اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لا يزال العدو الاسرائيلي يعمل على الاستفادة من مسألة "تثبيت" الحدود البريّة للبنان في المنطقة الجنوبية، رغم ما قاله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أخيراً ردّاً على سؤال عمّا إذا كان هناك اي مبادرة أميركية في ملف ترسيم الحدود البريّة بين لبنان و"إسرائيل" أنّ الأمر معقّد، لا يمكنني الإجابة "بنعم أم لا". فيما أبدى خلال زيارته الأخيرة الى لبنان حماسة وتفاؤلاً في إمكان إنجازه على غرار ما أنجز مسألة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية والتي انتهت بتوقيع الاتفاقية في 27 تشرين الأول الماضي. فهل توقّفت المفاوضات “السرية” التي كانت تجري بين الطرفين بطريقة غير مباشرة وبرعاية الأمم المتحدة في مقرّها في الناقورة، أم أنّها لا تزال مستمرّة بعيداً عن وسائل الإعلام، لكي تُفضي الى نتائج إيجابية؟ وما هو الواقع الفعلي للحدود البريّة على الخرتئط كما على الأرض؟!

تقول أوساط ديبلوماسية متابعة لهذا الملف انّه ليس المهمّ الإعلان عبر وسائل الإعلام عن توقيف المفاوضات "السرّية" أو الاجتماعات الثلاثية في الناقورة، إنّما ما يتمّ مناقشته أو التوافق عليه في حال كانت هذه المفاوضات "متواصلة" بعيداً عن الإعلام أو ستتواصل مستقبلاً مع استعجال الأميركي و"الإسرائيلي" الانتهاء من ملف الحدود البريّة سريعاً. وأن تأتي نتائج هذه المفاوضات بالتالي، وفق ما يُعلن عنه بعض النوّاب عن أنّ "لبنان لن يتخلّى عن شبر من أراضيه "المحتلّة" أي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنخيلة والقسم الشمالي من بلدة الغجر (أو خراج بلدة الماري). وأشارت الى أنّه إذا كان من مقابل لموافقة لبنان على إظهار حدوده أو تثبيتها مع العدو الإسرائيلي (كون البعض يعتبر هذا الأمر تطبيعاً صريحاً معه)، فإنّ المقابل لا يجب أن يكون أقلّ من "منع" الأميركي لما يريد الغرب فرضه، ويرفضه لبنان الرسمي والشعبي والدستوري ألا وهو التوطين. فهذا الأمر يُشكّل خطراً وجودياً حقيقياً ومن شأنه تغيير كيان لبنان واستبدال شعبه الذي يُهاجر أبناؤه بالآلاف بسبب الضائقة الإقتصادية والمالية الى دول الخارج، بشعوب الدول المجاورة. الأمر الذي يهدّد كيانه وتاريخه ومستقبله، وهو ما لا يقبله أي لبناني، وإلّا فإنّ الحرب سوف تنشب قريباً في القرى والبلدات بين اللبنانيين والسوريين. كما أنّ النزوح السوري سيرتدّ على الدول الأوروبية ليُشكّل مشكلة حقيقية عليها مواجهتها في المرحلة المقبلة.

في المقابل، إذ يقول البعض بأنّ الحدود بين لبنان وسوريا مرسّمة، وأن لا خلافات لبنانية- سورية على الحدود إذا ما وقّعت الدولتان على محاضر التحديد والتحرير بآلاف الصفحات، وذلك خلال مرحلتي الانتداب وبعد الاستقلال، أكّد السفير الدكتور بسّام النعماني المتابع لمسألة الحدود البريّة والبحرية أنّه “كلام غير دقيق”. فثمّة خريطة أعدّها مدير الشؤون الجغرافية في قيادة الجيش اللبناني العميد مارون خريش في العام 2005 تُبيّن وجود 36 نقطة خلافية مع سوريا على الحدود المشتركة. وقد ضمّنها الدكتور عصام خليفة في ملف الخرائط الذي تمّ توزيعه على القيادات اللبنانية التي شاركت في طاولة الحوار سابقاً والتي كانت برئاسة نبيه برّي.

وأشار الى أنّ موضوع “تثبيت” الحدود البريّة شديد التعقيد، ولا يمكن حلّه مع هوكشتاين بمفرده، لأنّه متشابك ويشملل أطرافا عديدة. فعلى سبيل المثال، يمكن اعتبار بلدة الغجر "مزارع شبعا" ولكن "معكوسة". فإذا كانت مزارع شبعا قضية حية بفضل المطالبات الحثيثة التي قامت بها قيادات وسكان شبعا ومزارع شبعا منذ الثلاثينات القرن الماضي حتى يومنا هذا لتعديل وتصحيح الحدود على الخرائط، فإن أهالي بلدة الغجر قد فعلوا عكس ذلك. فهم ما انفكوا منذ ثلاثينات القرن الماضي في الاعتراض على ضمهم إلى المناطق السيادية اللبنانية على الخرائط العسكرية البريطانية والفرنسية، كانوا دوماً يطالبون بضمهم إلى قطاع القنيطرة في الجولان وأن يعتبروا مواطنين سوريين لا لبنانيين.

وفي العام 1967، على ما أضاف، وقف الجيش الإسرائيلي أمام بلدة الغجر لأن خرائطهم كانت تبين أنها جزء من الأراضي اللبنانية. ولم يدخلوها إلا في تشرين الثاني 1967ـ أي بعد 4 أشهر من انتهاء الحرب. وقاموا بإعادة رسم خرائطهم وتعديل الحدود المرسومة في المنطقة على حساب لبنان. وهذا دليل أنه "يمكن حصول تصحيح وتعديل في الخرائط، وأن الخريطة وحدها ليست الحكم الوحيد حول ما إذا كانت منطقة ما لبنانية أو سورية أو غيرها". والمقصود هنا مزارع شبعا بالتحديد. فلا ينبغي القبول بالقول ان "الخرائط" تثبت أن مزارع شبعا سورية وليست لبنانية. بينما أهالي شبعا قاموا منذ مئة عام حتى اليوم بمطالب تصحيح وتعديل الخرائط التي تبيّن بأن مزارع شبعا هي داخل المناطق السيادية اللبنانية. وقد وافقت حكومتا الاستقلال في دمشق وبيروت في العام 1947، على تصحيح الحدود وتعديل الخرائط على أن تلحظ وجود مزارع شبعا داخل الأراضي اللبنانية. إلا أن الحكومة السورية عادت وعدلت عن هذا القرار. بل حصلت في أوائل الستينات خلافات لبنانية - سورية حول مزارع شبعا وبلدة الغجر، مما اضطر لبنان إلى رفع شكوى الى جامعة الدول العربية. وفي الخلاصة، ثمة تساؤل: هل يحق لإسرائيل فقط إعادة ترسيم الحدود، وتعديل خرائط الحدود البرية، وقضم الأراضي، وتغيير الحدود البحرية، ولا يحق للبنان أن يقوم بتعديلات حدودية لديه؟

وفيما يتعلّق ببلدة الغجر، أوضح النعماني بأنّ "غضب" الإسرائيليين الأخير وتعليقهم للمفاوضات التي كانت تجري في الناقورة، بعد ما جرى تسريبه للإعلام حول تفاصيل هذه المحادثات "السرية"، أي عن انّهم يبحثون مع الوفد العسكري اللبناني تفاصيل الإنسحاب من الجزء الشمالي من الغجر (أو ما يُعرف حالياً بـ “خراج بلدة الماري”)، يطرح أسئلة عديدة: ماذا سيكون عليه مصير السكان القاطنين فيه، هل يبقون أم يغادرون، وماذا سيكون مصير الإنشاءات المبنية، هل تهدم أم تسلم للبنانيين؟! إنّ كل هذه الاحتمالات لن تحظى بموافقة أهالي الغجر الذين سيرفضون مثل هذه الحلول التي ستأتي على حسابهم... الأمر الذي من شأنه أن يخلق مشكلة بينهم وبين "الإسرائيليين". علماً بأنّ أحداً قد لا يسألهم رأيهم في هذا الأمر لا خلال المفاوضات، ولا عندما يتمّ توقيع اي اتفاقية محتملة في هذا الإطار.

ويرى السفير النعماني أنّ تعليق المفاوضات قد يكون لتفادي إثارة الخلافات مع أهالي بلدة الغجر سيما أنّ مصيرهم في هذا الجزء الشمالي من بلدة الغجر غير واضح تماماً. فهم خضعوا سابقاً للسلطة اللبنانية السيادية لمدة 6 سنوات، بين عامي 2000 وحتى 2006. أما الآن وقد اختاروا الجنسية الإسرائيلية وبالتالي الخدمة في الجيش الإسرائيلي، فقد أصبحوا مواطنين دولة عدوة، أم أنه سينطبق عليهم ما ينطبق على عرب 1948؟

كلام الصورة

خريطتان تُظهران التلاعب الإسرائيلي في رسم الخرائط وقضم المناطق الحدودية، وبلدة الغجر تظهر بوضوح كنموذج لهذا التلاعب

الأكثر قراءة

زلزال قضائي: توقيف رياض سلامة... ماذا في المعلومات ولماذا الآن؟ الضغط الدولي غير كافٍ في احتواء إجرام نتنياهو تعزيزات الى الضفة الغربية... وخشية من تكرار سيناريو غزة