران، لكنهما في نزاع حدودي، وان كان لافتاً أن كلاً منهما أنتج تلك الايديولوجيا الصوفية، وحيث يلتقي كونفوشيوس وبوذا على ضرورة "ذوبان الانسان في الانسان" !

أكثر من ذلك، لكل منهما مشروعه الاستراتيجي الذي يستعيض عن قرع الطبول، بالتشابك الاقتصادي، وحتى السوسيولوجي، كما بـ "الشراكة" الاقتصادية من خلال السكك الحديدية، وأنابيب الطاقة. عودة الى زمن القوافل، ولكن بالتكنولوجيا التي مضوا بها بعيداً، والى الحد الذي يثير ذهول الغرب. ثمة مفكرون، ومخططون، أوروبيون، يعتقدون أن مستقبل بلدانهم في الهند والصين، لا في أميركا أو في روسيا.

هذا لا يمنع الأميركيين من الدوران العبثي داخل الحلقة الكلاسيكية اياها. يرون أن باستطاعتهم استخدام المشروع الهندي بالربط بين الداخل الآسيوي، وكل من أوروبا، وأفريقيا، مروراً بالشرق الأوسط، لتقويض المشروع الصيني (الحزام والطريق)، دون أن يفقهوا ماتعنيه "الروح الهندية" ـ طاغور وصفها بـ "روح الآلهة" ـ في التعاطي مع جدلية الأزمنة. لا مجال للهند، بتلك الكثافة الفلسفية في البنية السيكولوجية للدولة، أن تضطلع بدور القهرمانة الأميركية.

هنا يحذّر الرئيس السابق لمجلس الاحتياط الفديرالي السابق بن (شالوم) برنانكي من وقوع أميركا بين الفك الهندي والفك الصيني. وهي واقعة لا محالة ما دامت على سياسات القهر، والاستنزاف، والسيطرة.

في قمة العشرين لفتنا موقف الأمير محمد بن سلمان نحو تحويل بلاده الى نقطة تقاطع بين المشروع الصيني والمشروع الهندي، وهو الذي يدرك كم واجهت بلاده من ويلات نتيجة التماهي بينها وبين الولايات المتحدة.

ولكن هل يكون مصير الشرق الأوسط كما مصير أميركا بين الفك الصيني والفك الهندي ؟ لن نسأل عن دور جامعة الدول العربية، كمنظمة مصابة بالسكتة الدماغية وينبغي دفنها في الحال، حين نكون أمام تحولات كبرى في الخارطة الاستراتيجية للاقتصاد الدولي.

اذا ما أخذنا بالاعتبار المدى الذي بلغته اسرائيل في المجال التكنولوجي، يبقى علينا أن نتابع البرامج التركية كما البرامج الايرانية في تطوير الامكانات التكنولوجية، وبسرعات قياسية.

هل يكفي أن تنشط السعودية وحدها، دون مشاركة الدول العربية الأخرى والتي "تستضيف" نصف مليار بشري، كما تضم الملايين من خريجي الجامعات؟

الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري رأى أننا لسنا فقط بحاجة الى ديناميكية مختلفة، بل الى فلسفة مختلفة، لصياغة رؤية خلاقة للتعامل مع هذه الزمن الذي يمضي بايقاع جنوني، وحيث المجانين لا التنابل، من يصنعون الأزمنة.

لنكن العرب الآخرين ـ ولو العرب المجانين ـ لزمن آخر...

الأكثر قراءة

زلزال قضائي: توقيف رياض سلامة... ماذا في المعلومات ولماذا الآن؟ الضغط الدولي غير كافٍ في احتواء إجرام نتنياهو تعزيزات الى الضفة الغربية... وخشية من تكرار سيناريو غزة