اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

من ابرز المتابعين، لا بل المكتشفين لآثار مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي انطون سعاده، هو الدكتور الطبيب سليم مجاعص، الذي ومنذ سبعينات القرن الماضي، وضع امامه مهمة نشر ما كتبه سعاده، اضافة الى الاضاءة على وضعه الاسري، فاغنى المكتبة القومية الاجتماعية من المؤلفات لشتى المسائل التي عالجها سعاده.

وفي كتابه الاخير، يتطرق الدكتور مجاعص، وهو ابن بلدة الشوير مسقط رأس سعاده، الى موضوع هام وهو "انطون سعاده والمسألة النسوية"، فكان للمرأة دور كبير واساسي في مواكبة تأسيس الحزب، كما في تحمل المسؤوليات فيه ومشاركتها في النضال القومي الاجتماعي، كما في نشر العقيدة القومية الاجتماعية.

فالمرأة عند سعاده هي كالرجل، فلم يكن يطلب المساواة لها معه، بل كان يضعها على المستوى نفسه، واعتبرها كما الرجل طاقة في المجتمع، حيث وجه القوميين رجالاً ونساءً، على اعتبارهم امكانات نهضوية.

وانشأ سعاده للسيدات مديرية، وهي وحدة حزبية، وكلف منهن بمهام عديدة، حيث يكتب مجاعص في مؤلفه الجديد انه "اذا نظرنا في مجمل تراث انطون سعاده، وجدنا ان باكورة كتاباته حول المسألة النسوية، هي مراجعته لكتاب مي زيادة "المساواة" على صفحات جريدة "الجريدة" في سان باولو البرازيل في كانون الاول من سنة 1922، اي على اعتاب سنىته 19".

ففي عمر مبكر بدأ فكر سعاده يتفتح وينمو، وكانت قضيته المجتمع، فكتب عن ظواهر وعادات وتقاليد فيه بقصد التنوير والنهوض، حيث يشير مجاعص الى ان سعاده اراد في قصة "عيد صيدنايا ان يوثق لمظاهر تراثية من التقاليد والعادات السورية الجميلة بقالب قصصي".

وفي هذه القصة يقارب سعاده الموضوع النسوي من باب الاحتفال بجمالية بعض التقاليد التي تبرزها النسوة السوريات المسؤولات عن استمراريتها، فسعاده معجب بناحية تراثية مسؤولة عنها النساء، اي ملابس القرويات في الاعياد المتميز بين المناطق، والتي طرزتها ايدي النساء بمواضيع ورموز تشير الى اصولها المكانية والتاريخية.

ويعرض مجاعص في كتابه لموقف سعاده من السفور، فنقل عنه ما كتبه في اواخر كانون الثاني سنة 1931 فيقول سعاده في مقاله: "لا ازال اذكر ما قرأته منذ بضعة اشهر حين كنت لا ازال في المهجر، عن قيام الجهّال ذوي المشارب القديمة في دمشق، في وجه خطوة المرأة لتثبيت حقها الطبيعي في الحرية، واستعمال الارادة والارتقاء من حالة الانحطاط التي كانت عليه الى مرتبة الانسان، الذي له قيمة شخصية نظير سائر البشر المرتقين، راشين ماء الضفة على كل سيدة تحسر عن وجهها، لانها تريد ان تستعيض من انقيادها الاعمى الذي يعدم مداركها وخوفها الذي يشل ارادتها وعواطفها".

اما في موضوع المسألة النسوية من منظار الحركة القومية الاجتماعية، فان سعاده، كما يقول مجاعص "لم يضع نصاً واحداً مخصصاً يتناول المسألة النسوية بمثل التفصيل والتوسع المنشودين، فقد كانت مقاربته للمسائل ترتكز على ايضاح الاسس العامة لموقف الحركة القومية من شؤون الاجتماع وترك التفاصيل لاعوانه، وان تأخر هؤلاء كثيراً عن استخراجها".

وعن الانتماء الى الحزب، فان مجاعص يشير الى ان عبدالله قبرصي، وفي فترة العمل السري، في جلسة اداء يمين لمواطن ومواطنتين، طرح عليهما اسئلة ثم ترد في نفسه حول صلاح القسم الواحد للرجل والمرأة، فذهب الى سعاده، واتى منه بالجواب الآتي: "ان القسم وضع للحزب لكل طالب انتماء كانت امرأة او رجلاً، المساواة بين الجنسين مطلقة، لا فرق عندنا في الحقوق والواجبات بين الذكر والانثى".

وينقل مجاعص في كتابه، عن دور المرأة القومية الاجتماعية في الحزب والمجتمع، فيذكر ان جمال ناصيف كانت اول رفيقة تتسلم مسؤولية حربية ادارية، وهي ادارة مديرية السيدات الاولى في بيروت التي تأسست سنة 1937، وهي كانت عضواً في لجنة مالية لتأمين المال للحزب، وشاركها فيها كل من: حرية شمنق ارسلان، سميحة شمنق، نغم فاخوري، سلوى بدران واسما سلام.

ويذكر مجاعص ايضا، ان نجلا معتوق حداد كانت اول رفيقة تُمنح رتبة الامانة، وقد تعرفت الى الحزب عبر انيس فاخوري صديق عائلتها سنة 1935، حيث انشأت مديرية للسيدات في طرابلس.

ومن ضمن المهام التي تسلمتها سيدات في الحزب، كانت فايزة معلوف، وهي اول قومية في الوطن تتسلم مسؤولية منفذة عامة لمنفذية السيدات في بيروت.

وكتب مجاعص في المسألة النسوية عند سعاده، انه لم تقتصر معالجته على الناحيتين الحقوقية (على مستوى الامة) والصراعية (على مستوى الحزب)، بل تناولت معالجته مسألة قيم الحياة الجديدة، اي الناحية القيمية (على مستوى الفرد).

وناقش سعاده ما كانت تكتبه اديبات كمي زيادة التي ناصرها في قضيتها، وايضا مع سلمى الصايغ حيث اعتبرها سعاده قضية الاديبة زيادة، كما كتب مجاعص انها تشكل مأساة في رحلتها الى سورية نموذجاً حاجاً وقاسياً للتسلط الذكوري العدواني المقيت.

الكتاب، هو الاول الذي يكشف فيه الدكتور مجاعص عن المسألة النسوية عند انطون سعاده، الذي لم ير لزوماً ان توضع قضية المرأة في زاوية حقوقية فقط، بل هو ساواها في الحزب مع الرجل، وهو نظر اليها طاقة انسانية وفكرية، ولهذا لا يجب التفريق بينها وبين الرجل، ويجب رفض للاستبداد الذكوري.

* الكتاب من 100 صفحة – الحجم الكبير – صدر عن دار كتب – بيروت.


الأكثر قراءة

ماذا يجري في سجن رومية؟ تصفيات إسلاميّة ــ إسلاميّة أم أحداث فرديّة وصدف؟ معراب في دار الفتوى والبياضة في الديمان... شخصيّة لبنانيّة على خط واشنطن وطهران