اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

عندما يقع الطفل ويكسر يده، يركض الأهل به عند الطبيب ليعالج كسره ويشفيه. ولكن عندما يكون الولد عصبيًّا، كتومًا، عنيفًا مع إخوته أو مع الآخرين، يرفع صوته دائمًا، لا يستطيع التركيز أكثر من 5 دقائق على درسه. وإذا بكى الولد تكون ردة فعل الأهل قصاص أو عقاب وإذا استاء من شيء ما يقولون له "لا تبكي إنت كبير، الأطفال الأقوياء لا يبكون".

المقارنة بسيطة وواضحة، عندما يرى الوالدان ألماً جسدياً أو عوارض جسدّية يشعرون بضرورة التصرف الفوري، ويعالجون الموضوع بسرعة بينما حين تكون الصحة النفسية عند الطفل على المحكّ، وتكون العوارض تحتاج إلى من يقرؤها ويفهمها لمعرفة كيفية التعامل معه لأنّ الطفل لا يدري إذا كان ما يمرّ به إضطرابات نفسية أو إذا كان أسلوبه أمراً طبيعياً وسيستمرّ بهذا السلوك وسيبني شخصّيته على هذا الأساس، فما الحلّ؟

أثبتت الدراسات أنّ الصحة النفسية للولد ترتبط وتتأثر مباشرةً بالصحة النفسية لدى الأم والأب.

هذا يعني أنّ الطفل بإمكانه أن يلتقط العدوى من الضغط النفسي عند أمه، وتظهر هذه العدوى عندما تكون الأم متوترة طوال الوقت، تغضب من أدنى التفاصيل، قلقة وخائفة من كل شيء. تعتقد الأم أن الطفل لا يفهم ولا يتأثر بمشاعره ولكنه يتشرّب هذه المشاعر السلبية من دون قصده كون الأم مصدر الحب والحنان والسعادة لدى طفلها، فهو يتبنّى مشاعرها ويعتمد عليها على أنها السلوك الصحيح ويصبح في المستقبل صورة مكبّرة عن أمه، وبدلًا من أن يشعر بالدفء والحنان يتلقّى البرودة والقساوة.

كل هذه المشاعر السلبية زادت لدى الأهل منذ عام ٢٠١٩، إذ تؤكد الإحصاءات أنّ الأزمات التي يمرّ بها لبنان أثرت بشكلٍ كبير على نفسية اللبنانيين. ورغم ذلك، فالشعب اللبناني ينظر للعلاج النفسي نظرة سخيفة وكأنه للمجانين وهذا الاعتقاد خاطىء جدًا. حين يذهب الجيش للقتال في الحرب، الرجال الذين ينجون يُخصّص لهم أطباء نفسيون كونهم عاشوا تجربة لا يستطيعون التعايش معها، ورأوا جثثاً، ودماءً، ودماراً وعنفاً… فما بالنا نحن في لبنان؟ بدءًا من انقلاب البلد في ثورة تشرين، وصولًا إلى اليوم، نعيش يوميًّا هذا الخوف من الدمار إن كان على الصعيد الإجتماعي، أو الصحي من خلال أزمة كورونا التي اجتاحت كل لبنان، والتي حرمتنا أن نعيش حياتنا كما تعودنا وحرمت الأطفال من براءتهم ومن أهم مرحلة في حياتهم، واستبدلوا المدرسة والصف بالتعليم عن بعد، ولم يستفيدوا منه شيئًا سوى خلافات مع أهلهم لأنهم لا يريدون حضور الصف. وعلى الصعيد المالي، بات الأهل خائفين على مصير أولادهم لأنّ الدولة منعتهم من الوصول إلى أموالهم والتمتع بعيش كريم، وأصبح الأب همه الوحيد أن يؤمّن لقمة العيش لأولاده، بعدما مات فيه شعور الأمان والاستقرار. وكما ذكرنا سابقًا، ما يشعر به الأهل يتشرّبه الطفل وينبت بشخصيته بعوارض لا نتوقعها.

أمنيًّا، نحن اليوم لا نعلم إذا سنعود الى بيوتنا أو لن يبقى بيوت أصلًا… كل هذه المعطيات، وما زال اللبنانيون مؤمنين أنهم بخير وأنهم ليسوا بحاجة للعلاج النفسي ويفضلون أن يحاربوا بصمت الدمار النفسي الذي يعيشون معه يوميًّا ويعكسونه في كل لحظة على أولادهم.

العلاج النفسي ليس أمراً طبيعياً، مرفوضاً رفضًا قاطعًا، وبينما يعطي الأهل لعبة لابنهم ليلهو بها… ليتهم يدرون أنها تخدّر مشاعره ولا تمحيها…

على الشعب أن ينضج على أهميّة الصحة النفسية لأن شعبنا شعب حرب وشعب لا يعرف معنى الراحة، ليس بالضرورة أن يربى جيل مع كل هذه المشاكل والاضطرابات. بدلًا من أن يكون العلاج النفسي هو الأمر الطبيعي، أصبحت الأزمات والمشاكل التي يمرّ بها الأهل هي الأمر الطبيعي واعتادوا عليها للأسف. ما دام الحل موجود وقرار العلاج بيد الأهل، خذوا القرار الصح…إذا ليس من أجلكم، فمن أجل أطفالكم.

الأكثر قراءة

اكثر من حجمه