اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

الخطة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، ليست جديدة، إنّما تعود الى التاريخ بهدف احتفاظ "إسرائيل" بما تعتبره ملكاً لها، رغم استيلائها على أرض الفلسطينيين من خلال الحروب والاعتداءات والاستيطان. فمنذ متى بدأت هذه الخطة، وهل تحاول "إسرائيل" اليوم استكمالها في خطط مماثلة أخرى من خلال عدوانها المستمر على قطاع غزّة فور انتهاء هدنة الايام السبعة، ومحاولتها تهجير الفلسطينيين من شمال القطاع الى جنوبه، بغية دفعهم الى الخروج الى خارج الحدود الفلسطينية، ولا سيما الى سيناء في مصر؟

يقول السفير الدكتور بسّام النعماني المتخصّص في قضايا الحدود والاتفاقيات الدولية لجريدة "الديار" انّ ما يُعرف بـ الخطة "داليت" (أو "تخنيت د"، حيث ان "داليت" هو حرف "الدال" الرابع في اللغة العبرية)، هي الخطة النهائية التي أقرها رئيس الوكالة اليهودية دايفيد بن غوريون في 3/3/1948 من أجل مواجهة دخول الجيوش العربية إلى فلسطين بعد الانسحاب البريطاني العسكري ونهاية الانتداب البريطاني المعلن في 15 أيار. وكانت قد سبقتها ثلاث خطط عسكرية أخرى هي:

1"-الخطة "أ" التي أقرت في شباط من العام 1945، أي على مشارف انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكانت تدعو إلى قمع الحركة الوطنية الفلسطينية وإعلان صهيوني منفرد بإقامة دولة يهودية على كامل أرض فلسطين الانتداب.

2 "-الخطة الثانية "ب" المعدلة جاءت في أيلول من العام 1945، آخذةً في الاعتبار تحويل بريطانيا القضية الفلسطينية جانب الأمم المتحدة للبت فيها، وفي ظل تصاعد إعلانات الدول العربية التي استقلت حديثاً بأنها تنوي التدخل لمساعدة الشعب الفلسطيني.

3"-الخطة العسكرية الثالثة "ج"، التي تم تقديمها في أيار من العام 1946 وتعديلها مرات عديدة حتى تاريخ تشرين الأول- كانون الأول من العام 1947، وذلك في ضوء صدور قرار التقسيم عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان القرار قد حدد فيه حدود الدولتين العربية واليهودية في اتحاد شبه فيديرالي، على أن تكون مدينة القدس شبه مدولة. وبما أن الكثير من المناطق في الدولة اليهودية هي عربية خالصة، فقد أخذت في حسابها كيفية "تعزيز فرض السلطة الأمنية الصهيونية" على هذه المناطق.

​أما الخطة النهائية الرابعة، على ما أضاف، فهي خطة "داليت" التي أقرت بعد أن نجحت قوات الهاجاناه والبالماخ والشتيرن والأرغون في كسر ظهر قوات المقاومة المحلية الفلسطينية في صفد، وحيفا، ويافا، والقدس الغربية، والجليل السفلي، وساحل عسقلان (المشهور الآن بحزام غزة الشمالي) وذلك في الفترة الممتدة من بدايات شهر كانون الأول 1947 وإلى حين موعد الانسحاب العسكري البريطاني النهائي من فلسطين في 15 أيار 1948. والموعد الأخير هو الذي اختارته دول الجامعة العربية للدخول بجيوشها إلى فلسطين وإنقاذ شعبها ومنع إقامة الدولة اليهودية بالقوة العسكرية. 

وأشار النعماني الى أنّ المناوشات بين الصهاينة والفلسطينيين، بقيت محصورة آنذاك، بتبادل التفجيرات الموضعية بين المناطق العربية واليهودية والاغتيالات والتظاهرات والمناوشات والقنص بين البلدات العربية والمستعمرات الصهيونية. كما أن الانتشار الواسع الفلسطيني في البلاد والوجود الصهيوني المحصور في بعض المدن، سهّل على الفلسطينيين اتباع استراتيجية إقفال الطرق وقطع أوصال المستعمرات بعضها ببعض. وفي الوقت نفسه، كان "جيش الإنقاذ العربي" غير النظامي، الذي بدأ تدريباته بالقرب من دمشق بقيادة فوزي القاوقجي، قد سبق وتسلّل في بدايات العام 1948، وتموضع في القرى العربية في الجليل الأعلى وفي مثلث "جنين- طولكرم- نابلس". كما أن عبد القادر الحسيني جاء من مصر مع مئات من المقاتلين سابقا في "الهيئة العربية العليا" التابعة لمفتي فلسطين السابق الحاج أمين الحسيني وانضم إليه الآلاف من المتطوعين في ما سمي "قوات الجهاد المقدس". وقد تمكنوا من الانتشار في المناطق المحيطة بالقدس ويافا ورام الله. وتم إخضاع الصهاينة للحصار في القدس الغربية (ما كان يسمى مربع مستعمرات "كفر إتزيون"). وبهذا بدأت العمليات العسكرية بين القوات غير النظامية للطرفين.

في هذه الفترة الانتقالية أي قبل اندلاع الحرب مع الدول العربية في أيار من العام 1948، على ما شرح، شن الصهاينة، وتحت أنف البريطانيين الذين كانوا ينسحبون على مراحل زمنية محددة باتجاه مرفأ حيفا، الخطة "د" الهجومية التي نصت على ضرورة التوسع خارج حدود الدولة اليهودية التي رسمتها الأمم المتحدة. وجرى إخضاع كل المواقع الاستراتيجية الضرورية والتواصل مع سائر المستعمرات أو "الكيبوتزيم" التي وقعت بموجب التقسيم في المناطق العربية (مثل الجليل وعكا وصحراء النقب). وكذلك رفضوا إصباغ الصفة الدولية على القدس وحاولوا الاستيلاء عليها بالكامل. وكانت باكورة العمليات هي المجزرة التي تعرضت لها بلدة دير ياسين التي تقع على مشارف القدس في9 نيسان. فقامت عصابتا الإرغون وشتيرن بزعامة مناحيم بيغن بذبح ما يزيد على 200 رجل وإمرأة وشيخ وطفل، ونكّلوا بجثثهم بشكل بشع، وبقروا بطون النساء الحوامل وألقوا بالأطفال في الأفران المشتعلة.

وكان لمجزرة دير ياسين التي لم ينف الصهاينة ارتكابها، والمجازر الأخرى في البلدات المختلفة، على ما أوضح السفير النعماني، وقع صادم على معنويات الشعب الفلسطيني وتداعيات هائلة وأشعرتهم بأن الإمكانات المحلية غير قادرة على مواجهة العصابات الصهيونية. وكان أن فشل القاوقجي في 4-8 نيسان في إخضاع مستعمرة "مشمار همائيك" بهدف الوصول إلى القوة الفلسطينية الصغيرة الموجودة في ميناء عكا، ما أدى إلى حصول حالة رعب وهروب جماعي للسكان باتجاه لبنان. وحصل الأمر نفسه في طبريا وصفدوبيسان في أواسط نيسان، وبالتالي تم فك الحصار عن المستعمرات الصهيونية في سهل الحولة وحصل هروب جماعي مماثل من تلك المناطق. أما في النواحي التي تسيطر عليها "قوات الجهاد المقدس"، فكانت الهجمات الصهيونية المتكررة قد فكت الحصار عن "مربع كفر إتزيون" وسقط القائد عبد القادر الحسيني شهيداً فيها. كما تمدد الصهاينة من ساحل تل أبيب وأخضعوا يافا في 26 نيسان وتم تهجير عدد كبير من سكانها. ولكن ظلت القدس الشرقية في يد العرب بمساندة بعض المتطوعين الأردنيين بانتظار دخول جيشهم في 15 أيار.

ويقول انّ عدد اللاجئين الفلسطينيين في تلك المرحلة الانتقالية من القتال قبل دخول الجيوش العربية، كان عدداً كبيراً جداً، بلغ نحو 215 أو 300 ألف. وقد نفى معظم المؤرخين الصهاينة أنه كانت هنالك أي خطط عسكرية موضوعة، أو بالأحرى وجود قرار صهيوني مركزي، لاقتلاع جماعي للشعب الفلسطيني من المناطق التي تسيطر عليها قواتهم، وأنه لم يتم إعطاء رخصة للقادة العسكريين الصهاينة في الميدان لارتكاب المجازر وتهجيرهم قسراً وتدمير البلدات على رؤوس أصحابها إذا رفضوا المغادرة. وألقوا بالملامة كلها على الزعماء العرب والإذاعات العربية الذين دعوا السكان لإخلاء تلك المناطق تمهيداً لدخول الجيوش العربية (الذين سيقومون بذبح الشعب اليهودي، أو هكذا زعموا). وهم لهذا ماطلوا، بعد توقيع اتفاقيات الهدنة في العام 1949، بل رفضوا مجرد المناقشة، في عودة اللاجئين في المفاوضات التي حصلت في جنيف مع مصر، والأردن، ولبنان لعقد اتفاقيات سلام تعقب اتفاقيات الهدنة. وعلى هذه القاعدة توقفت محادثات السلام التي يمكن اعتبارها خجولة في ذلك الوقت، وانتهجت الدول العربية سياسة المقاطعة الشاملة "لإسرائيل" وعدم الاعتراف بوجودها والتحضير للجولة العسكرية الثانية.

وأشار النعماني الى أنّ أول من ألمح إلى وجود خطة صهيونية محددة، كان المؤرخ الفلسطيني الشهير د. وليد الخالدي في مقال نشره في مجلة "ميدل إيست فوروم" (الفصلية البريطانية المتخصّصة) في كانون الأول من العام 1959. ثم عاد ونشر تفاصيل الخطة واسمها في عدد أيارمن العام 1961 في المجلة نفسها بعد أن تعرض لهجمات وانتقادات متواصلة من بعض المؤرخين الذين كانوا يتبنون النظرية الصهيونية لما حدث في العام 1948. وكانت مساهمة خالدي الأساسية هي أنّ كلمة "التطهير العرقي

ethniccleansing" قد وردت من ضمن تفاصيل الخطة "د" وأن عملية التهجير القسري كانت سياسة متعمدة ورخّصت للقادة العسكريين الصهاينة ارتكاب المجازر ضد المدنيين. وقد تراجعت بعدها إدعاءات المؤرخين الصهاينة بنفي وجود الخطة "داليت". ولكن تحول النقاش إلى أنها كانت مجرد خطة "دفاعية"، مما اضطر الخالدي إلى إعادة نشر نص الخطة بكامله في مقال نشره في العام 1988 في مجلة مؤسسة الدراسات الفلسطينية. وقد فند فيها بأنها كانت خطة شاملة واضحة المعالم لاحتلال كامل فلسطين بكل الطرق الممكنة العسكرية وغير العسكرية بما فيها التهجير القسري للسكان والتطهير العرقي خلافاً للقوانين الدولية السائدة.




الأكثر قراءة

العثور على 6 جثث لأسرى لدى حماس مقتولين يُحدث زلزالاً في «إسرائيل» الشارع يتحرّك ضدّ حكومة نتانياهو... ونقابة العمّال تعلن الإضراب الشامل