اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يعود الحديث عن القرى اللبنانية السبع الواقعة على الحدود الجنوبية وشرقها، على شكل حرف Z ،  كونها سُلخت عن لبنان، وأُلحقت بفلسطين التي أصبحت محتلّة من قبل العدو الإسرائيلي منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا، في ظلّ الحرب على غزّة والمواجهات العسكرية الدائرة في المنطقة الجنوبية بين حزب الله و"إسرائيل"، والحديث عن إعادة رسم المنطقة، وعن ضرورة قيام لبنان بتحديد أو إظهار حدوده البريّة الجنوبية. وتقول المعلومات بأنّه يوم أعلن رئيس الجمهورية الشهيد بشير الجميّل أنّ مساحة لبنان هي 10452 كلم2، ذكر حينها أنّ هذه المساحة تشمل القرى اللبنانية السبع. وعشية الإنسحاب "الإسرائيلي" من جنوب لبنان في العام 2000، أعلن حزب الله أنّه سيعترف بالإنسحاب "الإسرائيلي" ليس إذا شمل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر فقط، إنّما إذا تضمّن أيضاً القرى السبع. فما هي حقيقة هذه القرى وهل يُمكن للبنان أن يعود للمطالبة بها، بعد أن غيّرت الإتفاقيات الدولية تاريخها، وقام "الإسرائيليون" ببناء قرى ملاصقة لها حملت أسماء جديدة لإخفاء وجودها ومعالمها الجغرافية؟!

تقع القرى السبع في جنوب الحدود اللبنانية، وتمتد من شرقها نزولاً بشكل سلسلة مترابطة من الأراضي الجبلية والهضاب المنتظمة، وتبدأ من إبل القمح (القريبة من بلدة الخيام)، تليها هونين ثمّ قّدّس، النبي يوشع، مروراً بالمالكية، صالحة، وتنتهي بطربيخا في محاذاة عيتا الشعب، وتبلغ مساحتها 74221 دونم. ويقول السفير الدكتور بسّام النعماني المتابع لقضايا الحدود والإتفاقيات الدولية، بأنّه "منذ إلحاقها بفلسطين في العام 1923، 5 قرى منها باتت تقع في سهل الحولة، وقريتان في الجليل الأعلى في أقصى شمال فلسطين المحاذية للحدود اللبنانية".

ويشير الى أنّ قضية القرى السبع كانت منقسمة الى قسمين:

1- تجنيس فلسطينيي القرى السبع بعد أن تهجروا في العام 1948، لأنه سبق وأن استحصلوا على الجنسية اللبنانية بعد الإتفاقية الحدودية الأولى في 23/12/1920، والتي وضعت القرى السبع داخل لبنان. وعادوا واضطروا لتبديل الجنسية اللبنانية بالجنسية الفلسطينية بعد نحو عام ونصف ، بعد توقيع إتفاقية "بوليه- نيوكومب" في آذار 1923، والتي وضعت القرى السبع خارج لبنان. ومع أن معظم أهاليها من الطائفة الشيعية كما هو معروف، فلم يتم تجنسيهم إلا في قانون الجنسية الشهير أيام رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري والوزير بشارة مرهج. فالموقف اللبناني والعربي بشكل عام كان يرفض تجنيس اللاجئين الفلسطينين لكي لا تضيع قضيتهم.

ولاحقاً، تبنى لبنان موقفاً عاماً بعد أحداث العام 1975 وما تلاها، بعدم التجنيس لان ذلك يعني "التوطين"، وما يستتبعه من خلل في التوازن الداخلي الطائفي وإضاعة القضية الفلسطينية نفسها.

2- القسم الثاني من قضية القرى السبع، هو أراضي هذه القرى وملكيتها. فبعد إنشاء دولة "إسرائيل"، لم تعترف الدول العربية بها ولم تعتبر أنّها "الوريث الشرعي" لفلسطين "المنتدبة". فالعدو الإسرائيلي كان يعتبر أن نتائج حرب العام 1948 جعلت الأردن تضع يدها على القدس والضفة الغربية، ومصر على غزة، وسوريا على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا. وأن كل هذه المناطق كانت جزءاً من فلسطين المنتدبة، وأن "وعد بلفور" قد وضع كل فلسطين كوطن قومي لصالح الحركة الصهيونية، وأن غزة والضفة وضفاف بحيرة طبريا تابعة له، ويجب أن تنقل إلى سيطرة العدو الإسرائيلي بأي طريقة حتى عن طريق الحرب.

ولا بدّ في هذا النطاق، من الإشارة الى أنّ أهالي القرى السبع كانوا يثيرون موضوع أراضيهم وضرورة أن تعمل الدولة اللبنانية على استرجاعها بالطرق الديبلوماسية والقانونية، خصوصاً وأنها كانت جزءاً من الأراضي اللبنانية. كما أن لبنان والدول العربية يعتبرون أنّ "إسرائيل" كيان مصطنع ومغتصب وأنهما، أي لبنان والدول العربية، لا يزالان في حالة حرب معها، وأن القرى السبع بالتالي يجب أن تكون بمنطق التاريخ "أراض لبنانية". هذه المواقف طبعاً أثارت موضوع: لماذا كانت إتفاقية العام 1920 الحدودية قد وضعت القرى السبع في الأراضي اللبنانية؟ ولماذا في إتفاقية "بوليه- نيوكومب" في العام 1923 جرى تعديل الحدود، بحيث نقلت القرى السبع إلى فلسطين الإنتداب؟

وتفيد المعلومات في هذا الإطار، بأنّه عندما أعلن المندوب الفرنسي هنري غورو آنذاك دولة لبنان الكبير في العام 1920، طالب بأن يُصار الى إدخال القرى السبع (التي هي بغالبيتها من الشيعة) ضمن الحدود اللبنانية، كونها تنتمي للأراضي اللبنانية بصورة طبيعية. وقال بأنّه إذا لم يتمكّن فريق الترسيم من إدخال القرى المذكورة ضمن الأراضي اللبنانية، فمن الأفضل إبقاء بعض القرى الأخرى داخل المساحة المنتدبة من بريطانيا، لكي لا تبقى قرية أو أكثر لوحدها. وما حصل أنّه عندما بدأت لجنة ترسيم الحدود عملها، نفّذت الترسيم بصورة مغايرة لما جرى التوافق عليه، بسبب مصالح شخصية، فأزاحت الخط الحدودي شمالاً، ما جعل قرى عديدة من داخل الحدود اللبنانية تنتقل الى فلسطين.

ومع أن الدعاية قد أحاطت بالقرى السبع، على ما تابع النعماني، فإن عدد القرى الإجمالي الذي انتقل إلى فلسطين المنتدبة في العام 1923، كان 24 بلدة وقرية: 12 ذات عائلات سنية، 3 مسيحية (المارونية منها كفر برعم والمنصورة، وبلدة إكريت ذات الروم الكاثوليك)، وبلدة البصا التي توزعت فيها عائلات سنية وروم كاثوليك. وكانت إبل القمح موزعة بين عائلات شيعية وعائلات روم كاثوليك. كما أن مستعمرتي المطلة وكفر جلعادي كانت داخل الأراضي اللبنانية في إتفاقية العام 1920 الحدودية.

وعن وضع هذه القرى السبع اليوم، أوضح السفير النعماني أنّ قرية المالكية هي الوحيدة من بينها التي جرى التعمير فوق أنقاضها، واستُبدل إسمها ليُصبح "ماليكاه" (باللغة العبرية). فيما بُنيت بقية المستعمرات الصهيونية بالقرب من القرى الأخرى، وحملت أسماء جديدة هي: "يوفال"، "مرغليوت"، "يفتاح"، "رموت نفتالي"، "ماليكاه"، "أفيفيم" و"شومرا". وأصبحت القرى اللبنانية السبع مهجورة بمعظمها (فيما كان تعدادها السكاني يصل الى نحو 4500 نسمة)، لأنّها غير موجودة على "الخرائط الإسرائيلية". ولم يبقَ منها سوى "ماليكاه" التي بُنيت على أنقاض المالكية اللبنانية.

وشرح النعماني بأنّه "حصلت معارك على هذه القرى من قبل الجيش اللبناني في حرب العام 1948، لأنه كان لها موقع إستراتيجي لإبقاء خطوط التموين مفتوحة لجيش الإنقاذ العربي، تحت قيادة فوزي القاوقجي الذي كان قد إنتشر في الجليل الأعلى. وكانت المالكية تقع على إحدى خطوط الإمدادات والتموينات التي تأتي إليه من سوريا ولبنان. ولكنها إنتقلت في العام 1923 من لبنان إلى فلسطين، بعد أن كانت في العام 1920 ضمن الأراضي اللبنانية.

وتكتسب هذه القرى أهميتها، وفق النعماني، كونها تقع على تماس مع الحدود اللبنانية ولا يتجاوز بعدها عنها سوى مئات الأمتار، إلا في حالة "النبي يوشع" التي تبعد عنها نحو1،5 كيلومتراً.

وعن إمكانية مطالبة لبنان باستعادتها خلال عملية "تثبيت الحدود البريّة" المقبلة، يجيب: "لا أظن أن هنالك ملفا قانونيا متكاملا عن الموضوع مثلما هو مع مزارع شبعا. هنالك عراضات ومواقف سياسية، ولكن يُمكن ان تقوم الحكومة اللبنانية بتبني قضية أن أهالي القرى السبع، الذين هم الآن مواطنون لبنانيون، لديهم أملاك في فلسطين إستولى عليها الصهاينة عنوة.  وعليهم عندها، إمّا إعادتها لهم، أي للبنان، أو التعويض عليهم".



الأكثر قراءة

ماذا يجري في سجن رومية؟ تصفيات إسلاميّة ــ إسلاميّة أم أحداث فرديّة وصدف؟ معراب في دار الفتوى والبياضة في الديمان... شخصيّة لبنانيّة على خط واشنطن وطهران