اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لماذا الغموض الحكومي في التعامل مع صندوق النقد الدولي؟


تعيش منطقة الشرق الأوسط هاجس حرب إقليمية قد تندلع بين لحظة وأخرى. وما وجود الغواصة النووية الأميركية وحاملات الطائرات الأميركية والبريطانية، مع ما يرافقها من بوارج حربية، إلا دليل جدّي على المخاوف من إنفلات الحرب القائمة حاليًا في فلسطين المُحتلّة، وشمولها دولًا أخرى مثل لبنان وإيران واليمن والعراق.

الحرب بحدّ ذاتها عدوة الإقتصاد. وهذا الأمر ليس بسرٍ على أحد، إذ أن الحرب تُعطّل النشاط الإقتصادي بكل جوانبه وتُبقيه على حدّه الأدنى، أي تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين من أكل وشرب وإستشفاء. إلا أن الأخطر في الحروب هو غياب الإستثمارات التي تؤدّي إلى شلّ الإقتصاد، خصوصًا إذا كان يعتمد في تمويله على الأسواق المالية ، كما هي حال اقتصاد العدو الإسرائيلي الذي تكبّد خسائر ضخمة وفادحة في وقت قصير، اي منذ 7 تشرين الأول من هذا العام وحتى الساعة أكثر من 50 مليار دولار أميركي، وهذا الرقم الى تزايد نظرًا إلى أن الحرب ما زالت مُستمرّة والخسائر تزداد يومًا بعد يوم. بالطبع لن نغوص في ظل هذا المقال في سيناريو عسكري حيث تُصبح المواجهة إقليمية، نظرًا إلى أن هذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق وسيؤدّي إلى دمار كبير قد يؤثّر (إقتصاديًا) على المنطقة لعقودٍ طويلة.

في المقابل، الإقتصاد اللبناني لا يمتلك هيكلية سليمة، فهذا الإقتصاد يفتقد إلى البنى التحتية وإلى الإستثمارات والحوكمة الرشيدة والأهم الثبات السياسي والأمني، وكلها عناصر أساسية في الإقتصادات القوية. وحتى الساعة الإقتصاد اللبناني لا يُنتج التكنولوجيا ولا يستخدمها في عملية الإنتاج كما يحصل في الإقتصادات المُتطورة، كما أن الموارد الإقتصادية غير مُستخدمة بفعّالية على مثال الأملاك البحرية والنهرية. وبالتالي ونتيجة الأزمة المالية الحالية، هبط الناتج المحلّي الإجمالي من 54 مليار دولار أميركي في العام 2019 إلى أقل من 20 مليار دولار أميركي حاليًا ، وهو ما يعني أنه فقد أكثر من نصف حجمه. خسائر الإقتصاد اللبناني (غير المُنخرط بالكامل في هذا الصراع) ما زالت محدودة وتقتصر بقسم كبير على أهل الجنوب من باب خسائر الدمار الناتج عن «القصف الإسرائيلي» ومواسم الحصاد لأهل الجنوب (التبغ مثلاً). ولكن بفرضية إنخراط كامل، فإن الخسائر قد تصل إلى أكثر من 25 مليار دولار أميركي ستكون بالدرجة الأولى خسائر في البنى التحتية.

إنفتاح الإقتصاد اللبناني على الإقتصاد العالمي قد يؤدّي إلى إعطاء الزخم له شرط أن يكون هناك ثبات أمني وسياسي. وبالتالي، نطرح السؤال: على أي أساس تطلب حكومة تصريف الاعمال مساعدة صندوق النقد الدولي؟ هل يُمكنها وقف التهريب عبر الحدود؟ هل يُمكنها لجم الفساد المُستشري؟ هل ستضرب بيد من حديد في حال كان هناك صراع مسلح أو مواجهة بين المكونات اللبنانية؟ أم أن الهدف هو فقط إرضاء صندوق النقد الدولي على الورق للحصول على القرض وبعد عدّة سنوات نُعيد الكرّة؟ وكيف يُمكن للحكومة أن تضمن ثباتا أمنيا وسياسيا لصندوق النقد الدولي الذي يشترط فتح الإقتصاد اللبناني على التجارة العالمية (ببعديها الإستثمارات وتجارة السلع والخدمات)، والكل يعلم أن لبنان يعيش منذ نشأته حالة من عدم الثبات السياسي والأمني، تارة لأسباب طائفية وتارة أخرى لأسباب سلطة ونفوذ؟

وفي نظرة إلى ما يحصل على الصعيد الحكومي فيما يخص التعامل مع صندوق النقد الدولي، نرى أن الحكومة تقوم بطرح مشاريع قوانين، وتقول أن هذه المشاريع هي مطالب صندوق النقد الدولي من دون مصارحة واضحة وشفافة للرأي العام فيما يخصّ النقاط التي يتم البحث فيها، خصوصًا الشق المُتعلّق بالفترة الإنتقالية والطريق التي سيسلكها الإقتصاد في هذه المرحلة. فعلى سبيل المثال، طُرح أكثر من عشرة مشاريع لقانون الكابيتال كونترول، وكل مرّة كانت الحكومة تقول أنها أخذت موافقة صندوق النقد الدولي على المشروع!

المنهجية المُتبعة في التعاطي مع صندوق النقد الدولي لا تتبع منطقًا واضحًا. فعلى الرغم من مطالبة الصندوق لعدّة قوانين لإقرارها (وهذا حاجة للبنان)، نرى أن تسلسل القوانين غير منطقي. فكيف يُمكن إقرار قوانين فرعية قبل إقرار خطّة التعافي التي حتى الساعة يرفضها قسم كبير من النواب، وخصوصًا الجزء المُتعلّق بأموال المودعين؟ وكيف يُمكن إقرار قانون موازنة من دون حلّ مُشكلة الدين العام؟ وكيف يُمكن دفع النمو الإقتصادي وتحفيزه من دون إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإقرار قانون الكابيتال كونترول؟ وكيف يُمكن القيام بكل هذا والتهريب الجمركي، والتهرب الضريبي قائم على قدمٍ وساق – أي لا سيادة مالية للدوّلة؟

إن كل ما تقترحه الحكومة سيبقى حبرًا على ورق من دون منهجية واضحة للرأي العام. حتى إقرار موازنة العام 2024 إذا حصل (سواء في المجلس النيابي أو بمرسوم تشريعي)، لن يُنفّذ لأن أساس المُشكلة – أي الدين العام والفساد – لم يُعالج بعد.

وبالتالي نختم بالقول إن مسؤولية التعاطي مع صندوق النقد الدولي هي مسؤولية كبيرة، خصوصًا بعد ما رأينا من طروحات لشطب الديون السيادية الداخلية وتداعياتها على أموال المودعين. لذا من غير المنطقي أن تنفرد حكومة تصريف الأعمال – غير المسؤولة أمام المجلس النيابي – في وضع قوانين وقرارات لها تداعيات بهذا الحجم على الشعب اللبناني وعلى الإقتصاد اللبناني. من هذا المُنطلق، يتوجّب على حكومة تصريف الاعمال أن تعمد إلى تغيير منهجية عملها فيما يخص التعاطي بموضوع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتكون أكثر صراحة مع الشعب اللبناني فيما يخص هذه المرحلة المصيرية من تاريخه.

الأكثر قراءة

سيجورنيه يُحذر: من دون رئيس لا مكان للبنان على طاولة المفاوضات الورقة الفرنسيّة لـ«اليوم التالي» قيد الإعداد حماس تؤكد: لا اتفاق من دون وقف نهائي لإطلاق النار!