اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
تلقى المشروع الصهيوني العالمي جراء عملية «طوفان الأقصى» ضربة موجعة في صميم نشوئه وتكوينه، حيث تعرضت الفكرة الجوهرية التي يرتكز عليها للاهتزاز بقوة، بعد ان كان «الكيان» في فلسطين المحتلة «عنصر توفير الحماية والأمن لليهود القادمين اليها من اصقاع الأرض». ودون الخوض في تسلسل عمليات المقاومة الفلسطينية في العقود الأخيرة، تمثل عملية كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس في منطقة غلاف غزة، الضربة الأقوى في تاريخنا الحديث من حيث عدد القتلى الاسرائيليين من العسكر والمدنيين منذ حرب التحرير المشتركة السورية – المصرية في تشرين الأول 1973 حتى يومنا هذا، دون ان ننسى الارتدادات الاستراتيجية على ديمومة كيان الاحتلال وجيشه. فلقد وضعت العملية الفلسطينية الحكومة الاسرائيلية ورئيسها نتنياهو امام واقعٍ صعب ومصيري يتطلب مزيدا من الوحشية والبربرية الاسرائيلية المعهودة لترميم صورة الدولة الجبارة والجيش المتفوق، ويتلخص هذا الواقع بالنقاط الثلاث الاتية:

أولاً، لقد أصيب جيش الاحتلال الاسرائيلي بنكسة عسكرية غير مسبوقة، حيث تمكنت مجموعة عسكرية غير نظامية، وبعتاد متواضع، من ضرب مواقعه والسيطرة على بعضها وقتل وأسر عدد كبير من جنوده، بالاضافة الى تحرير اراضٍ توازي بمساحتها قطاع غزة، ولو لمدة ساعات وايام . وتمثل الصور التي رافقت العملية من قتل واسر واذلال لجنود الاحتلال من قبل كتائب القسام الفلسطينية ضربة بالغة الاهمية لمعنويات الجيش «الاسرائيلي» من حيث رمزيتها في الاطاحة باسطورة الجيش الذي لا يقهر، وذلك على ارض فلسطين المحتلة، بعد ان سقطت هذه الاسطورة على ارض الجنوب في لبنان عام 2006 في حرب تموز.

ثانياً، شكلت قوة «اسرائيل» العسكرية وتفوقها على جيوش الدول المحيطة بها وقدرتها على حسم اي صراع في الداخل الفلسطيني او في محيطها العربي، البنيان الصلب للفكر الصهيوني العالمي في جذب الانتشار اليهودي الى الاستيطان في فلسطين المحتلة تحت عنوان الوجود الآمن، بالاضافة الى تسهيلات اقتصادية واسكانية ومالية كبيرة. واذا كانت العمليات الفلسطينية السابقة في الداخل الاسرائيلي مثلت تهديداً جدياً لأمن المستوطنين، فانها لم تقترب باي شكل من الاشكال من حجم الضرر المعنوي والنفسي الذي تركته عملية الطوفان في العقل الباطني الاسرائيلي. اذ ان العمليات الفدائية السابقة في تل ابيب وغيرها من المدن، سرعان ما كانت تنتهي مع تدخل قوات الاحتلال. اما اهمية ما حصل في غلاف غزة، فكان تفوق المقاتلين الفلسطينيين على جنود الاحتلال والتغلب عليهم بالقتال والدهاء والاستراتيجية، بالاضافة الى الصور والفيديوهات التي تظهر عمليات اسر فردية وجماعية للمستوطنين وجلبهم الى داخل قطاع غزة من دون ان تتمكن القوات الاسرائيلية من منع ما يحصل.

ثالثاً، تمثل حماس وجناحها العسكري «كتائب القسام» الذراع الاضعف من حيث العديد والعتاد في محور المقاومة بعد حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، ولذا يسعى الاحتلال الى ان تدفع حماس وسكان غزة ثمناً كبيراً جداً، ليس فقط لمنعهم من تكرار العملية في المستقبل، بل لتوجيه رسالة واضحة الى حزب الله ان اي محاولة لتكرار عملية «طوفان الأقصى» في الجليل الأعلى، ستلقى الرد نفسه. اذ ان حصول عمليات شبيهة بالنوع والشكل بعملية 7 تشرين الأول، سوف يكون له آثار مدمرة على البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع الاسرائيلي، خاصة في المناطق التي يسكنها الأشكيناز (المستوطنين القادمين من أوروبا) في مدن شمال فلسطين المحتلة والمستوطنات المتداخلة في الضفة والقدس، لما يشكلون من ثقل اقتصادي-مالي وسياسي-اجتماعي داخل الكيان.

أما على الجانب الفلسطيني، فتبدو حماس والفصائل الفلسطينية صامدة في وجه همجية الاحتلال الذي يتبع سياسة الأرض المحروقة بهدف قتل وتهجير المدنيين الفلسطنيين حيث دعا بالأمس سكان شمال غزة البالغ عددهم مليون فلسطيني الى اخلاء المنطقة. ويبدو ان العدو الاسرائيلي الذي يحضّر للاجتياح البري للقطاع من الشمال والوسط، يسير بثبات نحو مصيدة المقاومة الفلسطينية المهيئة للمواجهة عبر شبكة انفاق وبنية تحتية تجعلها قادرة على قتال شوارع طويل الأمد في وجه «الاسرائيلي». من هنا، يبقى من المبكر التنبؤ بموعد دخول الجبهة الللبنانية على الخط، اذ لا تزال الأمور في انتظار مسار المعارك البرية، دون ان ننسى الأوراق الفلسطينية الداخلية والتي تبدأ من زيادة وتيرة الاشتباكات في الضفة الغربية المحتلة، الى مظاهرات للفلسطينيين في الداخل «الاسرائيلي» وتحولها الى مواجهات مفتوحة مع الاحتلال، وصولاً الى لعب الورقة الأمنية في الداخل الاسرائيلي...

الأكثر قراءة

النص الحرفي للمقترح الذي وافقت عليه حماس... اليكم تفاصيله