اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لنعد الى نظرية المستشرق الألماني تيودور نولدكه، مؤلف "تاريخ القرآن"، "من يمسك بأبواب الشرق الأوسط كمن يمسك بأبواب العالم الآخر". ولطالما كانت المنطقة حلم الغزاة، من اقاصي آسيا الى أقاصي أوروبا (دون أن ننسى غزو أبرهة الحبشي لليمن). حلم الأباطرة ومقبرة الأباطرة. أحد قادة حملة نابليون بونابرت على مصر جاك ـ فرنسوا مينو قال "بالعين المجردة كنا نرى الأرواح الشريرة تنتظرنا على أرصفة المرفأ. في النهاية، اكتشفنا أنها أرصفة جهنم"...

دونالد ترامب لا يدّعي أنه يمتلك دماغاً استراتيجياً. رؤية عامودية للعالم، لذا عني ببناء الأبراج، لا رؤية أفقية (بانورامية)، تمكنه من صياغة علاقات سوية مع العالم. من غيره من رؤساء الولايات المتحدة اشاع ذلك النوع السريالي من الفوضى على امتداد الكرة الأرضية؟

هكذا يريد أن يجعل من غزة ريفييرا الشرق الأوسط. النائب الديمقراطي شري ثاندار علق بالقول "لا أحد مثلك يستطيع أن يحتسي الجعة فوق الجثث". لم يرف له جفن لرؤية الآلاف يسقطون بالقنابل الأميركية، وبقرار تنفيذي منه. لكن هذا ما يقتضيه الانتقال من المقبرة الى المنتجع. متى رأى عشاق الشرق في العرب سوى نسخة عن قبائل الهنود الحمر؟

ولكن هذه هي أميركا. منذ البداية حالة عقارية. ولايات تم شراؤها من الفرنسيين، ومن الانكليز، ومن الاسبان، حتى أن أندرو جاكسون اشترى، عام 1867، ولاية آلاسكا، بـالـ 3000 نهر، والـ 3000000 بحيرة، من القيصر ألكسندر الثاني، العائد منهكاً من حرب القرم. لولا هذه الصفقة لشاهدنا الدببة القطبية (أي الروس) على أرض أميركا الشماية. وعندما تفككت الأمبراطورية السوفياتية اتصل الملياردير اليهودي ميخائيل خودوركوفسكي بصديقه اليهودي الأميركي جورج سوروس، سائلاً ما اذا كان قد فكر بشراء الكرملين وتحويله الى كازينو.

ربما في تلك اللحظة بدأ خيال فلاديمير بوتين في العمل، وهو الذي قضى سنوات طويلة في الغرف السوداء (KGB )، في اتجاه اعادة بناء "روسيا المقدسة"، فلاديمير الأكبر على خطى بطرس الأكبر الذي كان يحلم بأن يضع قدميه في المياه الدافئة. ولكن من يعرف الآن ما مصير القاعدة الروسية في طرطوس، بعد اللقاء المثير في القصر الملكي السعودي بين دونالد ترامب وأحمد الشرع. أمركة سورية بعدما خطط رجب طيب اردوغان لتتريك سورية. وليكن معروفاً أن قرار الرئيس الأميركي برفع العقوبات عنها جاء بتمن من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لا من الرئيس التركي. الرياض تعرف أن الحاق سوريا بالحرملك العثماني، يستتبع الحاق المنطقة العربية ايضاً.

اللافت في هذا السياق قول قناة "فوكس نيوز" أن النتائج التي خرج بها ترامب من جولته الثلاثية، تؤدي الى تعزيز موقفه في المفاوضات مع آيات الله، مع أن القناة اياها كانت قد لاحظت ألاّ خيارأمام الايرانيين سوى الاتفاق، والا لن يجدوا موطئ قدم حتى لدجاجة في خارطة القوى في المنطقة، دون أن يعني ذلك اللجوء الى الخيارالعسكري. تكثيف الحصار يكفي لتفجير النظام.

من غير الواقعي النظر الى المشهد التفاوضي من هذه الزاوية. الأميركيون يدركون ما تعنيه البنية الحديدية للنظام، بالرغم من الاهتزازات التي تحدثها الضائقة الاقتصادية الخانقة، ومن تداعيات التأثيرات الايديولوجية على الحريات العامة. أي حرب لا يمكن أن تبقى محدودة، دون أن تمتد الى أمكنة أخرى، والى بلدان أخرى، في المنطقة.

هذا ما يدركه القادة الخليجيون الذين تتواجد على أراضيهم قواعد أميركية، أو مصالح أميركية. لاحظنا كيف أثنى دونالد ترامب على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لموقفه من الحرب، ومع اعتبار العلاقة الوثيقة، والبعيدة من الضوء، بين الدوحة وطهران. لاحروب، ولا حرائق. لكن الخطوط الحمراء التي حددتها تل أبيب للقبول بأي اتفاق (وهل قبولها ضروري؟) تعني ايران دولة منزوعة السلاح.

دائماً كان في تصور المخططين الاستراتيجيين الأميركيين أن الشرق الأوسط، بتضاريسه الغيبية، وبعلاقاته المعقدة، كالخاصرة (الأميركية) الرخوة في أي صراع أمبراطوري. هكذا رأينا كيف بادرت واشنطن الى اطلاق الطريق الهندي الذي يمتد، عبر الخليج، الى ضفاف المتوسط ـ تحديدا الى اسرائيل ـ مقابل الطريق الصيني الذي كان يعرف بطريق الحرير، وبتسمية جديدة "الحزام والطريق". هكذا رأت "النيويورك تايمز" حتمية الاشتباك بالأيدي بين براهما، وهو اله الخلق لدى الهندوس، وكونفوشيوس "النبي الصيني" الذي اذ رفض هذا اللقب، اقترب كثيراً من التوحيد.  

السناتور الجمهوري البارز لندسي غراهام كان قد توقف عند ديناميكية التقاطع (والتفاعل) الايديولوجي والاستراتيجي في العلاقات بين أميركا واسرائيل. ماذا اذا ما ازداد الدور السعودي تأثيرأ في المسرح الشرق أوسطي، بوجود الدورين التركي والايراني ؟ سؤال يطرحه معلقون اسرائيليون يرون الأن أن حكومة اليمين فعلت كل شيء لدفع الدولة العبرية الى المأزق. ولكن اذا تخلى ترامب عن نتنياهو هل يمكن له التخلي عن اسرائيل؟

شرق أوسط يتغير. السناتور بيرني ساندرز يرى حتمية التغيير في السياسة الاسرائيلية بوصول ثقافة الدم الى الحائط. بعد كل الذي رأيناه، ونراه، هل يتغير شكل الشيطان لكي يتغير شكل نتنياهو؟!

الأكثر قراءة

معركة بيروت: منافسة حامية بين 3 لوائح والتشطيب يهدد التمثيل المسيحي ما هو الرهان على زيارة أورتاغوس وماذا تحمل بعد جولة ترامب ؟ زحلة أم المعارك: «القوات» ضد تحالف حزبي وعائلي... والتيار الحر محايد