اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لبنان سيُعاني الأزمة من عِدّة جهات... وهذه هي السيناريوهات


من المتوقّع أن تبدأ الإضطرابات في سلسلة الإمدادات بالظهور في كل القطاعات التجارية وعلى رأسها النفط، وذلك على خلفية التصعيد العسكري جنوب البحر الأحمر. فقد زادت كلٌ من الولايات المُتحدة الأميركية وبريطانيا من ضرباتها الجوية على الحوثيين، الذين ردّوا بتهديدات باستهداف سفن الدولتين، وهو ما دفع الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية إلى الطلب من أصحاب السفن الابتعاد عن طريق باب المندب – البحر الأحمر – قناة السويس، والذي يمرّ عبره 12% من التجارة العالمية البحرية، وذلك تفاديًا للمخاطر الناجمة عن استهداف الحوثيين لهذه السفن. هذا التطوّر العسكري في منطقة تُعتبر من أهم الطرق البحرية في العالم، دفع بالعديد من شركات النقل إلى تعديل طريق نقل السلع والبضائع من باب المندب إلى القرن الافريقي (رأس الرجاء الصالح)، مما يزيد الكلفة والوقت (آلاف الأميال الإضافية) لتسليم السلع والبضائع من وإلى أوروبا وشمال أفريقيا والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

الاضطرابات في النقل البحري أثرت في مسار ناقلات النفط التي تعبر من وإلى أوروبا عبر قناة السويس، لتلبية الطلب الداخلي أو لتكرير النفط وإعادة تصديره إلى دول آسيوية. وهو ما سيؤدّي إلى رفع الأسعار في القارة العجوز (وفي العالم أجمع)، وبالتالي سيرفع من التضخم مما سيقوّض الإجراءات التي كانت ستقوم بها المصارف المركزية الأوروبية (وحتى الأميركية) هذا الأسبوع، من ناحية تخفيض الفوائد بهدف تحفيز الاقتصاد.

ولا يقتصر الضرر على الاقتصادات الأوروبية من باب النفط والتضخّم، بل أيضًا من باب الصادرات الأوروبية إلى آسيا والعكس بالعكس. فقد شهدت أسعار شحن السفن المتجهة من وإلى أوروبا ارتفاعاً حاداً، بعد الهجمات الأخيرة في البحر الأحمر. فمثلًا تتعرّض الصادرات الغذائية الإيطالية إلى آسيا والبالغة 4.4 مليار دولار أميركي سنويًا، لضرر كبير من باب صلاحية المواد الغذائية (الوقت أطول) ومن باب التكلفة (الطريق أطول). كذلك الأمر بالنسبة إلى اللحوم الهندية المتجّهة إلى شمال أفريقيا وجنوب أوروبا. وبحسب جامعة أوكسفورد، هناك ما يزيد على 20% من إجمالي قيمة الواردات التي تدخل الموانئ الأوروبية، تمرّ عبر قناة السويس مقارنة بـ 3% من الواردات متجهة إلى الولايات المتحدة.

أزمة البحر الأحمر تؤثر أيضًا في الاقتصادات العربية على مثال مصر وتونس، حيث ان أسعار الفائدة المرتفعة ومحدودية تدفقات رأس المال ستُضعف القدرة على تحمل الديون لهذه الدول، وتحدّ حكمًا من تمويلها الخارجي. بالإضافة إلى ذلك، هناك ارتفاع الأسعار، خصوصًا في هذين البلدين وهو ما سيؤثر سلبًا في أساسيات هذه الاقتصادات المنهكة بحكم الأزمة الروسية – الأوكرانية. أمّا على صعيد الدول العربية المنتجة للنفط، فهناك مخاوف من تراجع النمو كنتيجة لأزمة التصدير، ولكن أيضًا كنتيجة لتراجع الطلب النفط الناتج بدروه من تراجع الاقتصادات العالمية كافة.

على الصعيد العالمي، ومع المخاوف من تداعيات «أكبر مناورات لحلف شمال الأطلسي» منذ أكثر من عقد، والتصعيد الحاصل بين الصين وتايوان، واستمرار الحرب الضروس بين الروس والأوكرانيين، فإن المخاوف من التداعيات السلبية الطويلة الآمد على الاقتصاد العالمي كبيرة، خصوصًا من باب التضخّم الذي يستمر في الارتفاع تحت تأثير الأزمات المُتعدّدة، ومن باب تراجع التجارة العالمية وارتفاع الفوائد الذي يؤثّر سلبًا في النمو الاقتصادي.

على الصعيد اللبناني الوضع أكثر تعقيدًا، فبالإضافة إلى ارتفاع الأسعار القادم حتمًا، والمقدر في أحسن الأحوال بـ 15% وفي أسوأ الأحوال بأكثر من 40% على بعض السلع، هناك مشكلة قلّة تدفق رؤوس الأموال، والتي بسب الحرب في غزّة وعلى الحدود الجنوبية للبنان، ستتشتّت وستكون نسبة الأموال المُخصّصة للإنفاق الأسري أقلّ مما هي عليه الآن، وقد تصل في أسوأ الأحوال إلى حدود الـ 80% من تحاويل المغتربين. ومع اتنهيار القطاع المصرفي وغياب أداة الفائدة وغياب الإصلاحات، فإن عائدات الصادرات اللبنانية تبقى نائمة في حسابات في الخارج، طمعًا بالفائدة العالية التي تدفعها المصارف الأجنبية. وهو ما يعني حرمان الاقتصاد اللبناني من الاستثمارات. وتأتي أزمة البحر الأحمر لتجعل السياسة الاستثمارية للشركات اللبنانية (والأجنبية) شبه معدومة، ومبنية على الربح الآني أكثر منه على استدامة النمو وبالتالي الأرباح. أيضًا، من المتوقّع أن يؤدّي تراكم الأزمات في لبنان إلى زيادة هجرة الشباب واليد العاملة المؤهّلة، وتراجع القطاع السياحي.

من هذا المنطلق، نرى أن الاقتصاد اللبناني سيتأثر حكمًا بكل هذه العوامل، وسيؤدّي إلى تراجع النشاط الاقتصادي، حتى النشاط الاقتصادي غير الرسمي الذي لطالما تغنّت السلطة بازدهاره في العامين الماضيين. وبالتالي فإن المطروح على الصعيد الحكومي غير كافٍ لتدارك ومواجهة التداعيات الآتية من الأزمة في غزّة والبحر الأحمر. وبالنظر إلى خطّة الطوارئ الحكومية، نرى أنها بعيدة عن الواقع ولا تحاكي مستوى التحدّيات المتوقّعة نتيجة احتدام الصراعات، لا من ناحية التمويل غير المتوافر داخليًا وشبه المنقطع خارجيًا نظرًا إلى الاهتمامات الأخرى للدول، ولا من ناحية اللوجستية التي لن تصمد أمام ماكينة التدمير الإسرائيلية في حال توسّع العدوان الإسرائيلي. وبالتالي، فإن لبنان اليوم في مهّب العاصفة، تتلاعب به الأزمات كما ورق الشجر المتساقط الذي تتلاعب به الريح بشكلٍ عشوائي وبرضوخ تام، وحده الله حامي لبنان وشعبه من ظلم وبطش الخارج ومن خطر الداخل.

في هذا الوقت، تقرّ موازنة 2024 هذا الأسبوع في المجلس النيابي، بعدما قرّر النواب سحب ورقة المرسوم التشريعي من يد حكومة تصريف الاعمال، التي كانت لتستخدمها لإقرار مشروع موازنة أقلّ ما يمكن القول عنه انه تدميري ويُفقّر الشعب اللبناني ويقضي على الاقتصاد. هذا الأخير كان ليدخل في انكماش كبير لن يخرج منه قبل فترة طويلة.

الأكثر قراءة

بطة عرجاء لتسوية عرجاء