اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في القرن الواحد والعشرين الذي يسود فيه أحفاد الثورة الأميركية والثورة الفرنسية والثورة الصينية والثورة الماركسية اللينينية هذه الثورات التي تعرضت لندوب وتراجعات، تطل دولة العدو بأبشع وجوهها، فبعد أن كرّست وجهها المجرم في معاركها في سورية الطبيعية وآخرها معركةغزة، كرّست طبيعتها المتوحشة المتناقضة مع القيم الإنسانية والقوانين الدولية في التعامل بموضوع تبادل الأسرى.

ليس خافيا على أحد أن بعض ورثة الذين أحدثوا الثورات تعاطفوا وما زالوا يتعاطفون مع دولة الاحتلال بطريقة ما، وأن بعضهم أشرف على قيامها، ويكفي أن نقول إنهم في سياساتهم يساوون بين المغتصب وصاحب الأرض، ويغضون الطرف عن أفعال هذا الوحش الذي خرج من أرحام معظمهم.

اليوم بالذات خرس العالم، وليس العالم السياسي فقط بل عالم المثقفين المتصهينين، عالم المناقب، عالم المنظمات الإنسانية وعالم القيم الأخلاقية، خرس ليس لأنه أُصيب بصدمة بل لأنه عاجز عن تغطية أفعال ربيبته دولة العدو في فلسطين خرس لأنه شاهد انفجار الشوارع.

أوضح خروج الأسيرات من غزة ومعتقلات العدو الصور الحقيقية لشعبنا ولجمعهم الذي هو حاصل تفاهات هذا الغرب اللعين، فعندما خرجت الأسيرتان أول مرة وهما تبتسمان إنغاظ جيش العدو وصمت، وعندما خرجت الأسيرة بوشيفيد ليفشتس منذ عدة أيام وصرّحت عن حسن التعامل والاهتمام من قبل المقاومة انزعجت دولة العدو وطلبت منها تغيير كلامها فرفضت ورفض نجلها، وهذا موقف يسجل لهما لأنهما رفضا خديعة دولة العدو الذي يستعملها دائما لتجييش الشعوب الغربية على سكان فلسطين.

ما حصل في تبادل الأسرى الأخير لا يلفت النظر فقط بل يُدلّل عن طبيعة شعبنا وطبيعتهم.

باي باي مايا، ابتسمت له ولوحت بيدها وكأنها تودع شقيقا أو صديقا أو حبيبا على أمل اللقاء، هذا نموذح عن حال أسراهم.

يكفي أن تلتفت الى منظر أسراهم وهم يخرجون من السيارات النظيفة الجديدة -التي أكدت أنهم مهما دمروا فإن فائض الحياة في شعبنا حاضر ليقدم مستلزمات أي حدث بأبهى الصور- إلى سيارات الإسعاف وحولهم شباب المقاومة بلباسهم العسكري يهتمون بهم يساعدونهم يرافقونهم يربتون على أكتافهم، الى ابتسامات الأسرى الى نظراتهم الى صفاء وجوههم الى الاطمئنان الذي يرافق حركاتهم الذي يشير وكأنهم لم يكونوا في أسر بل كانوا في ضيافة من استضافهم وقدم لهم كل مستلزمات الراحة، وعندما تسلمتهم دولة العدو طلبت منهم عدم التصريح عدم الكلام عدم الظهور الإعلامي، طلبت منهم الصمت الى حين تأذن لهم بالكلام حيث تكون استطاعت فبركة أحاديث وأقوال تكتبها وتخرجها بالصيغة التي تريدها وتحدد زمن إطلاقها، أنها لدولة مارقة، دولة لا شبيه لها منذ خرج الانسان من المغاور واجتمع حول النار ونطق وبدأ يتلمس حياة الجماعة الى يومنا الحاضر.

الاسرى يلوحون بأيديهم للمقاومين مبتسمين، وكأنهم يودعون أقارب أو أحبة لهم، كأنهم لم يكونوا في أسر ولا في حجز حرية بل كانوا بزيارة يتمنون تكرارها إن سنحت الظروف.

نقلب الصفحة وننظر الى ما تفعله هذه الدولة المارقة التي جنّ جنونها قبل إطلاق سراح أسرانا والتي أذاقتهم المرارة خلال فترة سجنهم، هذه الدولة التي يصح فيها القول إنها إدارة سجن متمردة على القيم الإنسانية، وقيادة جيش لا يعرف سوى القتل والهدم والدمار ولا أي شيء آخر، نعم دولة العدو إدارة سجن وقيادة جيش من المرتزقة فقط.

لأنها دولة مارقة كلّفت عسكرها مداهمة منازل المفرج عنهم وصادرت كل أنواع الضيافة ومنها ضيافة القهوة وفرضت على الأهالي عدم الاحتفال بعودة أسراهم، وإلا ستعيدهم الى السجن، منعت التجمعات أمام المنازل وداخلها ولو استطاعت أن تمنع المصافحة ما كانت تأخرت أبدا.

لأنها إدارة سجن وظيفتها الاجرام، مارست على الأسرى كل أنواع العذاب، واستطاعت ان تعطب بعضهم ممن كان مريضا عُطبا دائما، أقول مريضا لأنها من المستحيل ان تكسر إرادة أسير سليم الجسم والعقل، وتباهت بهمجية أفعالها أمام الدول الكبرى والمنظمات الإنسانية دون أن تتعرض للسؤال والإدانة، فكم من الأسرى الذين فقدوا بصرهم أو فقدوا سمعهم أو أي جزء من جسدهم نتيجة لقساوة العذاب والتنكيل.

فها هم يقطعون أصابع الأسيرة إسراء عن سابق تصميم وتصور، ليمنعوا عنها التعبير بالكتابة، ولم يكونوا يعلمون ان اسراء بأسنانها تكتب بكف يدها تكتب بأصابع رجليها تكتب وفاجأتهم بأنها أصدرت كتابها الأول وهي تعد العدة لإصدار كتابها الثاني.

إسراء السيدة الجميلة تخرج من السحن بتشويه سبعين في المئة من جسدها ويظهر ذلك جليا على وجهها، تعود الى عائلتها بإرادة من تريد للحياة أن تكون أجمل.

ها هي هذه الدولة المارقة تُفرج عن الأسير باسل عيايدة الذي قضى ستة أعوام في العزل الانفرادي وقد تعرض للتعذيب الشديد مما أدى الى فقدانه الذاكره.

تُفرج دولة العدو عن الأسرى وهي مرعوبة خائفة، تضع عليهم شروطا قاسية، يرافقها شعور الخسارة والخضوع لشروط المقاومة، يظهر جنودها بقرب الأسرى وكأنهم مرتزقة يشعرون بالدونية أمام الأسرى الذين تشمخ رؤوسهم الى فوق باعتزاز وكرامة.

لقد انتصرت المقاومة مرتين، الأولى عندما أجبرت العدو على القبول بالإفراج عن المعتقلين والثانية حين ظهرت المقاومة عند تسليم الأسرى بمظهر الدولة المحترمة التي تعرف القوانين الدولية وتعرف القيم الإنسانية بينما ظهرت دولة العدو بمظهر الدولة المارقة الخارجة عن القوانين الدولية، دولة العصابة، دولة الاغتصاب العاصية على تطبيق القوانين الإنسانية والأخلاقية، ظهر عسكرها جنب الأسرى وكأنهم من العصابات التي تتعاطى كل أنواع التهريب.

أصبح العالم بعد طوفان الأقصى وإقرار الهدنة الإنسانية أمام نموذجين:

نموذج المقاومة التي برهنت الالتزام بشرعة حقوق الانسان وقوانين المنظمات الإنسانية والقوانين الدولية بشكل عام.

نموذج الدولة المارقة دولة جيش المرتزقة، إدارة السجن المنتهكة لحقوق الأسير والتي تمارس ضده أبشع فنون التعذيب.

سامي سماحة

الأكثر قراءة

واشنطن تريد رئيسا بين تموز وايلول وكلمة السر بين بري وهوكشتاين جلسة «النازحين»: العبرة بالتنفيذ وتجاهل الهبة وتوصية من 9 نقاط مفاوضات القاهرة فشلت والمقاومة تدك القواعد العسكرية بعشرات الصواريخ