مشكلتنا، مشكلتنا الوجودية، كدولة تقوم على التوازن الهش والملتبس بين الطوائف، في الاجترار الميكانيكي لثقافة القرن التاسع عشر، ما جعلنا دوماً ضحايا التقاطع بين لعبة الأمم ولعبة القبائل، ناهيك بلعبة الطوائف، حين نكون في مواجهة دولة هي اسبارطة الجديدة بالخلفية الايديولوجية المجنونة، حيث الكائنات الأخرى ليست أكثر من ديدان بشرية، اذا عدنا الى صلوات "الحاخامات" الى "الملائكة المدمرة" لمحقنا.
البداية في عدم اقامة دولة. ومنذ الاستقلال تستوعب أساسيات الأزمة اللبنانية، في دولة جرى تركيبها في احدى زوايا قصر فرساي. دائماً التسويات الفولكلورية، منذ "الميثاق الوطني" عام 1943، الى "وثيقة الوفاق الوطني" عام 1989، مروراً بمعادلة "لا غالب ولا مغلوب" عام 1958. لنكون الحلقة الأكثر ضعفاً في ما يدعى "الصراع العربي ـ الاسرائيلي"، حتى اذا استثنينا عهد الرئيس فؤاد شهاب في اقامة دولة، بمواصفات وبمفاهيم حديثة، لاحظنا كيف أدى غياب ديناميكية التفاعل بين المكونات السوسيولوجية، الى الحرب الأهلية، ودائماً بدفع خارجي، ليظهر مدى كراهيتنا بعضنا لبعض، وحتى مدى وحشيتنا، حين كانت الرؤوس تقطع بالفؤوس، وحين كانت الجماجم تعرض على عربات الخضر.
الآن، وقد انتهينا الى تلك النقطة التي علينا أن نختار فيها الباب الذي يأخذنا الى الجحيم، نفاجأ بصفقات الظل، وهي الصفقات السوداء، بين بعض قادة الطوائف (تجاوزاً قادة الأحزاب)، وبالزبائنية اياها، لضرب حزب الله من الداخل، وبأمر من اصحاب الصولجان في الخارج، الذين احترفوا التأثير الجيوسياسي والجيوستراتيجي بأكياس الذهب. من لا يعلم على من توزع هذه الأكياس للدفع في اتجاه لحظة الدم؟...
من هنا ، كان الصوت العالي في اليرزة للرئيس جوزف عون، وبنبرة الجنرال الذي يقود معركة المصير فوق أنقاض دولة في ذروة الضياع، وفي ذروة التفكك، بالتركيز على جاهزية الجيش لضرب أي جهة تحاول العبث بأمن البلاد، وعلى أساس تفعيل هذا الجيش، وان كان معلوماً أن "اسرائيل" تريد من سوريا ولبنان أن تكونا دولتين منزوعتي السلاح، لتدخلا بصورة أو بأخرى في الحظيرة "الاسرائيلية".
ثمة وجه آخر لمشكلتنا، مشكلتنا الوجودية، اننا في وسط عالم عربي في حالة غيبوبة أبدية، وخال من كل عناصر القوة، بالتبعية الكاملة للأمبراطورية الأميركية، لنكتشف أن مصطلح "الصراع العربي ـ الاسرائيلي"، وقد اندثر، كان مصطلحاً خادعاً في ظل معادلة العباءة والخنجر. ولكن كيف يمكن لعقل بشري، وهنا العقل العربي، ألّا تهزه التراجيديا الفلسطينية، كظاهرة انسانية فقط.
قرار "تل أبيب" ليس ازالة أي أثر لكلمة "الدولة الفلسطينية" فحسب، بل وازالة الشعب الفلسطيني، إن بالابادة أو بالاقتلاع والترحيل، لنكتفي بالخطب الرنانة في المبنى الزجاجي في نيويورك، وحيث لا أثر على الأرض لكل الكلام، الذي مثلما لا يصل الى أذني دونالد ترامب، لا يصل الى أذني بنيامين نتنياهو.
انها أميركا، الأمبراطورية الوحيدة، القوة الوحيدة في القرن، وهي التي تتبنى المنحى الايديولوجي والاستراتيجي للائتلاف الحاكم في "اسرائيل". كل ما يفعله دونالد ترامب، بعدما أثارت صور المجزرة أحاسيس زوجيته ميلانيا، لا ابنته ايفانكا التي لا بد أن تتلذذ بمنظر جثث الفلسطينيين تتكدس في العراء أو تحت الأنقاض، أن يضع الأزهار على تلك الجثث، أو أن يتهمها (أجل يتهم حتى جثث الأطفال) بالكذب، وعدم الموت جوعاً.
ولكن ألم يلاحظ المؤرخ البيريطاني بول كنيدي، صاحب "صعود وهبوط القوى العظمى"، أن الأمبراطوريات الكبرى لا تلبث أن تضمحل تدريجاً، عندما يقودها أباطرة بقلوب ميتة؟
آفيفا تشومسكي، المؤرخة الأميركية اليهودية، تساءلت ذا كان ترامب بقلب الديناصور الذي لا قلب له، وبعقل الديناصور الذي لا عقل له. الصحافي الشهير بوب ودورد يرى فيه الظاهرة الفرويدية التي تهوى السير فوق ظهور، أو فوق جثث الآخرين، ليضيف "... ولكن تماماً برقصة القردة، يحاول تقليد الآلهة الاغريق أو الآلهة الرومان؟.
أميركا هي التي تقودنا الآن (ومتى رأت فينا البشر الأسوياء؟) إما الطريق الى أورشليم أو الطريق الى جهنم، حتى اذا لاحظنا كيف يلعب التاريخ لعبة الشيطان في المنطقة، للاحظنا أن ستيف ويتكوف وتوماس براك يفضلان أن يكون الطريق الى الهيكل الطريق ذاته الى دمشق. في هذا السياق، لا بد أن نسأل ما يمكن أن يكون عليه موقف الرئيس أحمد الشرع، اذا شنت "اسرائيل" الحرب ـ التي لم تتوقف يوماً ـ ضد حزب الله؟
الرئيس السوري وجه رسالة علنية الى بنيامين نتنياهو وصحبه "لسنا أعداء لكم، وعدونا مشترك"، أي ايران وحزب الله. هل يعني ذلك، وكما يراهن وزراء ونواب لبنانيون، اعطاء الأوامر الى فصائله المسلحة، وبضوء أخضر أميركي وتواطؤ مع قوى محلية، لغزو المناطق التي يوجد فيها الحزب في البقاع الشمالي، وحتى في البقاع الأوسط؟ بعدما مهدت الغارات "الاسرائيلية" يوم الخميس لذلك، تحت شعار مساعدة الحكومة اللبنانية على اجتثاث الارهاب من البلاد، ليكون "الارهابيون" ومن يمتّ اليهم بصلة، بين الذبح بالسواطير أو الموت بالقنابل.
قيادة حزب الله أمام خيارات صعبة. خيارات وجودية، ودون أي ظهير دولي أو اقليمي. هناك رئيس الجمهورية، وهناك رئيس المجلس النيابي، وهما يعرفان كيف يتعاملان مع الأميركيين للخروج وبضمانات مؤكدة، من الحلقة المقفلة. معلوماتنا تؤكد أن الشيخ نعيم قاسم الذي لا تعوزه الواقعية في ظروف هائلة، يثق بالاثنين للقيام بعملية انقاذ ديبلوماسية، وان تحت النيران التي تحدق بنا من كل حدب وصوب...
يتم قراءة الآن
-
عون في مُواجهة المخاطر: اشهد اني قد بلّغت لبنان بين خطابين... تباين لكن لا صدام داخلي إسرائيل تصعد...واتصالات لمنع انفجار الحكومة
-
هل تغزو الفصائل السوريّة البقاع؟
-
الطفلة التي حاورت زياد قبل 29 عاماً: "منحبّك كتير بلا ولا شي"...
-
جهد رئاسي للوصول الى صيغة توافقيّة لحصريّة السلاح... وإلّا المجهول؟ حزب الله يزور عون في الرابية الاثنين... ولقاء قريب مع جنبلاط الانتخابات النيابيّة مفصليّة: الحريريّون باشروا التحضيرات... وتحالف «الاشتراكي» و«القوات»
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
09:56
"يسرائيل هيوم": بعض المواقع الإسرائيلية توقفت إثر الهجوم السيبراني وأخرى نشرت فيها رسائل سياسية
-
09:55
"يسرائيل هيوم": تعرض مواقع رياضية إسرائيلية معروفة لهجوم سيبراني واسع مصدره قطاع غزة
-
09:39
وزارة الصحة في غزة: "شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم
-
09:36
مدير الإغاثة الطبية بغزة للجزيرة: أدوية مرضى السكري لا تدخل والكثير من النساء الحوامل يعانين من سوء التغذية
-
09:34
رويترز عن مصادر: أميركا وحلف الناتو يطوران آلية تمويل جديدة لتزويد أوكرانيا بالأسلحة
-
09:33
جيروزاليم بوست عن قائد القوات البرية السابق في الجيش الإسرائيلي: نقترب من كارثة مع بقائنا في غزة بعد عامين من الحرب
