اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

كأن الولايات المتحدة الأميركية وَجدت بالعدوان الإسرائيلي على غزة بعد ملحمة طوفان الأقصى فرصة لها للتخلّص من المقاومة التي أفشلَت مشاريعها في المنطقة، فسارعت بحاملات الطائرات الى ردع أعدائها في الشرق الأوسط على مختلف الجبهات من أجل أن تَستفرد "إسرائيل" بحركة حماس بهدف القضاء عليها وبذلك يتم إضعاف بقية محور المقاومة. فالمقاومة الفلسطينية بهذه المرحلة تراها أميركا كنقطة الضعف التي يمكن النفاذ من خلالها لإضعاف قوى محور المقاومة...

اعتمدت واشنطن في السنوات الأخيرة على شن الحروب بالوكالة في المنطقة باعتبارها هي مَن تمَوِّل وتدعم الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، لكن اللافت هذه المرة أن ربيبتها "إسرائيل" هيَ مَن تخوض الحرب عنها.

مِن البداية قررت الولايات المتحدة عدم الانخراط عسكرياً في الحرب والاكتفاء بإدارتها وهذا ما تَطلّب زيارة رئيسها جو بايدن شخصياً الى الكيان وتكرار زيارات وزير خارجيتها أنتوني بلينكن التي كان آخرها قبل يوم واحد من عودة العدوان الإسرائيلي على القطاع بعد هدنة دامت سبعة أيام...

ومن هذه الموقعية ومن خلال المهمة التي أخذتها على عاتقها، سارعت أميركا بعد السابع من تشرين الأول مباشرة الى ضبط الأداء القيادي الإسرائيلي بعد تشتّته لمدة ساعات طويلة مِن قيام كتائب القسّام بعملية طوفان الأقصى، فقامت بعدة خطوات:

الأولى: فرضت على نتنياهو تشكيل حكومة حرب وأدخلت فيها مَن يمثِّلها وهما زعيم معسكر الدولة بيني غانتس، ورئيس هيئة أركان جيش العدو السابق غادي إيزنكوت، كضابطيْن متمرِّسيْن لهما تاريخهما العسكري ومؤثريْن باتخاذ القرارات داخل الكابينت...

الثانية: البروباغندا الإعلامية التي روّجت لها إدارة البيت الأبيض حول المجازر وقطع رؤوس الأطفال وحرق الجثث والتي تَبيَّن كذبها فيما بعد كمقدمة لإطلاق يد الجيش الصهيوني في الانتقام وارتكاب المجازر...

الثالثة: المسارَعة الى تشكيل تحالف مع الأوروبيين وحشد الأساطيل البحرية كرسالة ردع لأعداء "إسرائيل"...

الرابعة: المساعدة المالية الضخمة العاجلة التي طلبها بايدن من الكونغرس لـ "إسرائيل" وتزويد الجيش الصهيوني بالقنابل الضخمة ذات التدمير الكبير للأنفاق...

الخامسة: تبنّي السردية الإسرائيلية لمجريات الحرب واستخدام حق الفيتو لمنع وقف إطلاق النار...

هذا عن كيفية إدارة واشنطن للحرب أما عن أهدافها فهي:

الهدف الأول: إعادة الثقة الى المستوطن الإسرائيلي بإمكانية الحصول على الأمن داخل الكيان بعدما تم كيْ وعيَه بعملية السابع من تشرين التي سَلبت منه الأمن وجعلته مشكّكاً في إمكانية بقائه في الأراضي المحتلة...

الثاني: تقويض قدرة المقاومة في غزة على منع مشروع التطبيع وإدخال بقية الدول العربية فيه...

الثالث: كيْ وعي محور المقاومة من خلال رسم مشهد دموي تدميري يجعل دول المحور مردوعة عن تفعيل قدرتها بوجه "إسرائيل"...

الرابع: تُريد أميركا حسم ما يُقلقها مِن ملفات في الشرق الأوسط للتفرّغ لأولويتها الكبرى وهي مواجهة التقدّم الصيني في الميادين الاقتصادية والتقنية والعسكرية...

أهداف عجزت أميركا عن تحقيقها مِن خلال "إسرائيل" بعد ما يقارب الخمسين يوماً مِن عدوانها الوحشي على غزة وأكثر من ذلك ارتد عليها، وبخاصة أن الأهداف الأميركية باتت محكومة بمحاذير تحاول واشنطن تجنّبها، ألا وهي مصير الأسرى الأميركيين وصورة أميركا عند الرأي العام العالمي، وهذان الأمران دفعا بايدن الى فرض الهدنة على نتنياهو بعد إفراطه في ذبح الأطفال وارتكاب المجازر...

هاجس تهشّم صورة أميركا في العالم وفضيحة دعمها للقتل والتدمير الإسرائيلي لقطاع غزة بقيَ عند الأميركي، فحاول تمديد الهدنة بانتظار فتح مسار تفاوضي يُفضي الى إطلاق سراح الأسرى ضمن صفقة لا تُظهر هزيمة الكيان، إلا أنه فَشِل بسبب عدم نضوج تصوّر أو حل قابل لاعتماده كمَخرج للحرب، فشلٌ دفع بوزير خارجية أميركا لزيارة الأراضي المحتلة للمرة الرابعة منذ بداية العدوان لتغطية الجولة الثانية من العدوان الإسرائيلي على القطاع مع تقييد المدة لأسابيع، ليُعطي فرصة للجيش الصهيوني لتحقيق أي إنجاز ميداني يَحفظ ماء وجهه كقتل أحد قادة المقاومة أو الوصول الى بعض الأسرى...

إذاً... تخوض إسرائيل المعركة بالنيابة عن الولايات المتحدة، صحيح أن هي لها أهدافها أيضاً، إلا أنها في هذه الحرب عادت الى دورها الطبيعي ككيان وظيفي، بحيث ان وجودها حاجة للولايات المتحدة التي تُديرها وهذا ما ظهر علنياً في هذه الحرب، وحتى عندما تفشل "إسرائيل" في تحقيق أهداف أميركا، يَقع على عاتق واشنطن أيضاً إنقاذ تل أبيب...


الأكثر قراءة

العثور على 6 جثث لأسرى لدى حماس مقتولين يُحدث زلزالاً في «إسرائيل» الشارع يتحرّك ضدّ حكومة نتانياهو... ونقابة العمّال تعلن الإضراب الشامل