اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ما زال الجنون الإسرائيلي الاجرامي مستمراً على قدم وساق، مستهدفاً بشكل أساسي المدنيين في غزة، والذي يشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني، في ظل دعم غربي غير مسبوق لاستمرار التدمير، والتصاريح الأميركية والأوروبية بأن وقف إطلاق النار الآن ستستفيد منه حركة حماس فقط.

وبالتوازي، يسود التردد والفوضى خطط العدو بالدخول البري الى غزة، وما قد ينتج عنه من خسائر فادحة، ومن مخاطر فتح جبهات أخرى لن يستطيع جيش العدو، برغم الدعم الاستعراضي الأميركي، في التعامل معها ولا تحمل اختراقاً آخر في الجليل مشابه لما حصل في غلاف غزة في 7 أكتوبر.

ويترافق ذلك مع تظاهرات شعبية عارمة في كل أنحاء العالم، وكشف لمحاولات الإسرائيليين على التأثير على الاعلام العالمي. لكن وسائل التواصل الاجتماعي، برغم كل خوارزمياتها وانحيازاتها واجراءاتها العقابية على كل من يتعاطف مع فلسطين، تلعب دوراً كبيراً في نقل حقيقة ما يجري في غزة من قتل ومجازر وتدمير، وما يحصل داخل كيان العدو من خوف وتهجير وارتباك.

في هذه الأجواء، تقوم عدة دول، مثل قطر وتركيا ومصر وايران، بمحاولات استكشاف إمكانية للوصول الى اتفاق لوقف اطلاق النار، وما هي الشروط التي يمكن أن تؤدي الى ذلك، في ظل المأزق الإسرائيلي الذي رفع أهدافاً كبيرة لم يستطع تحقيق أي منها، مثل إزالة حماس من الوجود، وتنظيف غلاف غزة، وإعادة الأسرى.

وبدأ يتسرب موقف أميركي، بعد ثلاثة أسابيع من دعم القصف التدميري الممنهج، والحديث عن دعم الدخول البري الى غزة، يتضمن عدم الثقة الأميركي بخطة الدخول البري، ولا يرى أنها مضمونة النتائج. وزاد من هذا التوجه، الهجمات التمهيدية على الأهداف الأميركية في الشام والعراق، والمعركة المضبوطة التي تخوضها المقاومة في الجنوب اللبناني، والتي تؤشر الى الجهوزية لتوسيع ساحات المواجهة.

وكانت المواقف العربية، على ضعفها، التي تطالب في الأسابيع الماضية بوقف اطلاق النار، أو حتى بهدنة إنسانية، تواجه برفض غربي مطلق ومنحاز بالكامل الى حماس، ورفض فكرة وقف اطلاق النار، واعتبار ذلك تكريساً لهزيمة إسرائيل، التي ضربت أهم أسس كيانها العدواني، خاصة مقولة الجيش الذي لا يقهر، وتأمين الكيان للأمان والازدهار والحماية للمستوطنين، واستبدال شعار الأرض مقابل السلام، الذي قامت عليه المبادرة العربية وحل الدولتين، بشعار الأمن مقابل السلام. فأضحى الأمن مفقوداً في معظم مدن الكيان المحتل. وضرب الاقتصاد، بفعل فقدان الاستقرار، واستدعاء 300 الف من الاحتياط، هم بمعظمهم عاملون في المؤسسات الخاصة والعامة.

وشهدت الأيام الماضية، تراجعاً في السقوف الإسرائيلية، برغم تطرف اليمين الصهيوني، وبفعل الترجرج في الموقف الأميركي إزاء خريطة الطريق الإسرائيلية لحسم المعركة، والتغيرات التدريجية في المناخات الدولية، على الأقل على المستوى الشعبي. فبدأت السقوف العالية المشار اليها أعلاه، تشهد تشققات وتسريبات عن المفاوضات السرية جداً التي تقوم بها قطر ومصر وتركيا وغيرها.

اليوم، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن الحكومة الإسرائيلية أبلغت الوسطاء أنها مستعدة لدفع ثمن مقابل استعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة. وقالت إن "إسرائيل أبلغت الوسطاء من بينهم قطر ومصر، بأنها مستعدة للنظر في صفقة تبادل واسعة النطاق مع الفصائل الفلسطينية، في قطاع غزة، تشمل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس بغزة".

ورغم أن مسؤولين إسرائيليين بينهم نتنياهو وغالانت، يتوعدون بتنفيذ عملية برية في قطاع غزة، فإن عددا من التقارير الإعلامية أشارت إلى اقتراب إبرام صفقة بين الفصائل الفلسطينية بغزة وإسرائيل، تشمل وقفا لإطلاق النار. وبدأت التسريبات تقول أن الحكومة الإسرائيلية تضع شروطاً لوقف إطلاق النار، مثل ترحيل عدد من قادة حماس الى الخارج، أو كما ذكرت مجلة الايكونوميست: أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تفضل أن ترى السلطة الفلسطينية تعود وتسيطر على القطاع، دون الحديث عن مصير حماس.

في المقابل، تسرّب عن الوسطاء القطريين أن "حماس تطالب بنقل الوقود لغزة وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ووقف إطلاق نار، والأمور تقترب من لحظة النضج، وسنعرف قريباً إلى أين تتجه".

وبرأينا، وقبل أن نستعرض المواقف الدولية المرافقة لهذه المحاولات، فإن التفاوض، بحسب المعلومات الضئيلة المتوفرة، وتحليل الواقع، سيكون على مستويات ثلاثة:

1- الإجراءات الفورية المتبادلة السابقة لوقف إطلاق النار، مثل موضوع تبادل الأسرى، والمساعدات الإنسانية، ووقف التصعيد في الجبهات الأخرى، الخ. فيما تطرح بعض الدول وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، أو "هدنة إنسانية"، خاصة بعد المجازر الإسرائيلية المفتوحة دون أفق.

2- المرحلة المباشرة بعد وقف النار، لناحية تنظيم إدارة القطاع، ومساعي إعادة الحياة الطبيعية الى المناطق المدمرة في غزة، وإعادة النازحين الإسرائيليين الى مناطق غلاف غزة ومستوطنات شمال الجليل، وتأمين حشد من التمويل العربي خاصة لإعادة إعمار غزة، وربط ذلك بشروط معينة لجهة عودة السلطة أو تحديد دور حماس في المرحلة الانتقالية. كما تطالب حماس برفع الحصار عن قطاع غزة، من خلال فتح معبر رفح بشكل دائم، وإقرار تنفيذ المطار والمرفأ في القطاع، وهي مسائل تم البحث فيها في هدنة عام 2014، لكن إسرائيل لم تلتزم بأي منها.

3- المرحلة الطويلة الأمد: تبدأ من مشاريع إعادة الاعمار، وإعادة المفاوضات على حل الدولتين، برعاية دولية، مع ضمانات بعد تسويف إسرائيل لهذه العملية، خاصة بوجود مسائل شائكة، سواء التي تم تأجيلها في أوسلو مثل مصير القدس وحق العودة، أو لجهة التعامل مع ما استجد منذ أوسلو، خاصة بناء مستوطنات في الضفة لأكثر من 900 الف مستوطن يهودي.

4- ويتم كل ذلك بالتوازي مع العروض التي تحدثنا عنها في مقال سابق، بعنوان "ما وراء طوفان الأقصى" الى بقية الأطراف في محور المقاومة، وخاصة حزب الله، والشام وايران، مقابل عدم توسيع الحرب وفتح الجبهات الأخرى، والتي تم تحقيقها حتى الآن. وقالت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية إن جهات في محور المقاومة -لم تسمها- تسلمت رسالة أميركية تؤكد أنه لا نية لواشنطن بفتح جبهات جديدة.

وقد أعلنت فضائية الجزيرة اليوم الجمعة، ان هناك مفاوضات متسارعة للاتفاق على وقف إطلاق نار وإنجاز صفقة تبادل بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية.

وصرح مسؤولو حماس الذين يزورون موسكو اليوم، أنه "لن يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين قبل إعلان وقف إطلاق النار"، وأضافوا أن حوالي 50 أسيراً اسرائيلياً قتلوا في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة. وقالوا أن حماس أعلنت عن نيتها إطلاق سراح "الأسرى المدنيين" منذ الأيام الأولى للحرب، لكنها تحتاج إلى وقت للعثور على كل من انتهى بهم الأمر في قطاع غزة في 7 تشرين الأول.

وأعلن مصدر في المقاومة اللبنانية ان مفاوضات تجري بين عدة أطراف للتوصل لصيغة تفاهم حول بعض القضايا بما يخص التوصل لهدنة أو وقف اطلاق النار. واضاف المصدر انه في حال تم التوافق بين الأطراف سيتم الاعلان عنها بشكل رسمي عبر قيادة المقاومة في غزة.

وأوضح وزير الخارجية الإيراني، في كلمته خلال الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، البارحة (الخميس)، أنه ينبغي للعالم أن يدعم الإفراج عن 6 آلاف مسجون يقبعون في السجون الإسرائيلية مقابل الإفراج عن الأسرى لدى حماس. وأشار إلى أن بلاده لا ترحب بتوسيع نطاق الحرب في المنطقة، لافتا إلى أن الحل الشامل للقضية الفلسطينية يمكن فقط من خلال منح الشعب الفلسطيني حقه في إنشاء دولته. ولفت إلى أن إيران وقطر وتركيا مستعدة للمساهمة في إفراج حركة حماس عن الأسرى المدنيين، مشددا على أن أي نوع من التطبيع مع إسرائيل سيكون مصيره الفشل في ضوء الظروف الحالية. وأكد أنه "وفقا للقانون الدولي فإن حركة حماس تدافع ضد الاحتلال ولديها الحق الشرعي في ذلك، مشير إلى أن فلسطين باعتبارها دولة تقع تحت الاحتلال، فإن لديها الحق في تقرير المصير واتخاذ قرارات بشأن استقلالها وإنشاء حكومة مستقلة".

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "الهجمات على غزة تجاوزت حدود حق الدفاع عن النفس وتحولت إلى ظلم ومذبحة وهمجية سافرة".

كما تطالب روسيا بوقف فوري لإطلاق النار، وقام الرئيس الروسي بتذكير الأميركيين أن بوارجهم وحاملات طائراتهم في المتوسط هي في مرمى الصواريخ الروسية الفرط صوتية. وأدانت الصين الأعمال التي تستهدف المدنيين وانتهاك القانون الدولي، ودعت الأطراف إلى "وقف الصراع وحماية المدنيين". واستخدمت روسيا والصين الفيتو المزدوج أكثر من مرة في مجلس الأمن لتعطيل المقترحات الأميركية التي تجيز لإسرائيل باستمرار القتل. وحتى الأمين العام للأمم المتحدة، اضطر الى القول أن ما حصل في 7 أكتوبر لم يكن وليد اللحظة، بل سببه الاحتلال الإسرائيلي طيلة 75 عاماً، مما استدعى رداً اسرائيلياً مسعوراً يطالبه بالاستقالة.

الموقف الأميركي المترجرج:

إضافة الى الرسالة المشار اليها سابقاً التي تلقاها محور المقاومة، بأن أميركا لا ترغب بتوسيع المعركة الى جبهات أخرى، خاصة بعد العمليات التي استهدفت القواعد الأميركية في الشام والعراق، ومعركة المقاومة المضبوطة في جنوب لبنان، وبعد التصلب والتحيز الكبير الذي عبر عنه بايدن وبلينكن والقيادة الأميركية سابقاً، والدعم المعلن المطلق لإسرائيل ومحاولات تمرير قرارات في مجلس الأمن تشرعن العدوان، صرّح مسؤول أميركي اليوم أن واشنطن أبلغت "إسرائيل" عدم اقتناعها بخطة الدخول البري إلى غزة. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، إنهم "قد يناقشون وقف إطلاق النار في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعد إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس".

وهذا تراجع عن الموقف الأميركي السابق، الرافض لوقف إطلاق النار، كما عبّر منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، الذي قال "إن وقف إطلاق النار في غزة الآن يصب في صالح حركة المقاومة الإسلامية - حماس فقط". وتابع: "ما يمكنني قوله هو أننا سنواصل التأكد من أن إسرائيل تمتلك الأدوات والقدرات التي تحتاجها للدفاع عن نفسها، وسنستمر في محاولة إدخال هذه المساعدات الإنسانية، وسنواصل محاولة إخراج الرهائن والأشخاص من غزة بشكل مناسب".

وكان بايدن سابقاً ربط إدخال المساعدات الإنسانية بإطلاق جميع الأسرى عند حماس. ولما رفض الطلب، عاد وطالب بإطلاق الأسرى المدنيين. وعندما رفض الطلب أيضاً، طالب بالأسرى الأميركيين، الذين يصل عددهم الى 60 شخصاً. وعاد وقبل بإدخال المساعدات، مع بعض الشروط الإسرائيلية كرفض إدخال الوقود، مقابل إطلاق أسيرتين أميركيتين.

الخلاصة

من الواضح أنه لا مجال لكيان العدو للخروج من المأزق الحالي، الذي يؤجل فيه معركة الدخول البري الى غزة، بسبب الخوف من الخسائر الفادحة، وعدم تحقيق الأهداف، وخطر فتح جبهات أخرى نتيجة ذلك، سوى الذهاب الى مفاوضات سرية، تحقق له ولو مطلباً واحداً أو أكثر، مثل تحرير الأسرى، حتى لو كان الثمن وقف العدوان والتغاضي عن مسألة تدمير حماس، والعودة الى البحث في حل الدولتين، مع أن اليمين المتطرف الصهيوني الحاكم اليوم، يرفض هذا الحل، ويدعو الى تهجير الفلسطينيين في القطاع والضفة واراضي 1948، من أجل بناء الدولة اليهودية الصرفة. والأميركي يقول له أن وقف النار يحقق أيضاً الهدف الثاني أيضاً، وهو استعادة الأمن الى غلاف غزة.

في المقابل، وقف اطلاق النار بدون القضاء على حماس، يعطي الشعب الفلسطيني فرصة للملمة الجراح والتقاط الأنفاس ومحاولة إعادة الإعمار، والتحضير للمرحلة القادمة، فيما القوة العسكرية موجودة.

والأيام القادمة، التي قد يزيد الإسرائيلي خلالها من الدمار والقتل الجماعي في اللحظات الأخيرة قبل وقف اطلاق النار، كما فعل في كل الحروب الأخرى السابقة في غزة أو في حرب تموز 2006 في لبنان، ستحمل بلا شك مساعي ومفاوضات شاقة، تشبه تلك التي انتجب القرار 1701 في لبنان. فيما يحاول بعض اصحاب الرؤوس الحامية في جيش العدو تحقيق ولو تقدم جزئي برياً في بعض مناطق عزة المدمرة، لحفظ ماء الوجه واستعادة بعض من هيبة فقدها جيشهم. لكن مفاجآت المقاومة ستكون لها بالمرصاد.

الأكثر قراءة

مقايضة اوروبية للبنان في ملف النزوح: مليار يورو مقابل دور «الشرطي»؟ بلينكن يتأكد ان حرب غزة مرتبطة بحرب الشمال: اما صفقة مع حماس او حرب شاملة عصابة «التيك توك» جريمة منظمة… المتورطون 30 والضحايا عشرات القاصرين!