اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

كتبت الشاعة راوية المصري عبر حسابها:

أثناء عطلتي الصيفية في لبنان، تلقّيت دعوة لحضور حفل زفاف، فذهبت بصحبة ابنتي. دخلنا بيت الشّعَر المخصص للاحتفالات في القرية، وكنت أظن أن الوقت الطويل الذي قضيته خارج البلد كفيل بتغيير بعض العادات التي لم أجد لها مبررًا أو تفسيرًا منطقيًا حتى الآن، وفضولي دفعني لمناقشة هذا الموضوع.

عند ذكر الأفراح في الأرياف، لا بد أن نذكر بعض العادات القديمة، والتي كانت تستمر لثلاثة أيام أو أكثر. مع مرور الزمن، تغيّرت لعدة أسباب، أهمها الحالة المادية. اختفت معظم العادات الجيدة، وتحولت كل ليلة من ليالي الأفراح القديمة إلى ساعة أو ربما أقل في الوقت الحاضر. وإنّ من الطقوس القديمة التي بقيت نذكر ليلة الحنّة لكن حتّى ليلة الحنّة لم تعد شيئًا شائعًا كما في الماضي.

إنّ إرث الأجداد يواجه الانقراض بشكل واضح فمن المدهش ان الأقارب والأصدقاء لايحضرون تلقائيا كما في السابق و أصبح كل فرد ينتظر دعوة خاصة مع بخور وزهر، تغيّرنا واستبدلنا الزغاريد بالشماتة . تبدل تقديم الخراف والسمن والأرز بالغيبة والنميمة والنيل من أصحاب الفرح وأصبحت البغضاء والفتن في البيت الواحد سبباً في قسوة القلوب ولم يعد في العشائر كبار أصبح كل من يحمل سلاح أو بطاقة حزبية شيخ عشيرة.

كذلك من بعض العادات المهينة تفريق الجنسين عن بعضهما البعض في الحفل فهم يدخلون سويا إلى مكان الفرح، ولكن يذهب كل منهم للجلوس بقرب أبناء جنسه والأغرب أن النساء تشارك الرجال في الرقص أمام الجميع. وعندما ينتهين وينتهون من "الحنجلة" يتجه كل منهم إلى مكانه المخصص حسب الجنس وكأنهم غرباء.

وعند تقديم الطعام تُصف المناسف على الطاولات ويدعون الرجال أولا للأكل وبعد الانتهاء يدعون النساء والأطفال لتناول بقايا الطعام.

أما في الصالات فالأمر، يختلف حيث يجلس النساء والرجال معًا ويتناولون الطعام سويًا.

تناقض غريب وانتقال لافت من العصر البدوي إلى الحضاري.

ذكرني هذا التناقض بقصة طريفة حملها بعض الأعراب إلى بلاد الاغتراب فبينما كنت في مدرسة الأجانب لتعليم اللغة السويدية جلست على مقعد بجانب رجل أرتيري وفي المقعد الخلفي سمعت نساء يتهامسن ويتحدثن عني ، فاستغربت وحين سألت إحداهن عن سبب التهامس. أجابت لأنك تجلسين "جنب الرجال" !... سألتها عندما تكونين في الطائرة او الباص أو القطار ألا تجلسين بجانب الرجال في أي مقعد فارغ؟ قالت بلا، فسألتها لماذا في الصف تحتاجين لمحرم؟ هل أنت مجنونة؟.

عند عودتي إلى السويد وصلتني دعوة لمنتدى ثقافي في منزل الدكتور محمد آل حسوني. كنا قرابة الأربعين شخصًا وأغلب الموجودين كتّاب وشعراء ومثقفين. وبعد التعارف والقاء بعض كلمات الترحيب والشعر، توجّه المضيّف بدعوة الحضور لتناول طعام العشاء... فهمّ الرجال بالوقوف فرفع المضيّف يده قائلاً: "معذرة أيّها سادة، السيدات أولاً."

ابتسمت خلسة وخطرت ببالي عادات القرى، واعجبت كثيرا بهذه اللفتة الراقية، وخاصةً أن تأتي هذه المبادرة من رجل شرقي. وباتصال هاتفي مع الدكتور علمت أنه ابن ريف أيضاً والعادات التي فيها تمييز موجودة في قراهم وبقوة.

السؤال؟ لماذا نرقص في الأفراح مع الرجال في قرانا وعندما تنتهي الرقصة نعود لنجلس بين النساء والعكس صحيح.

لماذا يدعون الرجال أولاً إلى الطعام؟ والنساء تأكل بقايا طعامهم؟وكيف لامرأة لديها ذرة من الكرامة أن ترضى بأكل بقايا طعام ربما امتدت اليه عشرات الأيادي قبلها؟

إن كان هذا التصرف الرخيص بحق المرأة من العادات، الم يحن الوقت أن يتغير؟

من المسؤول عن هذه التناقضات؟ هل هو الرجل أم المجتمع أم العادات الموروثة أم خنوع المرأة وقبولها بالإهانة والذل؟

تقديرًا للتصرف الراقي والمبادرة الإنسانية للدكتور محمد آل حسوني وهو تصرف من رجل شرقي و فيه احترام كبير للمرأة قلت في نفسي يا راويه : هذا النص ضعيه في مكانه المناسب..

دكتور محمد آل حسوني...لقد لمسنا بشدة الاحترام الذي أظهرته إزاء الجميع وبهذه اللفتة الراقية قدمت لنا مثالًا مذهلاً للتواصل بين الأصالة والتطور الإنساني.

فشكرا من الأعماق ...

الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

اكثر من حجمه