اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لطالما كان لبنان على موعد مع الحرائق، التي ارتفع منسوبها كثيرا في السنوات الأخيرة، وأسبابها تتأرجح بين سوء إدارة المناطق الحرجية وإهمال المواطن والتغيّر المناخي من ناحية، وبين أياد خفية تتعمد افتعال الحرائق إما لأسباب تجارية تتعلق بالإستفادة من الحطب، أو لوضع اليد على تلك الأراضي من نافذين من ناحية أخرى.

وفي مثل هذه الأيام من العام 2019 وتحديدا في 13 تشرين الأول، اشتعل في لبنان نحو 100 حريق قضى على مساحات شاسعة من غابات ومناطق سكنية، في كل من الشوف وإقليم الخروب بحسب الدفاع المدني اللبناني.

واليوم، تتجدّد المخاوف من الحرائق، خصوصا أنّه "بين تشرين وتشرين صيف تاني"، أي تجدّد الجفاف المصحوب برياح "تشارين" القوية، والتي تساعد بدورها على امتداد أي حريق بسرعة مخيفة.

فما حجم حرائق لبنان هذا العام؟ في هذا الشأن، لفت مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند الدكتور جورج متري لـ "الديار" إلى أنّه عادة ما ننتظر انتهاء موسم الحرائق، لأخذ صور الأقمار الصناعية والبيانات الميدانية والاطلاع على التقرير السنوي للحرائق لتحديد المساحات المحروقة، لكن التقديرات الأولية تتحدث عن 550 هكتارا، لافتا إلى أنّنا لا نزال ضمن المعدلات السنوية المقبولة، خصوصا أنّه في بعض السنوات تخطينا هذه المساحة بأشواط.

لم ينفِ متري أنّ عدد الحرائق كبير هذا العام، ولكن المساحة بقيت ضمن النسب المعقولة، نظرا للتدخل السريع والجيد من قبل فرق المستجيب الأول الموجودة في المناطق، ومن قبل الدفاع المدني، ما قلّص من نسبة المساحات التي تحترق وحصرها في مواقع محددة، معتبرا أنّنا لا نزال في وضع جيد نسبيا، ولكن هناك دائما تخوف من الحرائق الكبيرة التي تمتد على مساحات شاسعة وتقضي على مساحات كبيرة جدا من الأحراج.

وعن نسبة خطر اندلاع الحرائق والمناطق الأكثرعرضة، اجاب متري أنّه مع بداية هطل الأمطار الشهر الماضي، تدنى مؤشر خطر اندلاع الحرائق الذي كان مرتفعا في القسم الجنوبي من لبنان، ابتداء من قضاء عاليه وصولا الى قضاءي بنت جبيل والنبطية، وبالفعل شهدت هذه المناطق عدة حرائق متنقلة، كما كان قضاء عكار معرضا أكثر من غيره لاندلاع الحرائق، معيدا أيّ مستجد يحصل في هذا الشهر إلى حال الطقس وكيفية هطل الأمطار، ولافتا إلى احتمالية ارتفاع مؤشر خطر الحرائق في حال جف الطقس مجددا.

ورأى أنّ هطل الأمطار يخفف بنسبة كبيرة جدا من خطر اندلاع الحرائق، وإذا صار لدينا فترات جفاف طويلة، وارتفاع في درجات الحرارة، وانخفاض في نسبة الرطوبة فهذا يرفع الخطر.

وعن استراتيجيّة لبنان للتعامل مع خطر الحرائق، اشار الى أنّ وزارة البيئة أطلقت في العام 2022، الخطة الطارئة للتعامل مع خطر الحرائق في لبنان، ما شكل علامة فارقة ومفصلية لتحسين أدائنا بالتعامل مع خطر اندلاع الحرائق، وهذا تجلى في تراجع نسبة الأراضي المحروقة ذلك العام الى 90%، وهذا مردّه إلى التدخل السريع. و في العام 2023 أصبحت هناك متابعة لهذه الخطة الطارئة، مشيرا إلى أنّه رغم كل عوامل الطقس المتطرفة والحرائق الضخمة التي حصلت في البلدان المجاورة للبحر الأبيض المتوسط، مثل اليونان والمغرب وتركيا، فإنّ لبنان إستطاع أن يسيطر نوعا ما على الوضع، لكن ليس لديه القدرة أن يتعامل مع الحرائق الكبيرة نظرا للنقص الحاد بالمعدات والعناصر البشرية والموارد المائية.

واوضح أنّ خطة الوزارة قسمت لبنان الى 15 منطقة ساخنة، وصار هناك توعية داخل هذه المناطق وتحديث للإستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات، بالاضافة الى إنشاء فرع مستجيب أول من المتطوعين داخل بعض هذه المناطق، ما أدى الى حصول متابعة مع هذه الفرق مباشرة من قبل وزارة البيئة ووزير البيئة، لتسهيل الأمور والتنسيق، وهذا أثبت فعاليته اليوم بالحد من خطر الحرائق.

وعن حماية الثروات الحرجية اكد مترى انه يمكننا حماية أحراجنا أولا بإنفاذ القانون، وثانيا من خلال إدارة سليمة للغطاء الحرجي، وهذا الأمر يتطلب جهود البلديات التي تملك أحراجا ومشاعات بلدية، فيما على المواطن دور أساسي من خلال تحمل مسؤوليته، بالإبلاغ عن أي خطر يمكن أن يسبب حريقا والإنذار المبكر بإبلاغ السلطات المعنية من دفاع مدني وشرطة بلدية باحتمالية حدوث حرائق، مثلا رؤية دخان في الغابة، وكذلك من خلال عدم استعمال أي مصدر للنيران في الأيام الحرجة، التي يكون فيها مؤشر خطر الحرائق مرتفعا كيلا يتسبب بحدوث حريق.

وشدد على ان التعامل المسؤول مع خطر الحرائق من قبل المواطن والدولة، هما أساسيان كي نتجنب حرائق كارثية ، فاليوم نستطيع العمل كثيرا على الوقاية، بينما تبقى قدراتنا في التعامل والاستجابة للحريق محدودة، لذا لا بدّ أن نكون مهيئين ونأخذ كل الخطوات اللازمة للوقاية من اندلاع الحرائق.

وفق متري، تسعى وزارة البيئة اليوم مع الجهات المانحة إلى تأمين لتمويل اللازم لدعم فرق المستجيب الأول والمبادرات المجتمعية للتعامل مع خطر الحرائق، وبالفعل نتوقع السنة المقبلة المزيد من التمويل في هذا القطاع، وهذا الأمر يساعد كثيرا ويساهم في زيادة الجهوزية وزيادة قدرتنا على الوقاية من الحرائق، ويحسن من الاستجابة السريعة في حال حدوث حرائق. ولفت إلى أنّه من الضروري أنّ تتطور في المستقبل هذه الخطة الطارئة التي أعدتها وزارة البيئة، وتكون أكثر في إطار مؤسساتي لضمان الإستدامة، ونباشر بأسرع وقت ممكن تطبيق الاستراتيجية الوطنية لادارة حرائق الغابات التي أقرها مجلس الوزراء حديثا، أي الاستراتيجية المحدّثة مؤخرا (استراتيجية العام 2008)، كي نتجنب الحرائق ونسيطر عليها في حال حصولها، قبل أن تتحول كارثية كالحرائق التي شهدناها في بلدان حول البحر الأبيض المتوسط.

خلاصة القول، ما من حريق يحدث تلقائيا من الطبيعة الأم، بل يكون الإنسان سببه سواء عن قصد أو عن غير قصد، ولأنّ التعويل على أخلاقيات البعض أمر عديم الجدوى، في بلد تغيب فيه الرقابة والمحاسبة، يبقى الحل الوحيد هو في بعض المطر من السماء وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات من الأرض!

الأكثر قراءة

عرب الطناجر...