اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
يستمر العدوان الإسرائيلي على لبنان من بوابة الجنوب، حيث ارتفعت وتيرة هذه الاعتداءات منذ اغتيال الرجل الثاني في حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية. وتقوم مدفعية العدو وطيرانه بقصف يومي لقرى ومناطق في الجنوب، مع زيادة وتيرة الاعتداءات ومداها لتشمل قرى ومناطق بعيدة عن الحدود، وهو ما يمكن تفسيره على أنه استفزاز ومحاولة لجرّ لبنان إلى مواجهة مع العدو الإسرائيلي، الذي هو بحاجة اليوم إلى فتح هذه الحرب لإدخال الولايات المتحدة الأميركية فيها.

وحذرت الإدارة الأميركية «إسرائيل» من تصعيد كبير في لبنان، حسبما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» امس الأحد. ووَفقاً لتقييم سري حديث أجرته وكالة الاستخبارات الدفاعية (DIA)، كشفت عنه الصحيفة، فإن «الجيش الإسرائيلي» سيواجه صعوبة في تحقيق النصر، بسبب تشتيت معداته وموارده العسكرية على عدة جبهات. واشارت الصحيفة الى ان البيت الأبيض أبلغ المسؤولين «الإسرائيليين» أنه عليهم تهدئة الوضع على الجبهة الشمالية، لأنهم لن يكونوا في موضع حسم المعركة مع حزب الله، الذي يمتلك قدرات أكبر بكثير مما تواجهه «إسرائيل» في غزّة.

يذكر ان هذا المقال في الصحيفة الأميركية يأتي على خلفية استطلاعات الرأي العام «الإسرائيلية»، والتي أظهرت أن نسبة «الإسرائيليين» الذي يؤيدون عملية عسكرية ضدّ لبنان تفوق الستين في المئة من الشعب «الإسرائيلي». كما نقل موقع «والا الإسرائيلي» عن ضباط «إسرائيليين» كبار، دعواتهم لهيئة الأركان العامة الى تغيير طريقة القتال في الشمال، وتحويلها إلى عملية شن هجوم على لبنان.

إذًا، ومع ارتفاع احتمالات شنّ هجوم «إسرائيلي» على لبنان، يُطرح السؤال عن مدى استعداد لبنان (حكومة وشعب) لمواجهة هذا العدوان على الصعيد الاقتصادي والمعيشي؟

المواجهات التي يعيشها الجنوب اللبناني مع العدو الإسرائيلي، أدّت إلى تهجير العديد من سكّان القرى الحدودية من منازلهم إلى منطقة صور وبيروت بشكل أساسي. وإذا كان العديد من أهالي منطقة صور قد فتحوا أبوابهم لاستقبال النازحين، إلا أن الطلب على الإيجارات ارتفع، وارتفعت معه الأسعار بشكل لا منطقي ولا أخلاقي، حيث انه وبحسب تصريح أحد سكان بنت جبيل الحدودية، ارتفعت إيجارات الشقق من 200 دولار إلى 1500 دولار أميركي! كما أن كيلو اللحمة ارتفع من 10 إلى 15 دولارا أميركيا، والاشتراك في المولدات الخاصة في منطقة صور تخطّى المنطق والعقل، ليصل إلى بضع مئات من الدولارات! هذا الأمر يشكل أولى تداعيات المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وبالتالي يسأل المواطن اللبناني سواء كان يعيش في الجنوب أو في بيروت أو في منطقة جبل لبنان، عن دور الدولة في السيطرة على الأسعار خلال الأزمات والحروب؟

من البديهي القول ان حجّة «الاقتصاد الحرّ» لا تقوم في زمن الحروب. وما صلاحيات إعلان «حالة الطوارئ» التي تمتلكها الحكومة، إلا دليل صارخ على أنه في أوقات الأزمات يتفوق التعاضد الإنساني على أي شيءٍ آخر، وبالتحديد على جشع التجّار الذين ومنذ اندلاع أزمة العام 2019 وحتى يومنا هذا لا يلتزمون القوانين في ما يخصّ الأسعار. بل أكثر من ذلك ورد لبنان على مدى الثلاثة الاعوام الماضية، على رأس لائحة الدول التي سجّلت ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية. وإذا كانت حكومة تصريف الاعمال قد استخدمت حجّة السيطرة على الأسعار واستقرارها، لتبرير السماح بالتسعير بالدولار الأميركي، فإن هذه الحجّة لم تصحّ لا بل على العكس أظهرت آخر أرقام مؤشر غلاء أسعار المواد الغذائية، أن لبنان احتلّ المرتبة الثانية عالميًا! أين هي الحكومة إذًا؟ وأين وزارة الاقتصاد والتجارة من ملاحقة التجار المخالفين؟ من الواضح أن أي مواجهة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي ستؤدّي حكمًا إلى فلتان في الأسعار، وهو ما يعني فوضى في التسعير على كل الأراضي اللبنانية.

بالإضافة إلى هذا العامل الداخلي (أي فلتان الأسعار)، هناك عوامل خارجية تتطلّب تدخلًا من قبل حكومة تصريف الاعمال من خلال إجراءات استباقية، ولا أحد يعلم حتى الساعة ما هي الخطوات التي اتخذتها فعليًا! فمواجهة عسكرية مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، لن تترك حبّة قمح في لبنان ولا أدوية ولا كهرباء ولا اتصالات، نظراً للتوجّه التدميري الإجرامي الذي تتبعه الماكينة العسكرية «الإسرائيلية» في عملياتها في غزّة (أغلب الظنّ سيتم اتباع المنهجية نفسها). فماذا ستفعل الحكومة إذّاك؟ يتحدثون عن خطة طوارئ لا تمويل لها، ولا قدرة لوجستية على إيصال السلع والبضائع إلى المناطق اللبنانية، حتى في حال وُجد التمويل للخطة!

المنطق ينصّ على اعتماد آلية واضحة فيها خطوات استباقية لأي عمل عدواني إسرائيلي. فمثلًا ما الذي يمنع من أن يتم اجتماع وزارة الاقتصاد مع أصحاب «السوبرماركات» في إطار تنسيقي لإجراءات تأخذ بعين الاعتبار الاستهلاك في كل منطقة، وحاجة «السوبرماركات» الى التخزين لعدّة أسابيع، مع تحديد سقف لأسعار السلع الأساسية؟ وما الذي يمنع من القيام بذلك مع كل القطاعات الأساسية؟ أيضًا لماذا لا يتمّ الاتفاق مع شركة «ستارلينك» منذ الآن للاتصالات عبر الأقمار الصناعية؟ ولماذا لا يتم الاتفاق مع دول مجاورة لتخزين محروقات...؟

على صعيد آخر، ماذا عن طرق التوريد؟ هل هناك من بديل لمطار بيروت في حال استهدفته يد الإجرام؟ هل من بديل عن النقل البحري في حال استهدفت يد الإجرام الموانئ اللبنانية؟ كلها أسئلة تبقى من دون أجوبة، وتُظهر بوضوح ضعف الخطّة الحكومية وهشاشتها في وجه الأخطار المحدقة بلبنان.

من كل ما ورد أعلاه، نستنتج أن الحكومة غير مستعدّة اقتصاديًا ومعيشيًا لأي مواجهة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي. وبالتالي أي عمل عسكري واسع سيؤدّي إلى فلتان في الأسعار بالدرجة الأولى، وفقدان السلع والمواد الأساسية، وسيكون المواطن متروكًا لمصيره كما هي حال أهل غزّة.

من هذا المنطلق، ندعو حكومة تصريف الاعمال إلى إعادة النظر في خطة الطوارئ التي أعدّتها، والأخذ بعين الاعتبار النقاط التي أوردناها أعلاه. والأهم الرقابة على الأسعار في المناطق التي تشهد حاليًا نزوحًا لأهالي الجنوب، والتي أصبحت تشهد ارتفاعًا غير مقبول في الأسعار بشكل سيؤدّي إلى تجويع العديد من العائلات.

الأكثر قراءة

اكثر من حجمه