اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ما دمنا في نظام طوائفي، ولا مجال البتة للانتقال من مفهوم الطائفة الى مفهوم الدولة، في ظل تلك المنظومة الفذة اتي بنت وجودها، وثرواتها، وديكتانورياتها، على الاثارة الغرائزية. تورا بورا، ولكن بربطات العنق الفاخرة وبالمواكب الملكية...

من الطبيعي أن يكون بيننا، ونحن بلد التنوع (وبلد التفاعل) تباين في الثقافات، وتباين في الرؤى. المشكلة في كوننا بلد اللاحقيقة لكأن صراعنا مع اسرائيل (وهو صراع وجودي) صراع الشيعة، لا صراع اللبنانيين.

لنقرأ ما كتبه حول "اسرائيل" مفكرون، وسياسيون، وأكاديميون، مثل أنطون سعادة، وميشال شيحا، وموريس الجميّل، وميشال ادة، واسعد داغر، وكميل شمعون (فتى العروبة الأغرّ)، وصولاً الى شارل مالك الذي يعتبره "السياديون" مرشدهم الروحي والفلسفي، ودون أن يكون بين كل تلك الأسماء اسم شيعي واحد.

في عام 1949، قال شارل مالك "كل ما حصل الآن في فلسطين، وفي صدد فلسطين، ليس سوى البداية. الخاتمة اما بمحق العالم العربي (وهذا ما تدعو اليه صلوات الحاخامات)، واستعماره من قبل اليهود، أو نهوضه مجدداً، عالماً يليق بالعصر، وشريكاً للحضارات الحية في صياغة القيم، وفي صيانتها، ومهما يكن من أمر، المؤشرات تدل على أن المستقبل القريب سيكون أكثر تلبداً من الحاضر، وأكثر خطراً من الماضي".

وقال "العهد الاسرائيلي في المنطقة سيكون أكثر سوداوية بكثير". عن لبنان "ثمة خطر أن يعقد، في الخفاء، اتفاق بين اسرائيل وبعض اللبنانيين القصيري النظر، فيقومون بانقلاب موال لها، ما يفضي الى فوضى، ثم الى تدخّل سوري. تالياً، حرب أخرى لن يكون لبنان فيها رابحاً بأي شكل من الأشكال".

لكن قصيري النظر موجودون بيننا الآن. كل ما شاهدوه من بربرية تفوق التصور، لم يفقهوا ما هي اسرائيل، ومن هم الاسرائيليون، وأي خطر يشكلون على المنطقة، وعلى لبنان تحديداً، اذا لم تكن هناك قوة تبقيهم على الجانب الآخر من الخط الأزرق.

كل تركيز أولئك الذين تحدث عنهم شارل مالك، قبل 74 عاماً، لا قضية لهم سوى الحملة الأوركسترالية على "حزب الله". والبحث مع "القناصل"، ومع أجهزة الاستخبارات، حول طريق حصار الحزب أو ازالته.

هكذا تتحول القضية من قضية وطنية الى قضية طائفية (أجل طائفية). مصدر موثوق به جداً نقل الينا ما قاله رئيس أحد الأحزاب للسفيرة دوروثي شي "مثلما تم ترحيل الفلسطينيين من شمال غزة الى جنوب غزة، لا سبيل لانقاذ لبنان الا بترحيل الشيعة من جنوب لبنان، لا الى شمال لبنان، وانما الى جنوب العراق، أو الى جنوب ايران".

ماذا لو كانت أي طائفة أخرى، ومنذ عام 1948 وحتى الآن، على تخوم اسرائيل، وعانت ما عاناه الشيعة طوال تلك السنوات، ودون وجود الحد الأدنى من الدولة لتؤمن لها الحد الأدنى من الحماية.

بعيداً عن أي تفكير طائفي، وهو التفكير المدمر لكل خطوة في اتجاه المستقبل، محاولة لاضاءة بعض الحقيقة حول الوضع في الجنوب اللبناني. هل "حزب الله" من وقّع اتفاق القاهرة (1969 ) الذي به بدأت النكبة اللبنانية، حين جرى تسليم مفاتيح المنطقة، بل مفاتيح لبنان لياسر عرفات الذي لم نكن نعرف ما اذا كانت "اسرائيل" عدوته أم كان لبنان عدوه...

وهل "حزب الله" من نثر الورود على دبابات آرييل شارون، بتلك الحمولة الايديولوجية التي تعود الى ما قبل التاريخ، وهي تتجه الى القصر الجمهوري ؟

ثم من يستطيع أن يبرر لنا بقاء "اسرائيل" مدة 18 عاماً في الجنوب بعدما تم ترحيل عرفات ورجاله، ليدخل الجنوبيون في الأهوال ؟ التنكيل المادي والمعنوي، والقتل والتدمير المنهجي، بكل تلك الهمجية التي نرصدها اليوم...

لا مفهوم للدولة، ولا مفهوم للوطن. كل ابوابنا مشرعة على الاحتمالات الخارجية. صحيح لا حرب. اللبنانيون مبعثرون، والعرب مبعثرون، ودون أي بارقة ببناء دولة قابلة لاختراق العصر. في هذه الحال من يحمي لينان اذا كان الجيش أمام تلك الأزمة القاتلة ؟

لبنان بين بربريتين، البربرية العسكرية من الخارج، والبربرية الطائفية في الداخل. نحن في حالة "اللادولة"، من المنطقي أن نحمل كلنا البنادق، بدل أكياس الرمل بين الشارع والشارع، وبين الغرفة والغرفة ؟ لا هذا النظام، ولا هذه المنظومة، لحماية لبنان، وأهل لبنان...


الأكثر قراءة

ماذا يجري في سجن رومية؟ تصفيات إسلاميّة ــ إسلاميّة أم أحداث فرديّة وصدف؟ معراب في دار الفتوى والبياضة في الديمان... شخصيّة لبنانيّة على خط واشنطن وطهران