الدخول الى البيت الأبيض لم يعد من بوابة الكابيتول، حيث صفق له أعضاء الكونغرس كآخر أنبياء التوراة، أكثر مما صفقوا لونستون تشرشل، وحتى لفرنكلين روزفلت أو هاري ترومان. رون دريمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الذي تمكن من الدخول الى منطقة اللاوعي في شخصية دونالد ترامب، نصح بنيامين نتنياهو بـ"أنك هنا أمام رجل لا تخرج النيران من أذنيه فقط "، كما كتب بوب ودورد وروبرت كوستا، بل "قد تخرج الأفاعي من أذنيه ، لهذا لا تحاول أن تقول له ما قلته لجو بايدن لولا "اسرائيل" لما كانت أميركا في الشرق الأوسط". ترامب يعتبر لولا أميركا لما وجدت ولما بقيت "اسرائيل".
لكن ترامب كأي رئيس آخر، لا يرى في البلدان العربية أكثر من مضارب قبلية مبعثرة فوق الرمال. تركيا ضرورة تكتيكية فقط، وهي تحاول أن تكون العصا الأميركية في المنطقة، رجب طيب اردوغان مسكون باللوثة العثمانية، وبحمولة ايديولوجية رثة، لتبقى "اسرائيل" هي العصا، ما دام وجودها رهن ببقاء المظلة الأميركية.
الى حد ما دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو يفهمان بعضهما البعض، بتكامل المصالح على الأقل. هنا لعبة الشطرنج دقيقة جداً وخطيرة جداً. ثمة ملك واحد، ويفترض أن تسقط كل الحجارة بين يديه. هنا "اللوبي اليهودي" يتحكم بكل مفاصل الدولة العميقة. واثق من أن العلاقة بين أميركا و"اسرائيل" ليست استراتيجية فحسب، بل هي ايديولوجية أيضاً، اذا أخذنا بالاعتبار مدى تغلغل "البيوريتانز" (الطهرانيون) بالجذور التوراتية، في اللاوعي الديني لدى الأميركيين، ومنذ أن ارتحلوا من أنكلترا الى العالم الجديد في القرن السابع عشر.
منذ المستشرق الأميركي، البريطاني الأصل برنارد لويس، وحتى السناتور لندسي غراهام، مروراً بصمويل هانتنغتون، صاحب نظرية "صدام الحضارات"، العرب ليسوا سوى بقايا كثبان رملية وتذروها الرياح. من هنا يلعب نتنياهو على "المشاعر ألأميركية"، وان كانت التظاهرات الجامعية رفضاً للأساليب البربرية في غزة، قد جعلت الفيلسوف اليهودي - الفرنسي آلان فينكيلكروت، يبدي خشيته من ظهور "النيونازية" لدى النخب الأميركية التي يرتقب أن تكون بعد سنوات في الصفوف الأولى للسلطة.
علناً يقول السناتور غراهام بقيام "اسرائيل الكبرى"، تمهيداً لظهور "الماشيح" الذي يأتي بالصولجان الالهي لليهود. من هنا تبدأ قيادة اليهود للعالم. هذا ما يحمل الفيلسوف اليهودي - الأميركي نورمان فلنكشتاين على التعليق الساخر "اذا كان الرئيس دونالد ترامب يرى في الصين المنافس الاستراتيجي لبلاده في أدارة البشرية، عليه أن يعلم أن "اسرائيل" هي المنافس الايديولوجي. لنتذكر قول "الحاخام" عوفاديا يوسف "لولا اليهود لما وجد هذا العالم"!
تصوروا البعد الكاريكاتوري في شخصية نتنياهو، وهو هولاكو القرن، حين يقدم رسالة الى دونالد ترامب يرشحه فيها لجائزة نوبل للسلام، لتتحدث التعليقات الأميركيين عن خطين متوازيين في محادثات البيت الأبيض. الرئيس الأميركي، رجل البروباغندا، يريد وقفاً للنار في غزة وفي أقرب وقت ممكن، ورئيس الحكومة "الاسرائيلية" يريد قرارا باعتراف أميركي بالحاق الضفة بالدولة العبرية مقابل ذلك، وهو الأمر الذي حذر منه الأمير محمد بن سلمان، باعتبار أن قراراً من هذا القبيل، يمكن أن يؤدي الى تقويض سيناريو التطبيع بشكل كامل ونهائي.
لبنان لم يكن على الطاولة، كون المسار الذي يمكن أن تأخذه الأمور في هذا الصدد يرتبط من جهة، بمآل المفاوضات الأميركية ـ الايرانية، ومن جهة أخرى بالطريق الذي ستسلكه سوريا في اتجاه عقد معاهدة سلام مع "اسرائيل". المسألتان معقدتان. لا ثقة بين طهران وواشنطن، ثم ان السعودية المتوجسة من صفقة ما بين أنقرة و"تل أبيب" حول سوريا، تعتبر أن حصول ذلك لا بد أن يؤثر بصورة دراماتيكية، على الدور السعودي في هذه المرحلة الحساسة.
ما يعنينا ليس فقط أن ينقل توماس باراك ما سمعه في بيروت، لا سيما من عين التينة، الى دونالد ترامب، وانما أن يقتنع هذا الأخير بالطرح اللبناني. ما يتردد وراء الضوء أن الرئيس نبيه بري أثار ذهول المبعوث الأميركي، بالطريقة التي طرح بها تفاصيل الوضع بين لبنان و"اسرائيل"، وكيف ولدت المقاومة، وما هي الضمانات الأميركية اذا أخذنا بالاعتبار ما يجول (ويصول) في بعض الرؤوس اللبنانية، وحتى العربية، حيال حزب الله، مع أن لبنان يشبه البيت الصيني، حيث سقوط عامود واحد لا بد أن يؤدي الى سقوط البيت بأكمله.
وبحسب ما يتردد، حذّر رئيس المجلس النيابي من أي محاولة "اسرائيلية" لتفجير الساحة اللبنانية، وبالتالي زوال "الظاهرة اللبنانية"، من خلال رهان بعض القوى الداخلية على احداث تعديل بنيوي في الصيغة الراهنة باتجاه اقامة الكانتونات (أي المقابر) الطائفية.
الرئيس نواف سلام قال "الرئيس بري كفّى ووفّى"، كناطق باسم الجرح الجنوبي (واللبناني)، وباسم الصرخة الجنوبية، على أمل أن يدخل ذلك الى رأس دونالد ترامب الذي لا بد أنه سخر، كما سخر وزير الثقافة غسان سلامة من كلام بنيامين نتنياهو حول تغيير الشرق الأوسط، الأمر الذي عجز عنه الأباطرة، وحتى الآلهة.
تلك اللحظة التي قال فيها الفيلسوف اليهودي - الفرنسي ادغار موران، تماماً مثلما قال الفيلسوف اليهودي - الهولندي باروخ سبينوزا "هؤلاء "الحاخامات" الذين طالما فتحوا أبواب الجحيم أمام اليهود"!!
يتم قراءة الآن
-
ايجابيات وسلبيات التعميمين 158 و166 غبريل للديار : اتخذ مصرف لبنان قرار رفع سقف قيمةً السحوبات لان الحل الشامل للودائع متأخر
-
بري الذي أذهل المبعوث الأميركي
-
برّاك يطرح تسوية صعبة والحكومة على مفترق طرق تحويلات المغتربين تبقي الاقتصاد حيًّا رغم الأزمات انطلاق الامتحانات الرسمية وسط احتجاجات وتحديات تربوية
-
أين إيران في تغيير الشرق الأوسط؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
09:04
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: قتلنا فلسطينيا بعد أن طعن جنديا خلال عملية عسكرية في قرية رمانا في جنين
-
09:03
الجيش الإسرائيلي: إصابة جندي بجروح متوسطة إثر تعرضه للطعن خلال عملية في قرية رمانة قرب جنين والقضاء على المنفذ
-
08:54
"الميادين": قصف مدفعي للاحتلال يستهدف أطراف بلدة شبعا
-
08:34
معاريف عن مصادر في الليكود: الكنيست سيحل بين نوفمبر وديسمبر جزئيا بسبب صعوبة تمرير قانون التجنيد والميزانية
-
08:33
وول ستريت جورنال عن بيانات: أكثر من 24 ألف طائرة مسيرة هاجمت مدنا وبلدات في أوكرانيا منذ بداية ٢٠٢٥
-
08:33
وول ستريت جورنال عن مسؤولين أوكرانيين: روسيا تنتج الآن أكثر من 5 آلاف مسيرة بعيدة المدى وطائرات مضللة شهريا
