اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

نحن نعلم أن صعوبة إيجاد مخرج لحل أزمة الحزب السوري القومي الاجتماعي ناتج عن عظمة هذا الحزب بشقيه الفكرة والحركة، ولأنه حزب غير عادي ومبادئ غير عادية وغاية عظيمة، ولأن تأسيسه كان عملا خارقا وإعجازا عظيما، كانت أزمته بمستواه، أي أنها لم تكن صناعة محلية ولا تراكم أخطاء وأغلاط بل كانت خطة استهدفت ركائزه في الفكر والسياسة وفي دستوره وغايته، خطة صاغها وأشرف على تنفيذها دول كبيرة وشخصيات بألقاب عظيمة ومؤسسات بصفات دولية، وكان في طليعة هؤلاء مؤسسات دولة العدو في فلسطين ورجالها، وإنقاذه يتطلب عملا غير عادي يشبه لحظة بداية تأسيسه وانطلاقته وبحجم المؤامرة التي تستهدفه.

فاستشهاد الزعيم كان غاية ليس لخصومه فقط، بل لأعداء الأمة من محليين وإقليميين ودوليين، والإنشقاق الأول كان استكمالا للاستشهاد، كان الإعدام الثاني للزعيم، وأسسّ برعاية خارجية لخطة إخراج الحزب عن محوره التي بدأت في أحداث 1958التي أعادت الحزب علنا الى نعمة تابت ومأمون إياس وغسان تويني عبر تحالف الحزب مع كميل شمعون المتحالف مع حلف بغداد المعترِف بدولة العدو في فلسطين. ومن بركات أحداث 1958على القيادات المنحرفة أنها استثمرت قوة الحزب على مستوى الامة السورية لتثبيت مشروعها في لبننة الحزب.

ليس صدفة أن يخرج الحزب من فلسطين، وليس صدفة أن لا يقتحم الحزب الساحتين العراقية والأردنية ولا أن يخرج من دمشق ليتمركز في بيروت. وليس صدفة أن ينسى الحزب الأرض السليبة ويدعها لمصيرها تحت احتلالات متنوعة وغادرة، ولا أن يبتعد عن معالجة مسائل الإثنيات في سورية الطبيعية " فهو ابتعد عن الأكراد والشركس والأرمن وغيرهم "، ليس صدفة كل هذا بل كان عن سابق تصوير وتصميم للقيادات الحزبية.

أزمة الحزب ليست بتعدد التنظيمات الانشقاقية، ولا بالصراع الداخلي في هذه التنظيمات، لأن ما نراه هو مظاهر الأزمة وليس الأزمة، فالمؤسسات واحدة تحفظ اتجاها واحدا وتكفل تحقيق غاية واحدة هي القضاء على عقيدة الحزب دون الاعلان عن ذلك، إن ما نراه اليوم هو الجولة الأخيرة من جولات الحرب على الحزب، فقد أصبح الحزب على حفاف الخروج من المجتمع، فمؤسسات التنظيمات تشده بحبالها ليخرج من المجتمع وأنطون سعادة يشده ليعود الى المجتمع ليبعث النهضة السورية القومية الاجتماعية.

كيف نخرج من هذا المأزق الكبير؟

لا شك أن الحديث عن أهمية المؤسسات أربك القوميين الاجتماعيين، وأن كلام سعادة عن أنه لا يوجد معارضة في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي، وأن حديث الطاعة والالتزام بخطط المؤسسات وبعد انتصار فريق التآمر على الحزب واستلامه زمام أموره واغتصابه السلطات الحزبية، هذا الفريق صاحب الوجوه التنكرية، فكان الوجه الظاهر يلمع بفكر سعادة ونهج سعادة وخططه، أما الوجه الباطني فكان يُمزق بأحشاء الحزب عبر ضرب دستوره، وبلغت الحماقة عندهم إقرار التعاقد مع المؤسسات وليس مع الزعيم، ولم تكن هذه الحماقة عملا بريئا بل كانت بغاية إخراج سعادة من الحزب لتسنح لهم فرصة إنشاء الحزب الجديد، الغوا التعديل الدستوري لكنهم لم يلغوا مشروع إنشاء الحزب الجديد، لا شك أنه كان لهذه المعطيات دورا كبيرا في القضاء على فكرة الإصلاح من الداخل.

أثبتت أحداث الحزب الداخلية التي بدأت بعد استشهاد الزعيم أن الإصلاح من الداخل أمر يريده أيضا أعداء الحزب وخصومه، وقد أثبتت خطة أعداء الحزب نجاحها بعد اغتيال الأمين أحمد حمود ومن كان معه بعد عودته من دمشق، فمن اغتال الأمين أحمد أوصل رسالة لسيده أنه أهل لتنفيذ أصعب المهام، فبعد استعمال السلاح بالخلاف الداخلي حضر استعمال إراقة الدماء، الذي لم يكن ولن يكون أوله وآخره الأمين أحمد حمود.

برفع السلاح وإراقة الدماء بدأت أزمات الحزب الداخلية، وبدأت تتراكم الأحداث وتتسع هوة الخلافات المزعومة بين القيادات، وبدأت تتعمّم بين القوميين الاجتماعيين أفكار الخصومة والعداوة حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم.

لقد استُهلكت مشاريع الإصلاح من الداخل، فمن كان من خارج اللعبة أقصوه، ومن كان من ضمن اللعبة حافظوا عليه كضرورة لاستمرارهم في رفع راية الحزب الذي يريدونه على قياسهم.

يجب أن نعترف أن الإصلاح من الداخل يراكم العداوة والخصومة ويُنهك ما بقي من قوميين اجتماعيين في أعمال ومهام غير مُجدية بل تزيد في تلاشي فُرص حلّ أزمة الحزب.

يجب أن نعترف أن الإصلاح من الداخل أنهك الحزب وزرع في صفوف القوميين الاجتماعيين حالات التشرذم والإستزلام والتبعية وروحية الفريق ضد الفريق الآخر وأقر مسألة الجماعات المتناقضة والمتحالفة، ولكن أخطر ما أنتجه الإصلاح من الداخل هو التوازن بالقوة بين الأفرقاء الذي يقول عنه سعادة بأنه يؤدي الى نهاية الأطراف، وإذا انتهت الأطراف المتصارعة انتهى الحزب وهذا ما نشاهده اليوم في حالات الخلاف الموجودة بين التنظيمات وفي داخلها.

الإصلاح من الداخل وسيلة من وسائل الحرب على الحزب، والانشقاق الأخير وما تعانيه التنظيمات الانشقاقية من خلافات دليل دامغ على ما نقول.

نعود لنطرح السؤال ما هو مخرج حلّ أزمة الحزب السوري القومي الاجتماعي؟

نحن نفترض العودة الى ثلاث حالات:

الأولى : هي العودة الى لحظة التأسيس والعمل بفرضية أن الحزب غير موجود وسعاده موجود، وعلينا إيجاده ولكن من أغلاط هذه الفرضية أنها تتجاهل تاريخ هذا الحزب الذي كان له بصمات كبيرة وعظيمة في النضال والفكر والثقافة ولا يجوز إلغائها كيفما كانت أوضاع الحزب يومها وكيفما هي اليوم، لذلك لهذه العودة أخطار ومحاذير، ولكن يوجد فيها منافذ ومخارج أول هذه المنافذ هي القناعة بأن الأهمية ليست بالأعداد بل بإرادة الجماعة التي تنوي الإقدام على العمل والتي يجب أن تدرك إدراكا عاليا غاية الحزب كي تستطيع إعادة بنائه واستكمال تأسيسه.

العودة الى التأسيس تعني التصميم على الشروع بالبناء مهما كانت الصعوبات.

الثانية : العودة الى صباح الثامن من تموز. إن العودة الى صباح الثامن من تموز تؤمن شرعية إنشاء الإدارة المؤقتة للحزب السوري القومي الاجتماعي، ففي ذلك الصباح لم يكن للحزب مؤسسات مركزية عليا، ولم يكن في دستوره ما ينص على كيفية تطبيق الديمقراطية التعبيرية، ولا عن كيفية الربط بين المؤسسات المركزية والمؤسسات المحلية، لم يكن يوجد سوى إشارات من الزعيم في رسائل ومقالات يتحدث فيها عن كيفية انبثاق السلطة.

ما حصل بعد استشهاد الزعيم أخرج سعادة من الحزب وحقق غاية فايز صايغ بطرد الزعيم من الحزب، فالتعديلات الدستورية كانت ملهاة للقوميين الاجتماعيين وبلغ الاستهتار بدستور سعادة وفكره والقوميين الاجتماعيين أننا شهدنا آلاف الصفحات من مشاريع التعديل، وحتى اليوم ما زالت فكرة التعديلات الدستورية قائمة وتؤلف من أجلها اللجان. وهنا يحضر سؤال: هل عجز العقل القومي عن استكمال ما بدأه سعادة وما أراده سعادة، أما أنه يوجد إرادة فوق إرادة العقل القومي تريد أن لا يُستكمل دستور أنطون سعادة على قواعد الفكر القومي الاجتماعي؟

أو أن دستور سعادة لا يحتاج الى استكمال وجاءت التعديلات الدستورية لتخرجه عن قواعد الفكر الدستوري للفلسفة السورية القومية الاجتماعية؟

وهنا يجب أن نذكر انه كان من الضروري بعد استشهاد الزعيم أن يقرر الأمناء إعلان حالة الطوارئ وليس الذهاب الى الأردن وانتخاب مجلس أعلى ورئيسا للحزب وهذا هو الخطأ الأول الذي ارتُكبت على أساسه مجموعة الأخطاء والأغلاط وأحيانا كثيرة الكبائر.

مبرر العودة الى صباح الثامن من تموز، أنه حتى اليوم يعيش الحزب أزمة في دستوره وأزمة في خططه السياسية والثقافية وأنه خارج محوره، وأصبح تنظيمات إنشقاقية استغنت عن الزعيم وطردته، وهذا مبرر من مبررات قيام عمل انقاذي من خارج التنظيمات والذي أيضا من مبررات وجوده أفول بريق الحزب، وأنه يكتسب شرعيته من التعاقد مع الزعيم، وأنه بعد غياب الزعيم تصبح استمرارية النهضة مرتبطة باستمرارية سعادة في الطرف الثاني الذي هو القوميون الاجتماعيون

الثالثة : مرحلة ما بعد الانقلاب

من أساليب عملهم التي تؤكد غايتهم في الوصول الى السلطة وليس الى الشعب تسمية ما فعلوه في الليلة الأخيرة من العام 1961 بالثورة الانقلابية بحجة إذا فشل الانقلاب يتحول الحراك الى ثورة. لقد خدعوا القوميين الاجتماعيين مرتين، الأولى عندما نفذوا انقلابا وهم يعرفون أن سعاده ضد فكرة الانقلابات وهو اعتبر ان معركة الحزب الأولى هي الوصول الى الشعب وليس الوصول الى السلطة، الثانية لم يتحول الانقلاب الى ثورة وهذا يشبه ما حصل في ثورة الرابع من تموز التي أعلنها الزعيم حيث لم تتحرك قوات الحزب المنتشرة في لبنان والشام سوى في أماكن محدودة.

ما يهمنا هو أنه استيقظ القوميون الاجتماعيون يومها على خبر الانقلاب فمنهم من أخذته السلطة الى السجن ومنهم من هاجر ومنهم من بقي متخفيا وبعيدا عن أعين السلطة.

غابت المؤسسات المركزية، غاب التواصل بين الوحدات الحزبية والقيادات وأصبحت كل وحدة حزبية في مكانها حزبا تقرر وتفعل ما تراه مناسبا، وكانت هذه الوحدات الحزبية هي الحافظ الأساسي لوجود الحزب ونقطة الانطلاق لعودته الى العمل.

إن ما يحصل الآن يشبه ما حصل تلك الليلة وعلى القوميين الاجتماعيين إعادة بناء حزبهم من جديد بعيدا عن وجود المؤسسات المركزية والقيادات التي ارتكبت الكبائر إن في الإدارة أو في العلاقات السياسية أو في الثقافة أو في التعديلات الدستورية.

لو كان الحزب موجودا كان يمكن القول انه بحاجة الى عملية جراحية، أو الى مجموعة عمليات استئصال، لكن يوجد من يمتلك الجرأة والإرادة والقوة، ويقول أن الموجود ليس الحزب السوري القومي الاجتماعي بل تنظيمات سياسية لا علاقة لها بالفكر القومي الاجتماعي.

لا يستطيع أحد أن ينفي وجودهم الفاعل، ولا ينكر عليهم حقهم في الوجود، ولهم أن يزعموا أنهم أبناء القضية السورية القومية الاجتماعية وأنهم أبناء دستور سعاده، لكننا نطالب القوميين الاجتماعيين أن يُحسنوا الخيار ويعرفوا أين يوجد حزبهم.

لا يجوز ان تصبح الانتخابات مناسبة للحديث عن الإصلاح، فكل حديث عن الإصلاح على أبواب الانتخابات يحمل نزعة فردية لحب السلطة وكسب الألقاب، ولا يحمل مشروع حل لأزمة الحزب.

أن ما يبذله القوميون الاجتماعيون من جُهد في الانتخابات ومن استنفار لقوة العقل واستنباط الحجة، يكفي لإعادة تأسيس الحزب من جديد بعيدا عن الخصومة والعداوة وممارسة عقلية الفريق.


الأكثر قراءة

واشنطن تريد رئيسا بين تموز وايلول وكلمة السر بين بري وهوكشتاين جلسة «النازحين»: العبرة بالتنفيذ وتجاهل الهبة وتوصية من 9 نقاط مفاوضات القاهرة فشلت والمقاومة تدك القواعد العسكرية بعشرات الصواريخ