اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


قد يكون السؤال في منتهى السذاجة حول دور ما  لايران، في العملية الخاصة بتغيير المسارات السياسية والاستراتيجية للشرق الأوسط. ولكن متى كانت هناك حدود لالتقاء المصالح أو لافتراق المصالح في لعبة الأمم؟

ها أن دونالد ترامب الذي يعتقد أن باستطاعته تغيير دوران الكرة الأرضية، يسخر من بنيامين نتنياهو حين يقدم نفسه بطل التغيير في المنطقة، وهو الذي أخفق وعلى مدى 21 شهرا، في تفكيك حركة "حماس"، التي بات الخبراء العسكريون الأميركيون يتحدثون عن الأداء الأسطوري لمقاتليها، بالرغم من أن القنابل الأميركية التي رأى ريتشارد هاس أنها لا تستخدم سوى في جهنم، لم تبق في غزة حجرا على حجر.

لكن الرئيس الأميركي الذي يشكو ضيوفه الدوليون من أنه يقفل أذنيه حين يلتقون به، اصغى الى نصيحة بريطانية تقول ان تغيير المسار التاريخي والايديولوجي لمنطقة مثل الشرق الأوسط تقيم على تخوم الغيب، أكثر من أن يكون مستحيلاً، حتى أن الديبلوماسي الأميركي السابق آرون ميلر قال "كما لو أنك تغيّر شكل الله". ما يمكن أن يحدث ترتيبات جوسياسية أو جيوستراتيجية، لا بد أن تكون آنية، بالنظر الى التضاريس اللاهوتية التي تتحكم باللاوعي في صياغة الرؤى والخيارات، على أن تتم تلك الترتيبات بالتنسيق مع قوى اقليمية فاعلة.

في النصيحة الأنكليزية أن الخط الأميركي ـ "الاسرائيلي" لا يمكن أن يكون كافياً. من هنا توجه ترامب الى الخط الأميركي ـ السعودي، والى الخط الأميركي ـ السعودي ـ التركي، الحالة السورية هي المثال. تركيبة سريالية للسلطة هناك. هكذا لم يعد العالم ينظر الى الرئيس أحمد الشرع على أنه نتاج ثقافة تورا بورا، بل أنه نتاج ثقافة الملائكة...

ما ينطبق على سورية لا بد أن ينطبق على العراق، بالتوازنات الطائفية والاثنية القابلة للانفجار (اذا خرج المايسترو الأميركي)، وعلى لبنان الذي ما زال يحاول أن يشق الطريق، وهو طريق الجلجلة، الى الدولة، ودون أن يكون باستطاعته سوى اللحاق بالقافلة، وهي في طريقها الى أورشليم. أشياء كثيرة وهائلة تحدث الآن وراء الضوء، ولا بد أن تظهر نتائجها تباعا. في هذه الحال، ما حال مرتفعات الجولان؟ وهل يتجرأ الشرع أن يتخلى عنها؟ ولا ندري اذا كان يعرف أن ترامب أصدر في 25 آذار 2019، قراراً باعتبار الجولان جزءاً من الدولة العبرية. ولكن ما يتسرب من كلام ستيفن ويتكوف، أن الرئيس السوري لا يستطيع الا أن يوقع باصابعه العشرة على معاهدة سلام، تبقي الجولان في قبضة نتنياهو، الذي يرى فيه السقف الصخري المقدس "لاسرائيل"؟

ملك يهودي على الشرق الأوسط. هذا هو المنطق الأميركي، وهو المنطق الالهي، دون أن يكون ممكناً لأي من دول المنطقة الرهان على روسيا، حيث الدببة القطبية في البيات الشتوي، ولا على الصين حيث يشاهد التنين يتجول في اسواق العالم، دون أن تعنيه في اي حال قضايا هذا العالم. لنتذكر ما يقوله السناتور الجمهوري لندسي غراهام حول "اسرائيل"، كضرورة وجودية للولايات المتحدة. كلام كثير حول التماهي الايديولوجي، وليس فقط التماهي الاستراتيجي بين واشنطن و"تل أبيب". وها أن صحيفة "هاآرتس" تكشف عن بناء الأميركيين منشآت عسكرية "لاسرائيل" بالمليارات.

هنا العودة الى السؤال الساذج اياه: هل يستطيع الايرانيون، الذي لا بد أن الحرب الأخيرة قد انتقلت بهم من اللغة الايديولوجية بالصيحات التي تهدد بازالة "اسرائيل"، الى اللغة البراغماتية، الوصول في مفاوضاتهم الصعبة والمعقدة مع واشنطن، الى خارطة طريق تفضي الى بلورة شيء ما يشبه "الخط الأميركي ـ الايراني" في الشرق الأوسط، بالرغم من رهان حكومات عربية ، اضافة الى الحكومة "الاسرائيلية"، على بقاء ايران تدور داخل حلقة مقفلة، ودون أي دور جيوسياسي في منطقة تشهد حالياً نوعاً من البلقنة بين تركيا والسعودية و"اسرائيل"، ودائماً تحت المظلة الأميركية، وداخل اللعبة الأميركية؟

الرئيس الايراني مسعود بزشكيان تحدث عن شكوك عميقة وبعيدة المدى بصدقية الرئيس الأميركي، وذلك أثناء مقابلة أجراها معه الصحافي الأميركي تاكر كارلسون، الذي سبق ورأى أن انخراط ترامب في مواجهة عسكرية مع ايران، قد يفضي الى انهيار الأمبراطورية الأميركية. وبطبيعة الحال ما يقال عبر الشاشات قد يكون مختلفا عما يقال عبر القنوات الديبلوماسية الناشطة هذه الأيام، في حين نلاحظ أن هناك باحثين أميركيين ينصحون بالتفاهم، وحتى بالتعاون مع الجمهورية الاسلامية، بالنظر لموقعها الجغرافي عند نقطة التقاطع بين الشرق الأوسط بامكاناته النفطية الهائلة، وببواباته البحرية الحساسة (مضيق هرمز، باب المندب، وقناة السويس، والشرق الأقصى) ، حيث المسرح الحتمي للصراع بين الأمبراطورية الأميركية والأمبراطورية الصينية، التي اذ حققت تلك الانجازات المذهلة في التكنولوجيا الاقتصادية، هي في الطريق الى تحقيق انجازات مذهلة في التكنولوجيا العسكرية.

هنا براعة المفاوض الايراني،الذي طالما دعونا الى اعتماده ديبلوماسية بائعي السجاد لا ديبلوماسية حائكي السجاد، ما يعني الخروج، ولو الخروج التكتيكي، من العباءة الايديولوجية، والتفاعل مع ديناميات القرن، لكيلا تكون ضحية لذلك النوع من التغيير، وانما لاعبا اساسيا في نوع آخر من التغيير...

الأكثر قراءة

بري الذي أذهل المبعوث الأميركي