اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

حين زار أنتوني بلينكن "تل أبيب" غداة عملية طوفان الأقصى، قال "لم آت الى هنا كوزير للخارجية الأميركية فقط، وانما بصفتي يهودياً فرّ جده من القتل". اذ لا نعتقد أن موريس بلينكن فرّ من سديروت لا من كييف، هل ثمة من مبعوث ديبلوماسي لدولة ما في التاريخ أعلن صفته الدينية للجهة المضيفة؟

فات الرجل أن يعتمر القلنسوة اليهودية، دون أن نتخيل يوماً مبعوثاً أميركياً أو أوروبياً، يعتمر الكوفية العربية التي قال وليم كريستول أنها "لتغطية رؤوسهم الفارغة" .

من يستطيع أن يقنع بلينكن أن أدولف هتلر لا يتحدر من قريش؟ هو الذي يعلم أن مقابل كل يهودي سقط فوق أرض عربية، قتل ألف عربي. مع معرفتنا بأن الأميركيين لم يعترفوا بنا، يوماً ككائنات بشرية، وقد وصفوا مقاتلي حماس بـ"الحيوانات البشرية".

اذا أتانا الوزير الأميركي بصفته أميركياً، نعلم أن التراث السياسي والأخلاقي في بلاده قام على ابادة الهنود الحمر، واحراق قراهم (لم تكن هناك قاذفات مجنونة بل أحصنة مجنونة). واذا أتانا بصفته يهودياً، نعلم أن الارث التوراتي قام على تلك الهيستيريا الايديولوجية التي تقول بازالة الآخر. هذا العالم خلق لليهود فقط، الآخرون هم الرعاع، إما أن يقبلوا بالعبودية أو... الابادة!

قطعاً، لا يمكن أن نقصد كل اليهود. بينهم قامات انسانية فذة. باروخ سبينوزا، الفيلسوف اليهودي الذي دأبنا على العودة الى أقواله، لاحظ كيف أن "الحاخامات" لا يفرقون بين الطريق الى الله والطريق الى الشيطان. لا تحتاج المسألة الى باحث لاهوتي لنتبين الازدواجية في شخصية يهوه، الذي يجمع في هذه الشخصية بين الاله والشيطان.

هكذا نلاحظ في سفر يشوع بن سيراخ "الخير والشر، الحياة والموت، الفقر والغنى من عند الرب". وفي سفر التثنية "حيّ انا الى الأبد، سللت سيفي البارق، وأمسكت بالقضاء يدي، أزد نقمة على أضدادي، واجازي ببغضي، اسكر سهامي بدم، ويأكل سيفي لحماً بدم القتلى والسبايا ومن رؤوس قوات العدو". وها هواشعيا يقول عن الهه "أنا الرب وليس آخر، مصدر النور وخالق الظلمة، صانع السلام وخالق الشر. أنا صانع كل هذا"!

اذا كانت هذه مواصفات إلههم، لماذا يعترينا الذهول لما يفعله "الاسرائيليون" بالفلسطينيين، ومافعلوه باللبنانيين، وما فعلوه بالمصريين حين كانوا يطحنون الأسرى في سيناء بجنازير الدبابات ؟ ولكن الى اين يمكن أن تمضي بهم أوديسه الدم. في لبنان قهروا وتقهقروا، وفي غلاف غزة كانوا يسألون عن يهوه. لا منطق هنا سوى منطق القوة. لولا القوة لرأيناهم ينقلون عرب الجليل وعرب الجولان بالحاويات الى لبنان. هذه خطتهم على كل حال...

على حدودنا، أيها اللبنانيون الأعزاء، ذلك النوع من الوحوش الذين يبدون وقد خرجوا للتو من قاع جهنم، وهم يتمتعون بالتغطية الكاملة من أعظم أمبراطورية في التاريخ (لماذا ؟ حاولنا كثيراً فك هذا اللغز).

ولكن حتى داخل الاستبلشمانت في أميركا، ثمة من بدأ يشعر بهول ما يفعله "الاسرائيليون" في غزة. لكن مخالب "الحاخامات" في كل زاوية من البيت الأبيض، وفي كل زاوية من تلة الكابيتول. ألا يقول الأميركيون أنفسهم أن البشرية على وشك الدخول في ما بعد الزمن ؟ هذا ما اثار هلع اليوت أبرامز، الذي سأل اذا كان ذلك يعني احداث انقلاب في المفهوم الفلسفي للاستراتيجية الأميركية؟

لعلكم تابعتم لقاء أنتوني بلينكن مع عدد من وزراء الخارجية العرب. كنا نتمنى لو نصرخ ولو مرة واحدة في وجه أميركا، التي ما برحت، بالرغم من كل المذابح، تزوّد "الاسرائيليين" بأكثر الأسلحة هولاً، دون أن ندري لماذا التحقت الغواصة "أوهايو" بكل تلك الأهوال الأميركية، كما لو أننا عشية احتلال جديد للشرق الأوسط، بعد ذلك الكلام عن "الانحسار الأميركي" في اتجاه الشرق الأقصى.

ندرك ما هي التداعيات الكارثية (ما بعد الكارثية) للحرب، في ظروف داخلية واقليمية ودولية غير ملائمة لنا بأي حال من الأحوال. لكننا واثقون من أن هناك من يتقن ادارة التصعيد، وتحت عنوان... النار بالنار!

"الاسرائيلون" يعلمون ذلك. لكنهم يسندون ظهورهم الى الأرمادا الأميركية على مقربة من شواطئنا. باراك أوباما حذّر بايدن: "اياك والشرق الأوسط، أنه بوابة الجحيم".

الأكثر قراءة

ماذا يجري في سجن رومية؟ تصفيات إسلاميّة ــ إسلاميّة أم أحداث فرديّة وصدف؟ معراب في دار الفتوى والبياضة في الديمان... شخصيّة لبنانيّة على خط واشنطن وطهران